«البحوث الزراعية».. قلعة تجارب على الجاموس والماعز والكتاكيت والهدف «تحسين السلالات وتوفير الأعلاف وزيادة إنتاج اللحوم والألبان»
كيف تُحسن سلالات الماشية لزيادة إنتاجية اللحوم واللبن؟
فى عالم التجارب على الحيوانات، تتمتع التجارب الخاصة بحقل الإنتاج الحيوانى، التى تجريها عادة المعاهد التابعة لمركز البحوث الزراعية أو كليات الزراعة، بخصوصية عن غيرها من التجارب المعملية التى تجريها كليات العلوم أو الصيدلة والتى تكون على الفئران غالباً، وبينما يمكن أن تباع الأولى غالباً للمواطنين، بعد إجراء التجربة، يكون مصير الثانية ما يعرف علمياً بـ«القتل الرحيم» غالباً.
فى بقعة كانت يوماً منعزلة بالقرب من أهرامات الجيزة، لكنها أصبحت الآن محاطة بالمساكن والعمران، يقع أحد هذه المعاهد التابعة لمركز البحوث الزراعية، وهو «معهد التناسليات»، الذى يهدف بشكل أساسى لتحسين النواحى الوراثية فى الحيوانات، لزيادة إنتاجيتها، سواء من حيث اللحوم أو الألبان.
خلال جولة بين أروقة وأقسام ومعامل المعهد، وأماكن تربية حيوانات التجارب به، التى تنوعت ما بين الأرانب، والجاموس، والأبقار، والماعز، والأغنام، أوضح الدكتور مجدى رمضان، رئيس قسم بحوث التلقيح الاصطناعى ونقل الأجنة بالمعهد، أن الفكرة الأساسية فى عمل المعهد تقوم على تجميع وحفظ السائل المنوى لذكور من سلالات مميزة، معظمها أجنبى، لتلقيح سلالات أخرى من الإناث بها، منها ما هو محلى، للحصول على صفات وراثية ذات إنتاجية أفضل.
رئيس «التلقيح» بـ«التناسليات»: نحفظ «السائل المنوى» للحيوانات ذات الصفات الوراثية الجيدة لإنتاج سلالات أفضل.. ونوفر التكاليف على المربين
وفيما يتعلق بأوجه الاختلاف بين تجاربهم والتجارب التى يتم إجراؤها على الحيوانات فى كليات العلوم والصيدلة، أشار رئيس قسم بحوث التلقيح الاصطناعى ونقل الأجنة بالمعهد إلى أنهم غالباً ما يجرون تجاربهم على عدد قليل من الحيوانات، يتراوح بين 6 و10، لا سيما فى الحيوانات الكبيرة ذات التكلفة المرتفعة، كما أنهم فى حال ما لم تكن الحيوانات بها شىء ضار، فإنه يتم بيعها بعد انتهاء التجربة، لافتاً فى هذا الصدد إلى أن معظم التجارب التى يجريها المعهد تعتبر إضافة للحيوان للأفضل.
وهو يتنقل بين «بواكى» مستطيلة متعددة ومتجاورة، تضم كل واحدة منها الحيوانات التى يتم إجراء تجربة معينة عليها، استعرض الدكتور مجدى رمضان، بعضاً من أنواع الجاموس والأبقار والماعز التى يتم إجراء التجارب عليها لتحسين صفاتها الوراثية، مشيراً إلى أن لديهم الجاموس الإيطالى الذى يتميز بإنتاجية أكثر من الجاموس المصرى من حيث اللحوم والألبان، لافتاً إلى أن إجراء مزج بين السلالتين سيؤدى لزيادة إنتاجية اللحم واللبن فى الجاموس المصرى.
فى القسم المخصص للماعز والأغنام، تحدث رئيس قسم بحوث التلقيح الاصطناعى ونقل الأجنة بالمعهد، عن سلالات الماعز «البور»، ذات الإنتاجية العالية، التى يتم خلطها مع ماعز «دمشقى» لإنتاج صفات وراثية أفضل من حيث إنتاجيتها فى اللحوم والألبان، مشيراً إلى نتاج هذا التزاوج، الذى كان عمره لا يتخطى 6 أشهر، بينما يوحى تكوينه الجسمانى بأن عمره سنوات.
أما فى وحدة الأرانب، فأشارت د. أمانى طه إلى وجود ذكور وأمهات الأرانب بوحدة الأرانب بالمعهد، لافتة إلى أن المعهد يوفر لباحثيه أو الباحثين من خارجه الأعداد التى يحتاجونها من الأرانب لإجراء تجاربهم عليها، كما يقوم بتجميع السائل المنوى للأرانب، سواء للقيام بتجارب تناسلية ورفع كفاءته، حيث يمكن استخدامه بعد ذلك فى فترة الصيف التى تعوق فيها الحرارة الشديدة عملية التناسل الطبيعية للأرانب، ويوفر على المربين تكاليف تربية أعداد كبيرة من الذكور.
لم تختلف الصورة كثيراً فى معهد بحوث الإنتاج الحيوانى، التابع لمركز البحوث الزراعية والكائن مقره الرئيسى بحى الدقى، الذى يجرى تجارب على حيوانات شتى، من الكتاكيت والسمان وحتى الأبقار والجاموس، وذلك بهدف تحسين الأداء الإنتاجى أيضاً لها. ويتبع المعهد نحو 9 محطات بحثية وإنتاجية تابعة للمعهد منتشرة فى أنحاء مختلفة من الجمهورية، منها 3 فى محافظات الصعيد و6 فى محافظات الوجه البحرى.
مدير «الإنتاج الحيوانى»: أنشطتنا بحثية وإنتاجية وإرشادية ونعمل على توفير تركيبات الأعلاف ونشر «السلالات المحلية»
هذا ما يؤكده الدكتور فوزى أبودنيا، مدير المعهد، الذى يشير إلى أن المعهد منذ إنشائه مع مركز البحوث الزراعية عام 1971، له 3 أنشطة: بحثية، وإنتاجية، وإرشادية، وبالنسبة للنشاط البحثى تحديداً فإنه يهدف إلى صون وتحسين ونشر السلالات المحلية من الحيوانات والدواجن، والهدف الثانى هو توفير تركيبات الأعلاف الخاصة بالحيوان، وتقدير الاحتياجات الغذائية الخاصة به.
ويوضح «أبودنيا» أن المعهد به 13 قسماً بحثياً يقوم بهذا الدور فى الأنواع المختلفة من الحيوان، وهناك فروع داخل كل قسم، للتربية والتحسين الوراثى، والرعاية، والتناسل، والفسيولوجى، والتغذية لتطوير السلالات الوراثية، وتطوير الأعلاف، وتدوير المتبقيات والمخلفات الزراعية لاستخدامها فى الأعلاف لتقليل تكاليف تغذية الحيوانات.
ويضيف الدكتور مجدى حسن، أستاذ رعاية الدواجن، بقسم رعاية الدواجن بالمعهد، أن معظم أبحاث المعهد لا بد أن تكون تطبيقية، بأن تصل لنتيجة معينة ويتم تطبيقها فى الواقع بعد نجاح التجربة، بما يفيد المربى أو المتخصص أو الإنسان.
يقول «حسن»: «فيما يتعلق بقسم رعاية الدواجن، فإن أبحاثه تتم، مثلاً، على دجاج التسمين من عمر يوم حتى 35 يوماً أو أكثر، حيث يتم عمل بعض المعاملات للوصول بالطائر إلى الهدف المنشود الاقتصادى، وهو إما تحسين الأداء الإنتاجى، أو الفسيولوجى أو المناعى للطائر أو الحيوان».
ويضيف موضحاً: «نضع أحياناً بعض الإضافات على العلف ونبحث تأثيرها ومردودها الاقتصادى على طيور التجارب فى زيادة عدد البيض ووزنه وجودته الغذائية، ومن بين هذه الإضافات بعض المواد المضادة للأكسدة، والتى يمكن أن تُقلل الكوليسترول والدهون الثلاثية فى البيض، لتلافى آثارها الضارة على الشرايين والقلب، فضلاً عن تحسين القيمة الغذائية للطيور عموماً، سواء من حيث نوعية البيض أو اللحوم».
ومن بين الإضافات التى أثبتت تجارب المعهد، بالاشتراك مع باحثين فى جامعات أخرى، أثرها الإيجابى على الطيور، وفقاً لـ«حسن»، كان ورق شجر الكافور المطحون، الذى تم استخدامه بنسب معينة فى تغذية السمان، وكان له أثر فى زيادة وزن الطائر وتقليل الكوليسترول، هذا فضلاً عن «الحلبة» و«حبة البركة» التى كان لها تأثير فى زيادة جودة البيض وتقليل الكوليسترول وتحسين لون صفار البيض. ولا تقتصر محاولات تحسين القيمة الغذائية للطيور هنا، وفقاً لـ«حسن»، على استخدام التغذية فقط، حيث يتم كذلك استخدام الضوء أو الأشعة فوق البنفسجية، من خلال لمبات معينة، وذلك لإعطاء تأثير إيجابى على الطيور، لزيادة مناعة الطائر وتحسين جودة اللحم أو البيض.
ويشير أستاذ رعاية الدواجن إلى أن غالبية هذه الأبحاث تم تطبيقها فى الواقع، لافتاً إلى أن بعض أنواع العلف الآن يتم إضافة حبة البركة إليها بالفعل، كما أن أساتذة المعهد، خلال جولاتهم الإشرافية، يعطون توصيات لأصحاب المزارع، بإضافتها نظراً لفائدتها فى زيادة مناعة الطائر، وتحسين جودة البيض.
وفيما يتعلق بعوامل الأمان على الإنسان، يقول «حسن»: «قبل إجراء أى تجربة يجب عمل استمارة بحث، وإثبات إن الإضافات التى نضيفها إضافات صحية، لا تسبب أى مشاكل على الطائر أو الإنسان الذى يستهلكه بعد ذلك».
أما عن الجوانب الأخلاقية فى التعامل مع الحيوانات ذاتها، فيشير إلى أن هذه الحيوانات توضع فى أقفاص مناسبة، ويُقدم لهم العلف الخاص بها، والمياه تبعاً لاحتياجاتها، ويكون هناك حرص على عدم إجهادها والتعامل معها بعنف، وفى نفس الوقت فى نهاية بعض التجارب يمكن ذبح بعض الطيور لتحليل أعضائها الداخلية، وبيان مدى تأثير المواد التى تم استخدامها فى التجربة عليها.
لكن فيما عدا هذا الاعتبارات الإنسانية العامة، لم تتم حتى الآن جهود مؤسسية فى مثل هذه المعاهد الزراعية، التى تجرى تجاربها على الحيوانات، بحسب تأكيدات الباحثين بها، لإنشاء لجان أخلاقيات لرعاية واستخدام حيوانات التجارب داخلها، على غرار اللجنة التى أنشأتها جامعة القاهرة مؤخراً، أو تضع دليلاً رسمياً معيناً فى هذا الصدد، وإن كان بعض هذه المعاهد بدأ يتواصل مع أعضاء بلجنة أخلاقيات جامعة القاهرة لإنشاء لجان شبيهة.