أبو الغيط: قضية المياه في قلب التحديات التي تواجه العالم العربي
جانب من الجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه
عقدت اجتماعات الجمعية العمومية للمجلس العربى للمياه في دورتها الخامسة، اليوم في القاهرة، بمشاركة ممثلي 25 دولة عربية، حضر الاجتماعات أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومحمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والري، وعدد من الوزراء العرب، ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأكثر من 400 مشارك من أعضاء المجلس وممثلي الحكومات العربية والسفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية بالقاهرة ومندوبي المنظمات الإقليمية والدولية وممثلي المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية والشخصيات العامة وكتاب ومفكرين وإعلاميين.
وجاء نص كلمة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية كالتالي:
معالي الدكتور محمود أبو زيد
رئيس المجلس العربي للمياه
معالي الدكتور سيف الدين حمد عبدالله
وزير الري والموارد المائية الأسبق بجمهورية السودان
معالي الدكتور محمد عبد العاطي
وزير الموارد المائية والرى بجمهورية مصر العربية
السيدة د. نادية مكرم عبيد
مديرة المركز العربي للبيئة والتنمية بالإقليم العربي وأوروبا (سيداري)
السيد مراد وهبه
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير الإقليمــي
لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فى الدول العربية
السيدات والسادة،
أود في مستهل كلمتي أن أتوجه بالشكر والتقدير إلي كل من ساهم في العمل على الاعداد والتحضير لأعمال الدورة الخامسة للجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه ليخرج بتلك الصورة المشرفة، وكل الشكر والتقدير لجميع المشاركين سواء من الدول العربية أو المنظمات الاقليمية والدولية ومراكز البحث على تواجدها ومشاركتها في فعاليات تلك الدورة.
السيدات والسادة،
لا زالت قضية المياه، بكافة أبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية وبالطبع السياسية والاستراتيجية، تقع في القلب من التحديات التي تواجه العالم العربي في السنوات والعقود القادمة، إنها قضية الحاضر والمستقبل، للجيل الحالي والأجيال القادمة، هي قضية حياة ووجود وعمران ، ولا يُمكن أن نتعامل معها –كشعوب وحكومات- سوى بالمسئولية الكاملة واليقظة القصوى والانتباه إلى حاجات اليوم، واحتياجات المستقبل القريب والبعيد.
ولعلنا نُلاحظ جميعاً ما صار لقضية المياه من حضور ملموس على الأجندة الدولية، كما نرصد تصاعد الحديث عن مخاطر الجفاف ونُدرة المياه في المستقبل، والاستراتيجيات المختلفة للتعامل مع أوضاعٍ قد لا يكون بالإمكان التنبؤ بأبعادها الخطيرة على نحو كامل في الوقت الحالي، ولكننا نعرف يقيناً أنها ستكون أكثر صعوبة وستمثل ضغوطاً إضافية على الموارد المائية للكوكب في ظل تصاعد السكان والحاجة إلى التنمية، والسعي إلى توفير الغذاء، وقد أضيف إلى هذا كله بُعد صار حاضراً بقوة في كافة المناقشات حول ندرة المياه، ألا وهو التغير المناخي الذي يُفاقم من خطورة أوضاع هشة من الأصل، ويزيد من صعوبة التعامل مع هذه الأوضاع.
وقد رأينا في الفترة الأخيرة بعض المظاهر الخطيرة الناتجة عن التغير المناخي، حيث كادت مدينة "كيب تاون" تصير الأولى من بين الحواضر الكبرى التي تواجه ظاهرة نفاذ المياه اللازمة لإعاشة السكان ، وشهدنا من قبل ظاهرة مماثلة في ساوباولو بالبرازيل ، وكلها أحداث تدق جرس الإنذار وتُنبه لضرورة التصدي للمشكلة بالتخطيط والاستعداد الكامل قبل أن تداهمنا.
وليس خافياً عليكم جميعاً أن المنطقة العربية تُعاني من الندرة المائية، كما تواجه درجات مختلفة من الجفاف الذي ستزداد حدته مع الوقت في بعض المناطق بسبب ظاهرة التغير المناخي، والمنطقة العربية هي أيضاً صاحبة أكبر عجز غذائي في العالم، وهي، قبل ذلك وبعده، الأسرع نمواً في عدد السكان- ربما باستثناء افريقيا جنوب الصحراء.
وإن أضفنا إلى هذه المعطيات كلها العامل الجيوبوليتيكي الذي يتمثل في حقيقة مؤداها أن 85% من المياه العربية تنبع خارج أراضي الدول العربية .، نجد أنفسنا أمام تحدٍ حقيقي بالمعنى الاستراتيجي الشامل، وقد رأينا بالفعل تجلياتٍ اجتماعية واقتصادية خطيرة لظاهرة نقص المياه في بعض المناطق العربية، وشهدنا ما يُمكن أن تفرزه من مظاهر انعدام الاستقرار والاضطرابات والعنف.
لقد صار من الثابت أن موسم الجفاف الذي سبق اشتعال الأوضاع في سوريا واستمر لسنوات، كان مسئولاً ولو بصورة جزئية عن تردي الأوضاع في المناطق الريفية وهجرة مئات الآلاف إلى المدن، بما تسبب في خلق حالة عامة من الاضطراب والتوتر الأهلي وبيئة تُساعد على العنف وتجنيد المتطرفين، وفي اليمن، ثمة نقصٌ خطير في الموارد المائية سابق على الحرب الحالية، وكان له دور من دون شك في مفاقمة معاناة السكان وزيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية ، ولا ننسى أبداً معاناة الفلسطينيين وما تتعرض له مياههم وخزاناتهم الجوفية في الضفة الغربية من سرقة ونهب على يد سلطات الاحتلال التي تضخ هذه المياه المنهوبة في مستوطنات غير قانونية أُقيمت على أرض محتلة، في تناقض صارخ ليس فقط مع القانون الدولي وإنما مع الضمير الإنساني.
السيدات والسادة..
إن دور المجلس العربي للمياه، ومنذ إنشائه في 2004، يُعد محورياً في الوصول إلى فهم أعمق وإدارة أفضل للموارد المائية، وعمل المجلس ونشاطه لم ينقطع خلال الفترة المنصرمة- وبرغم كل الظروف والتغيرات الاقليمية والدولية المحيطة – على كافة المحاور الفنية، والمؤسسية، والتنظيمية، وعلى مختلف الأصعدة الاقليمية والدولية.
إن المجلس العربي للمياه شريك أساسي للمجلس الوزاري العربي للمياه، والذي أنشئ بمبادرة من الجامعة العربية في 2008 إيماناً منها بأولوية قضية الأمن المائي العربي ، وعقد المجلس الوزاري العربي للمياه أولى دوراته في الجزائر عام 2009 إيذاناً ببدء مرحلة جديدة للعمل العربي المشترك في مجال المياه كان من ثمارها البارزة تبني الاستراتيجية العربية للأمن المائي 2010-2030 المعنية بمواجهة التحديات المستقبلية لموارد المياه.، وكانت الاستراتيجية نتاج عمل مشترك بين جميع الجهات المعنية بالشأن المائي في الدول العربية والشركاء، وتم إقرارها في القمة العربية التي عقدت في بغداد عام 2012، كما تمت المصادقة على خطتها التنفيذية في قمة نواكشوط 2016.
السيدات والسادة،
تحتاج الدول العربية لعملٍ متضافر في مجال المياه، سواء على المستوى الاستراتيجي والسياسي، أو على المستويات الفنية، إن قضية المياه -وإن كان جوهرها يتعلق بإدارة الموارد- لها أبعادٌ سياسية واستراتيجية تستلزم التنسيق العربي على أعلى المستويات، وعلى كافة الأصعدة، وسوف تستضيف الأمانة العامة للجامعة العربية في أبريل القادم أول اجتماع مشترك لوزراء الري والزراعة العرب، وهي خطوة هامة من دون شك، وتعكس إدراكاً للطبيعة المركبة للمسألة المائية، والتي تستلزم تضافراً للجهد وتنسيقاً للعمل والنشاط، وتعاوناً كاملاً بين المستويات السياسية والفنية في داخل الدولة الواحدة، وبين الدول العربية وبعضها البعض.
إنني أغتنم هذه الفرصة لكي أعرب عن تقديري للعمل الذي يقوم به المجلس العربي للمياه، مجدداً الشكر لمعالي الدكتور محمود أبو زيد، ومعالي الدكتور حسين العاطفي الأمين العام للمجلس لكل ما يقومون به من تعاون مع المجلس الوزاري العربي للمياه من أجل غاية واحدة هي توفير أمن مائي حقيقي للجيل الحالي من العرب، ولأجيال قادمة إن شاء الله.
شكــــــراً لكــــم.