الجنرال الذهبى عبدالمنعم رياض.. «بالموت إدّى معنى للحياة»
الرئيس عبدالناصر يصافح الفريق عبدالمنعم رياض على الجبهة
لم يكن يوماً عادياً، ولم يكن رجلاً عادياً، هو أحد الأيام الاستثنائية فى تاريخ مصر، وهو أحد الأبطال الاستثنائيين فى تاريخ العسكرية المصرية، فى صباح هذا اليوم قبل 50 عاماً، خطا ببذلته العسكرية وعلى قدمين ثابتتين بين الجنود والضباط على الجبهة ليتابع بنفسه عمليات حرب الاستنزاف التى كانت جسراً واصلاً من «نكسة 67» إلى «نصر 73»، لكن أثناء مروره على القوات فى الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، طالته قذيفة من نيران مدفعية العدو الإسرائيلى أثناء الاشتباك بالنيران، وفارق الحياة خلال نقله إلى مستشفى الإسماعيلية، وخرج الشعب بجميع طوائفه لتشييع جثمانه وسط مشاعر الإجلال والتقدير ممزوجة بحزن عميق.. هو الفريق أول عبدالمنعم رياض، الذى أصبح يوم استشهاده «عيداً للشهداء»، فى التاسع من مارس كل عام.
وكان الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر قد نعى «البطل» عقب استشهاده فى التاسع من مارس عام 69، ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية، التى تعتبر أكبر وسام عسكرى فى مصر، وتخليداً لذكراه وتضحيته الخالدة تمت تسمية ذلك اليوم بـ«يوم الشهيد»، الذى تحول إلى مناسبة وطنية مستمرة للاحتفاء بالشهداء جميعاً، سواء من الجيش أو الشرطة أو المدنيين.
ابنة شقيقته: عيد للعزة والكرامة والوطنية وأشعر بالفخر فى هذا اليوم.. وأطالب بتدريس هذه البطولات فى المناهج التعليمية
«ليس يوماً للشهداء فحسب، بل هو يوم للعزة والكرامة والوطنية المصرية»، هكذا تقول عزة الخولى، ابنة شقيقة الفريق أول عبدالمنعم رياض، وأضافت لـ«الوطن» أنها تفتخر بهذه الذكرى من كل عام، ليس بسبب صلة القرابة التى تجمعها بالشهيد فقط، لكن باعتبارها مصرية فى المقام الأول، حسبما تؤكد، وتابعت «عزة»: «الشهيد الذى هو حى يرزق عند ربه لا ينتظر تكريماً ولا احتفالات، لكن واجبه علينا أن نعيد سيرته ونمجد بطولته ونعلم ما قام به للأجيال الجديدة التى تحتاج لمعرفة هؤلاء الأبناء والتعلم منهم، ولذلك أطالب بتدريس تلك البطولات فى المناهج التعليمية لأولادنا»، وتؤكد أنه لا فرق بين شهيد سقط برصاص العدو وآخر ينال شهادته اليوم برصاص جماعات إرهابية، مضيفة: «نحن عدونا واحد، وكل الشهداء الذين يموتون دفاعاً عن أرض الوطن هم فخر وعزة لنا، منذ الشهيد عبدالمنعم رياض ومن سبقوه، حتى شهداء الحرب على الإرهاب اليوم من جنودنا وأبنائنا فى القوات المسلحة».
وقال اللواء أركان حرب محمد عبدالمنعم، أمين عام المجلس القومى لرعاية أسر الشهداء والمصابين، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، إن يوم الشهداء بمثابة عيد وطنى للاحتفال ببطولات من ضحوا بأرواحهم من أجل مصر، مؤكداً أنه ستظل تضحيات الشهداء خالدة فى تاريخ الوطن عرفاناً وتقديراً لما قدموه، وشدد «عبدالمنعم» على أن شهداء مصر جميعاً فى منزلة عالية، سواء من أبطال القوات المسلحة أو الشرطة أو المدنيين، لأنهم قدموا أرواحهم فداءً لاستقرار وأمن الوطن والمواطن.
«الدسوقى»: الجيش ثأر له بأوامر مباشرة من «عبدالناصر».. وأمين «رعاية أسر الشهداء والمصابين»: لن ننسى التضحيات
ورغم الحزن الكبير الذى خيم على الشعب المصرى جميعاً مع استشهاد «البطل» على الجبهة يوم 9 مارس، إلا أن واقعة الاستشهاد لم تحدث أثراً سلبياً فى القوات المصرية، بقدر ما أحدثت ردة فعل عكسية لم يتوقعها العدو، بحسب ما يؤرخه الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث، قائلاً لـ«الوطن»: «عقب استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، قامت قواتنا بالرد بأقصى درجات القوة والعنف، وتمكن جنودنا من تلقين الإسرائيليين درساً لن ينسوه»، ويوضح «الدسوقى» أنه تم تنفيذ عدة عمليات وراء خطوط العدو عقب يوم 9 مارس للثأر، ونجحت هذه العمليات فى إلحاق خسائر كبيرة بصفوف العدو على مستوى البشر والمعدات، ويرصد أستاذ التاريخ الحديث أبرز هذه العمليات التى تمت بأوامر مباشرة من «عبدالناصر» شخصياً، كما يوضح، وهى عملية «لسان التمساح»، شارحاً: «فى يوم الأربعين لاستشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، قامت قوات الجيش بتنفيذ تلك العملية البطولية من خلال المجموعة 39 قتال، بقيادة الشهيد العميد إبراهيم الرفاعى، حيث استطاع أبطال الصاعقة المصرية قتل كل جنود العدو فى الموقع ورفع العلم المصرى عليه، والعودة بالعديد من الأسلحة وذخائر العدو دون وقوع أى إصابات كبيرة فى صفوف أبطال الصاعقة المصرية».
ويعتبر البطل «عبدالمنعم رياض» الذى رحل فى مثل هذا اليوم، واحداً من أشهر العسكريين المصريين والعرب فى القرن العشرين، حيث قضى مشواراً طويلاً ناصعاً بالبطولات فى الخدمة العسكرية، منذ مشاركته فى الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامى 1941 و1942، ثم مشاركته فى حرب فلسطين عام 1948، ومواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، وحرب 1967، وصولاً إلى حرب الاستنزاف التى لقى فيها شهادته بعد أن قرر ببسالة أن يزور أكثر المواقع تقدماً على الجبهة، وانهالت نيران قوات العدو الإسرائيلى فجأة على المنطقة التى كان يقف فيها وسط جنوده، فانفجرت إحدى دانات المدفعية بالقرب منه، وتوفى متأثراً بجراحه نتيجة للشظايا القاتلة، ولم يكن وسام نجمة الشرف العسكرية، الذى حصل عليه بطل «9 مارس» بعد استشهاده هو الأول من نوعه، لكنه حصل على العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات الشرفية على مدار تاريخه العسكرى.