في ذكرى المحرقة.. "حلمي" طبيب مصري أنقذ اليهود من "الهولوكوست"
كانت "آنا بوروس" يهودية الديانة وألمانية الجنسية، في حاجة إلى مأوى تختفي فيه، حين بدأت عمليات ترحيل اليهود بأمر "هتلر" عن ألمانيا، فما كان من الطبيب المصري محمد حلمي، الذي كان يقطن ببرلين حينها إلا أن قادها إلى كوخ كان يملكه في حي "بوخ" الذي أصبح ملاذا لها حتى انتهاء الحرب.
"حلمي".. الطبيب المصري الذي ولد في الخرطوم، قويت أواصر الصداقة بينه والعديد من العائلات اليهودية، التي كانت تعيش بجواره في برلين، حيث كان يدرس الطب واستقر فيها منذ عام 1922، طبيبا بمعهد "روبرت كوخ"، الذي فصل منه عام 1937، نظرا لسياسة المعهد النازية، ومُنع من العمل ضمن جهاز الصحة العام، كما لم يسمح له بالزواج من خطيبته الألمانية؛ لعدم انتمائه العنصر الآري.
ورغم اعتقاله سنة 1939 مع غيره من حملة الجنسية المصرية، لكنه استمر في مساعدة الأسر اليهودية في الهروب من محارق الهولوكوست، التي كان يقوم بها النظام النازي منذ 28 يناير عام 1933، وتقول "آنا بوروس" في مذكراتها بعد انتهاء الحرب: "قام دكتور حلمي، وكان صديقا حميما للعائلة، بإخفائي في كوخ له في بوخ من 10 مارس، حتى انتهاء الحرب، ومنذ سنة 1942 لم تعد أي صلة تربطني بالعالم الخارجي، وقتها كان الجستابو (الشرطة السرية النازية)، وفي مثل تلك الظروف كان يقدم لي أصدقاءه، على أنني ابنة عمه القادمة من مدينة دريزدن، وبعد زوال الخطر، كنت أعود إلى كوخه.. ولقد فعل الدكتور حلمي كل شيء من أجلي بدافع من سخائه وسأكون ممنونة له إلى الأبد".
بعد خروجه من المعتقل، ورغم ظروفه الصحية، أكمل مسيرته في محاولة إخفاء الأسر اليهودية، بعيدا عن أعين رجال النظام النازي، فساعد والدة "آنا بوروس" وزوجها وجدتها، فرتب لهم معيشة آمنة، لمدة تزيد عن ست سنوات، بمنزل أحد المسنات الألمانيات صديقاتهم، وتكفل بكافة مطالبهم الطبية، والعذائية التي تقننت بأمر النظام النازي.
تعرض "حلمي" لخطر شديد بعد القبض على الأسر اليهودية، واعترافهم أثناء التحقيق، بمساعدته لهم، ولكن رغم ذلك استطاعت "آنا" مساعدته بحيلة تثبت عدم تدخله في وسائل هروبهم وإخفائهم عن أيدي رجال "هتلر"، وهو ما مكنه من الاستمرار ببرلين، حتى وفاته عام 1982.
وفي ذكرى المحرقة النازية للهيود، من العام المنصرم، وبعد 31 عاما اختارت المنظمة الإسرائيلية الصهيونية "ياد فاشيم" "حلمي" لتكرمه لمجهوداته التي بذلها ومساعدته لإنقاذ الأسر اليهودية في ذكرى الأحداث النازية السنوية، وتصفه بـ"البطل منقذ العائلة اليهودية"، ومنحته لقب "نصير الشعب اليهودي"، ولكن رفضت عائلته استلام الجائزة معربه عن مدى سعادتها إذا كانت أي دولة أخرى هي من كرمته غير إسرائيل، التي تضعها ضمن أعداء الشعب العربي، لما ترتكبه في حق الشعب الفلسطيني من مجزار ومدابح، وما أقدمت عليه من قتل الأسرى المصريين في حرب 67.
وقامت المنظمة بالبحث عن أحد أقارب الطبيب، وبمساعدة مؤرخ ألماني استطاعت وكالة "الأسوشيتد برس" الحصول إلى إعلان لورثة زوجة حلمي يتضمن ثلاثة أسماء منهم "ميرفت حسن"، التي تحدثت لـ"الأسوشيتد برس" رافضة التكريم، نظرًا للعلاقات السيئة بين مصر وإسرائيل.
وأضافت ميرفت، في حوار لها مع "الأسوشيتد برس"، "أنها تحترم اليهودية كديانة، وأن الإسلام يعترف بأنها ديانة سماوية، مشيرة إلى أن حلمي لم يكن يفرق بين دين معين أو جنسية عندما كان يقرر المساعدة، وكذلك يعالج المرضى بغض النظر عن خلفياتهم".