ناشطون مغربيون يرفضون طقوس "الركوع" للملك
يثير حفل الولاء السنوي لملك المغرب في ذكرى جلوسه على العرش جدلا بين الذين يؤيدون طقوس هذه المراسم والمطالبين بتجديدها انسجاما مع الدستور الجديد.
وحاول عشرات من الناشطين أمس إقامة حفل رمزي أمام البرلمان المغربي للاحتجاج على ما يصفونه بـ"الطقوس التي تحط من كرامة الإنسان" والمتمثلة في ركوع صفوف المسؤولين أمام الملك وهو ممتطٍ جوادا يوم حفل الولاء.
لكن الشرطة عمدت إلى تفريقهم بالقوة بينما تعرض الصحافيون الذين حاولوا تغطية ما جرى للضرب والكلام النابي من طرف عناصر الأمن.
وجاء تجمع الناشطين غداة حفل الولاء للملك محمد السادس في القصر الملكي في الرباط مساء الثلاثاء بحضور كبار المسؤولين والوزراء والموظفين التابعين لوزارة الداخلية المغربية.
ويعتبر منتقدو طقوس حفل الولاء، أن اصطفاف عشرات النواب والمسؤولين وكبار الموظفين والأعيان في صفوف طويلة قبالة الملك والتناوب في الركوع له مرددين عبارة "اللهم بارك في عمر سيدي"، أمرا "مهينا للكرامة الإنسانية" ولا يفيد صورة المغرب.
وتعليقا على حفل الولاء، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود التحالف الحكومي، عبد العالي حامي الدين "لا شيء يلزمنا بإقامة حفل الولاء كل سنة، والملك ليس في حاجة إلى تلك الطقوس المهينة للكرامة الإنسانية لكسب الاحترام".
وأضاف "لذا وجب التخلي عن تلك الطقوس كي لا نتناقض مع خطاب الحداثة السياسية الذي نرفعه ومقتضيات الدستور الجديد".
وأكد أن وزراء الحكومة "لم يركعوا للملك خلال الحفل وأدوا تحية عادية" خلافا للولاة والعمال وموظفي وزارة الداخلية الذين أدوا الطقس بتفاصيله.
وشدد القيادي في حزب العدالة والتنمية على أنه "لا انقسام داخل حزبه حول رفض أداء تلك الطقوس".
وتحدثت معظم الصحف المغربية الخميس عن "تقليص مدة الانتظار" قبل أداء الطقوس والركوع للملك.
وأشارت أيضا إلى أن أعضاء الحكومة الإسلامية انحنوا انحناءة بسيطة لإلقاء التحية على الملك بدل الركوع المعتاد، معتبرة أنه "تخفيف لمراسم الحفل".
وكان أربعة من وزراء حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الحكومة الحالية من ضمن 166 شخصية، وقعوا على بيان باسم "التغيير الذي نريد" في 30 مارس 2011 في أوج الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح السياسي.
ومن بين بنود هذا البيان الدعوة إلى "إلغاء كافة المراسم والتقاليد والطقوس المخزنية المهينة والحاطة من الكرامة".
وكان عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية، قال في برنامج على التلفزيون الرسمي "لن أقبل يد الملك إن التقيته، كما أني لن أسلم عليه كصديق لأنه هو الملك".
وأضاف "أما حفل الولاء الذي نحضره فيجب التراجع عنه لأننا في القرن 21 وحتى ننسجم مع العصر ومع مطالب شباب 20 فبراير ومطالب حزب العدالة والتنمية".
لكن أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة ابن كيران شبه في تصريح للتلفزيون الرسمي حفل الولاء للملك بـ"بيعة الرضوان" المعروفة في التاريخ الإسلامي عندما أخذ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عهدا من المسلمين تحت شجرة في الحديبية بألا يفروا حين ملاقاتهم للعدو.
وانتقدت جماعة العدال والإحسان الإسلامية المحظورة في المغرب في مقال على موقعها الإلكتروني، هذا التشبيه.
وقالت متسائلة "متى كان النظام هو في نظر المبشرين (بأفضاله) أشبه بخلافة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، يحتكر الثروة والسلطة؟".
وأضافت "هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستثمر في أقوات العباد؟ وهل راكم الثروات ليصنف ضمن أغنى أغنياء العالم؟ وهل أخضع العباد لشخصه -وهو أكرم خلق الله- فحشروا طوابير يؤدون فروض الطاعة انحناء وركوعا وخضوعا؟".
من جانبها، قالت وداد ملحاف إحدى الناشطات التي حاولت المشاركة في الحفل الرمزي الأربعاء "أضحكنا العالم فينا (علينا) بهذه الطقوس المهينة"، متسائلة "ألا يقول الملك لنفسه حين يضع رأسه على وسادة النوم إنها طقوس أكل عليها الدهر وشرب؟".
وتابعت ردا على المدافعين عن تقاليد وطقوس حفل الولاء "مهما حاولتم تبرير الأمر بكونه تقاليد عريقة الامر مناف للصواب".
واشارت الى ان "الملك عندما اراد التخلص من مثل تلك الطقوس البالية تزوج امرأة من عموم الشعب واظهرها على التلفزيون وفي بعض الأنشطة"، مؤكدة انها "مسألة ارادة لا اقل ولا اكثر".
أما الملك محمد السادس فقد نفى في حوار لمجلة "باري ماتش" في 2004 أان يكون غير البروتوكول الملكي، مؤكدا أنه "إرث ثمين من الماضي".
وقال "أشيع كما لو أنني غيرت ما كان قائما بعض الشيء وهذا خطأ لأن الأسلوب مختلف". وأضاف أن "للبروتوكول المغربي خصوصيته. وأنا حريص على المحافظة على دقته وعلى كل قواعده".
وتابع "غير إنه يجب على البروتوكول أن يتماشى مع أسلوبي. ولدت وترعرعت ضمن هذه التقاليد البروتوكولية وهي تمثل جزءا لا يتجزأ من كياني، وخاصة من حياتي المهنية التي تظل هذه التقاليد مقرونة بها".
وتندرج مراسم حفل الولاء ضمن ما عرف لدى المغاربة بتقليد "دار المخزن" أي مظاهر حياة العائلة الملكية وخدمها داخل القصور، وبعض ما يعرضه التلفزيون الرسمي في المناسبات الرسمية. لكن معظم جوانبها يبقى مجهولا لدى عامة المغاربة بسبب طابع السرية التي يلفها.
وتكلف الملكية في المغرب للحفاظ على تقاليدها وطقوسها ما يقارب 1400 من الخدم موزعين على أكثر من عشرة قصور وإقامات داخل المغرب وخارجه يخصص لهم من ميزانية الدولة سنويا، حسب أرقام نشرتها الصحافة المغربية، 2,56 مليار درهم (232 مليون يورو).