«بيت الحيوان» أكوام من الفئران داخل صناديق.. وغذاؤها «عيش بلدى»
باحثون يتحايلون على نقص الإمكانيات بتربية فئران التجارب بالمعامل
فى مكان منعزل داخل إحدى كليات العلوم العريقة، عثرت «الوطن» على الغرفة المخصصة لإعاشة الحيوانات التى تُستخدم لأغراض تعليمية ويفترض أن تُجرى عليها أيضاً تجارب علمية، والتى يطلق عليها «بيت الحيوان».
بمساعدة أحد المدرسين بالكلية، وبعد طلبه عدم ذكر اسم الكلية صراحة، حرصاً على «عدم الإساءة لسمعتها العلمية»، تمكنا من الحصول على فرصة للدخول، بحجة أنه طالب يسأل عن الفئران التى سيتم استخدامها فى إحدى التجارب بالكلية، كانت هناك أقفاص وصناديق حديدية وبلاستيكية مكتظة بفئران تجارب بيضاء لا تكاد تجد لها موطئ قدم، وأخرى ضاقت عليها المساحات فى أقفاصها بفعل تراكم المخلفات التى لم تجد من يزيلها، فيما كانت فئران أخرى هائمة فى الحجرة خارج الأقفاص، وعلى أحد الأرفف بالغرفة كانت هناك بعض أرغفة «عيش بلدى»، بدا أنها يقدمونها كطعام لهذه الفئران، ومن فوق كل ذلك كانت هناك رائحة نفاذة تزكم الأنوف فى ظل توقف أو تعطل شفاط الهواء والتكييف، وهو الأمر الذى يجعل الزائر، بعد مدة وجيزة يشعر غالباً بالإعياء.
«الوطن» أخذت الصور التى تمكنت من التقاطها، وأطلعت الدكتورة سهير رمضان، أستاذ علم وظائف الأعضاء، وعضو لجنة أخلاقيات استخدام ورعاية حيوانات التجارب بجامعة القاهرة، عليها وسألناها عن مدى توافق أو تناقض ما رأته مع الأخلاقيات والمعايير العلمية السليمة للتعامل مع حيوانات التجارب، فكانت إجاباتها صادمة، لا سيما مع تأكيدها أن «الحال فى معظم كليات العلوم لا يكاد يختلف عما رصدته الصور فى هذه الكلية».
أستاذ فسيولوجى: عدم توافر الاشتراطات العالمية يؤثر على دقة نتائج التجارب العلمية بنسبة 90%.. والباحثون يتحايلون على ضعف الإمكانيات
قالت «رمضان»: «يجب أن تعيش حيوانات التجارب داخل حجرات إيوائها فى أقفاص بمساحات معينة لكل فأر، وهو الأمر المهم لنجاح التجربة، حيث إن الزحمة تؤدى لـ«ضغط عصبى» stress لدى الفئران، وهو ما يمكن أن يجعلهم يحاربون بعضهم البعض، أو بمعنى آخر يعضون بعضهم، هذا فضلاً عن صعوبة التعامل معهم من قبل الطلبة والباحثين»، وأكدت أستاذة علم وظائف الأعضاء كذلك أن التهوية فى حجرة إعاشة الحيوان يجب أن تكون بمعدل من 15 لـ20 لفة فى الدقيقة، مشيرة، بحكم خبرتها، إلى أن الرائحة النفاذة التى كانت بالغرفة هى رائحة «الأمونيا» الناتجة عن بول الفئران، وهى تزيد فى ظل غياب التهوية، وعدم تغيير نشارة الخشب التى توضع تحت الفئران، وتؤدى بدورها لزيادة نسبة الرطوبة، وبإمكانها مع طول التعرض لها أن تؤذى نظر الإنسان، وأن تؤدى على المدى الطويل للإصابة بالسرطان، وعلقت «رمضان» كذلك على وجود إضاءة بالغرفة نهاراً، موضحة أن الفئران حيوانات ليلية، والمفروض أن تعيش نهاراً فى ظلام، وليلاً فى مكان مضاء لتعيش حياتها الطبيعية، مشيرة إلى أنه لا تتم مراعاة ذلك لدينا، بينما فى الخارج يتم عمل دورة إضاءة صناعية تشمل 12 ساعة ظلام نهاراً، و12 ساعة إضاءة ليلاً، وفى حالة ما إذا كانت هناك حاجة فقط للدخول نهاراً تتم إنارة المكان، فى ظل وجود أماكن للفئران يمكن أن يختبئوا فيها من الضوء.
أستاذ «وظائف الأعضاء»: زحام حيوانات التجارب داخل حجرات الإيواء يؤدى لضغط عصبى يدفعها لمحاربة بعضها وإعاقة التعامل معها
أما بالنسبة للأرضيات والحوائط التى كان واضحاً أنها من السيراميك، فقالت: «المعايير العالمية تقول إنها يجب أن تكون من مادة ملساء تسمى «الإيبوكسى»، ولا يستخدم فيها أى سيراميك، بحيث لا يكون فيها أى فواصل تسمح بوجود طفيليات أو آفات يمكن أن تعيش فى تلك الفواصل أو الفراغات، كما أن الحوائط والأرضيات يجب أن تكون ناعمة تماماً، بحيث يسهل تنظيفها، علماً بأن إصابة الحيوانات بأمراض يجعلها غير صالحة للتجربة، ويجب استبعادها منها»، وبالإشارة إلى أرغفة الخبز التى كانت معدة لإطعام الفئران، أشارت إلى أن «طعام حيوانات التجارب لا بد أن يتم تصنيعه فى مصانع خاصة، بحيث يتضمن جميع العناصر الغذائية اللازمة، وأن تكون هناك أماكن مستقلة لتخزينه، حتى لا يتلوث إذا ما وضع فى نفس الحجرة مع الحيوانات، ولا بد أن يكون موجوداً على أرفف بعيدة عن الحائط، لكى لا تصله الآفات، ولا بد أن يكون عليه تاريخ للصلاحية، الأكل الذى اقترب تاريخ صلاحيته من الانتهاء يوضع أعلى صف، وهى أشياء لا يتم عادة اتباعها لدينا».
لا يتعلق الأمر هنا بـ«الأخلاق» فقط بقدر ما يرتبط بالعلم ودقة النتائج المنتظرة من التجارب، حيث تؤكد «رمضان» أن عدم ضبط نسب الإضاءة والرطوبة والحرارة على سبيل المثال، يُحدث تغييرات فى نسب الهرمونات لدى حيوانات التجارب، بما يؤثر على أى عوامل يتم قياسها فى الحيوانات، ويجعل النتائج التى نحصل عليها فى النهاية غير دقيقة بنسبة تصل إلى 90%، مشيرة إلى أن من سافر ورأى المعايير العالمية يدرك ذلك، أما من لم تتح له الفرصة، فربما لا يزال يدرك أن هذا هو الوضع الطبيعى، وتوضح أستاذ علم الفسيولوجى، أن من اطلعوا على المعايير السليمة من الأساتذة والباحثين يتحايلون على ضعف الإمكانات وعدم وجود مرافق كافية، باستخدام المعامل نفسها لإعاشة حيوانات التجارب، حيث تتوافر إمكانيات أفضل لضبط الحرارة والتهوية والنظافة، وهو الأمر الذى لا يعتبر مثالياً أيضاً، إلا أنه يمكن الباحثين من الوصول لنتائج أقرب للدقة، فى انتظار أن تتاح لهم المرافق والإمكانيات اللازمة لإجراء تجاربهم بصورة سليمة.
وربما يبقى من المهم الإشارة إلى أن الصورة التى اطلعت «الوطن» عليها فى هذه الكلية، لا تختلف عن الأوضاع فى كليات ومراكز بحثية أخرى، تمكنت «الوطن» من الاطلاع على بعضها، والتقطت صوراً لها، شريطة عدم الإشارة إليها بالاسم أيضاً.