من الدودة إلى الجمل.. «بيزنس التربية» لإمداد الباحثين باحتياجاتهم
ديدان وثعابين وسحالى معدة للبيع للباحثين
مع الأهمية الكبيرة التى تحتلها حيوانات التجارب فى البحث العلمى والتجارب المعملية، وما يؤكده الخبراء والباحثون عن أهمية الاشتراطات الصحية والتربوية الواجب توافرها بها لسلامة التجربة ودقة نتائجها، تتبادر إلى الذهن أسئلة عن «مصدر هذه الحيوانات، وكيف تتم تربيتها، وما طبيعة وحدود البيزنس القائم عليها؟».
فى سبيل البحث عن الإجابة بين أساتذة كلية العلوم بجامعة القاهرة، عرفنا أن هناك مربين وموردين لفئران التجارب وغيرها من الحيوانات، تتعامل معهم الكلية والجامعة بشكل رسمى ومنتظم، بل تحصل منهم أحياناً كثيرة على فواتير ضريبية، بما يعنى أن لديهم سجلاً تجارياً، ومن أبرز هؤلاء أشخاص يُعرفون بـ«عثمان»، و«عبدالحليم» و«على» و«عبدالبديع»، وغيرهم.
يعرف أساتذة الكلية الذين اطلعوا على المعايير العالمية السليمة فى تربية حيوانات التجارب، ومن بينهم الدكتورة سهير رمضان، عضو لجنة أخلاقيات جامعة القاهرة لرعاية واستخدام حيوانات التجارب، أن هذه ليست الطريقة المثالية للحصول على نتائج دقيقة فى التجارب، حيث تحتاج حيوانات التجارب لتربيتها فى مرافق متخصصة، لضبط درجات الحرارة والرطوبة والتهوية وجودة التغذية، ولكنهم، على حد قولها «مضطرون لأنه لا يوجد بديل آخر أمامهم، لا سيما مع عدم جودة وصلاحية الحيوانات المستجلبة من بعض المراكز البحثية أيضاً».
البيوت ومراكز ومعاهد بحثية وجامعات تسعى لاقتناص حصة من سوق حيوانات التجارب فى مصر.. وباحثون يسجلون ملاحظات سلبية على الجودة
فى اتصال هاتفى مع «عم عثمان»، أحد موردى فئران التجارب لكلية علوم القاهرة، للتعرف على هذا العالم، ادعى أنه توقف عن العمل فى هذا المجال الآن لكبر سنه، مشيراً إلى أنه سيحاول العثور على شخص آخر يساعدنا، وهو ما لم يحدث، لكن لاحقاً علمنا أن أحد أساتذة الكلية زار «عم عثمان» فى بيته الواقع قرب الجامعة قبل أيام، واشترى منه فئران تجارب بالفعل، ويشير الأستاذ الجامعى، الذى فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن «عم عثمان» كان يعمل فى مركز بحثى أمريكى، يدعى «نمرو» كان موجوداً بمصر منذ عشرات السنين، ويجرى أبحاثاً على حيوانات التجارب، مشيراً إلى أنه يُخصص دورين على الأقل فى بيته لتربية الفئران، وعلم أبناءه العمل بهذه المهنة، وأنه نتيجة لخبرته السابقة فى التعامل مع فئران التجارب، فإن اشتراطات النظافة لديه جيدة جداً، إلا أنه «ليس لديه نظام تكييف وتثبيت لدرجة الحرارة والرطوبة والتهوية والإضاءة، وهى أمور مهمة لضبط الساعة البيولوجية للفأر، ومن ثم الحصول على نتائج دقيقة فى التجارب».
وإذا كان «عم عثمان» متخصصاً فى تربية وتوريد فئران التجارب فقط، فإن هناك من المربين والموردين من يعملون فى معظم أنواع حيوانات التجارب، ومن هؤلاء عم «عبدالحليم»، الذى كان أكثر صراحة، كاشفاً عن أنه من أهالى قرية أبورواش بالجيزة، وأنه ليس وحده الذى يعمل فى هذا النشاط، وإنما يعمل به «عدد كبير» من أهالى قريته أيضاً.
أسعار الفئران من 20 إلى 200 جنيه.. وطلاب العلوم والصيدلة والطب البيطرى يطلبون «زواحف وأرانب وكلاباً وحميراً»
يقول عم عبدالحليم، 58 عاماً: «الفئران البيضاء هى أصل حيوانات التجارب وأكثرها انتشاراً فى مصر، وهى فى الأصل مستوردة من أوروبا وأمريكا»، مشيراً إلى أن هناك أفراداً عاديين ممن عملوا فى معامل التجارب لسنتين أو 3 مثلاً، وعرفوا كيف تكون التربية ويريدون زيادة دخولهم، يلجأون لتربية فئران تجارب فى بيوتهم من أجل الأبحاث، ويبحثون بعد ذلك عن موردين آخرين لتسويق إنتاجهم، ويشير «عبدالحليم» إلى أن الفأر الأبيض عندما يتربى فى الأسر يكون مستأنساً وسهل التعامل معه، وحركته بطيئة، لكن لو عاش فى البرية سيكون شرساً، وأشرس وأقوى من الفأر الأسود الذى يوجد فى البيئات الطبيعية المصرية، لافتاً إلى أنه فى الحالات التى كان يهرب فيها منهم فأر من النوع الأبيض، ويظل 10 أو 15 يوماً طليقاً، ثم يحاولون الإمساك به بعد ذلك فإنه يدافع عن نفسه بشراسة، ويتسلق الأشجار والأغصان، على حد قوله.
ويوضح مربى ومورد حيوانات التجارب أن كليات العلوم أكثر الكليات التى تطلب فئران التجارب البيضاء بنوعيها، الكبير والصغير، وإلى جانبها تأتى الزواحف والثعابين وأحياناً الحشرات والديدان، أما كليات الصيدلة فتطلب الفئران والأرانب، وكليات الطب البيطرى تطلب إلى جانب الفئران والأرانب، حيوانات كبيرة مثل الجمال والأغنام، وبعض الحيوانات الضالة، كالكلاب والقطط، وصولاً إلى الحمير، التى وصلت لسن اليأس، والتى يطلق عليها اسم «حمير إعدام».
أما عن الأسعار، فيشير عم «عبدالحليم»، على سبيل المثال، إلى أن أسعار معظم فئران التجارب تبدأ من 20 جنيهاً تقريباً، ويمكن أن تصل إلى 40، وهناك بعض أنواع نادرة قد يرتفع سعرها إلى 150 و200 جنيه، أما الكلاب الضالة فمتوسط سعرها 300 جنيه، والحمير 500، والحشرات حسب النوع والعدد، ويمكن أن تصل الحشرة الواحدة كالجراد المصرى إلى 10 جنيهات، بينما فرس النبى بـ15، والديدان بـ3 جينهات للواحدة.
وإلى جانب المربين والموردين الأفراد الذين يعملون لحسابهم الخاص، فإن بعض الجهات والمراكز البحثية تُربى حيوانات تجارب لبيعها أيضاً للباحثين، فى محاولة للاستفادة من إمكانياتها للحصول على عائد مادى، ومن تلك الجهات المركز القومى للبحوث العلمية، وجامعة عين شمس، ومعهد تيودور بلهارس، فضلاً عن بعض المراكز البحثية التابعة لمركز البحوث الزراعية.
وتشير الدكتورة حنان مصطفى، رئيس شعبة البحوث الكيميائية والبيولوجية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وهى الشعبة الوحيدة بالمركز التى تستعين فى عملها بحيوانات التجارب، إلى أن من بين الأماكن الجيدة فى التربية، المزرعة التابعة لشركة المصل واللقاح بحلوان، لافتة إلى أنه تتوافر فيها شروط الرعاية والتغذية ووجود أطباء بيطريين، هذا فضلاً عن المركز القومى للبحوث، وتضيف رئيس «شعبة البحوث» أن «هناك فى المقابل أماكن أخرى تبيع حيوانات تجارب، ويمكن أن نكتشف إصابتها بأمراض، وذلك مثل معهد تيودور بلهارس، الذى تم شراء حيوانات تجارب منه ذات مرة واتضح أنها مصابة بأورام، وهو ما أرجعته مصادر أخرى إلى غياب الاشتراطات السليمة فى التربية بالمعهد، واعتماده فى إطعام هذه الحيوانات على بقايا أطعمة المرضى الذين يعالجون بالمعهد والمصابين بالكبد».
وفيما يتعلق بالأسعار، أوضحت الدكتورة حنان مصطفى أن سعر الفأر فى مزرعة حلوان التابعة للشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا»، قد يصل إلى 35 جنيهاً، ويختلف حسب الوزن والنوع، لكن فى جامعة عين شمس قد يصل إلى 18 جنيهاً، حيث يتم حجز الكميات المطلوبة من هناك، ومن الممكن تسلمها بعد نحو شهرين مثلاً لحين توافر إنتاج جديد.
وإلى جانب بيزنس شراء حيوانات التجارب ذاتها، تشير رئيس شعبة البحوث الكيميائية والبيولوجية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أن المركز القومى للبحوث العلمية، يمكن الاتفاق معه على استضافة التجربة، والحيوانات المستخدمة فيها، مقابل «أرضية» قيمتها 18 جنيهاً فى الشهر للفأر الواحد، شاملة الأكل والشرب والنظافة، وتتمنى «مصطفى» أن يكون لدى كل مركز أو هيئة بحثية المكان المناسب الذى يمكن تربية وتوالد هذه الحيوانات به، طبقاً للاشتراطات السليمة، وعمل اكتفاء ذاتى بها، لافتة إلى أن الفئران لديها قدرة كبيرة على التوالد، وذلك بمعدل 7 أو 8 فئران كل 3 أسابيع، على حد قولها.