«مزاج المبدعين»: «شلبى» يشبِّه جلسات الحشيش بـ«مجالس الذكر».. و«نجم» آخر انسجام رغم الاعتقال
احمد فؤاد نجم
فى نظر المتلقى ربما يكون المبدعون حالة استثنائية فى مجال كتابة الشعر أو الرواية أو القصة أو غيرها من مجالات الإبداع، لكن فى النهاية هم بشر وليسوا ملائكة أو أنبياء، ولأسباب مختلفة ربما تورط بعضهم فى شرب الخمور أو تعاطى المخدرات، بل واعترفوا بما جرى داخل كواليس تلك التجارب عبر أحاديث صحفية أو تليفزيونية، ومن خلال مؤلفات عن سيرهم الذاتية أو مذكراتهم، والمنشورة سواء فى حياتهم أو بعد رحيلهم، ومن هؤلاء أديب نوبل نجيب محفوظ، والكاتب خيرى شلبى، والشاعر أحمد فؤاد نجم وغيرهم، بينما استنكرها البعض مؤكداً أنه لا علاقة بين الإبداع والمخدرات، ومنهم الروائى الكبير يحيى حقى.
ولأن الحشيش والمخدرات المستخرجة من النباتات الطبيعية لم تكن ممنوعة فى القرن الماضى بالشكل الحالى، كان يتم تدخينها بشكل عادى على المقاهى، بل وتمجيدها من خلال الغناء، فنجد الشيخ سيد درويش، والذى وردت عنه رواية تقول إنه لقى حتفه بسبب تعاطيه الحشيش والكوكايين، حيث أنهت جرعة زائدة حياته فى الـ31 من عمره بالإسكندرية، مسقط رأسه، حينما كان فى زيارة لإحدى صديقاته فى منزلها، وعندها أثقل فى الجرعة، وحسب كتاب «سيد درويش» للمؤلف الراحل محمد محمود دوارة من إصدار «الهيئة العامة لقصور الثقافة»: «كان قد زار طبيبه قبل ذلك وحقنه بحقنة قوية التأثير على القلب يحتاج متعاطيها إلى الراحة، فشعر ببعض التعب وخرج مستأذناً، حيث عاد إلى منزل شقيقته فى نهاية محرم بك، وعند الفجر صعدت روحه إلى بارئها».
كان معروفاً عن سيد درويش حبه لتعاطى الحشيش قبل حفلاته وغنائه بصحبة الأصدقاء، حتى إنه لحن وغنى «التحفجية» التى قدمها من كلمات بديع خيرى بصحبة فرقة نجيب الريحانى، وتقول كلماتها «يا ما شاء الله ع التحفجية أهل اللطافة والمفهومية، دا الكيف مزاجه إذا تسلطن أخوك ساعتها يحن شو شو شوقاً، إلى حشيش بيتى نيتى نيشى اسأل مجرب زى حالاتى، حشاش أرارى يسفخ يوماتى، خمسين جراية ستين سبعين، هأ هأ هأ يا مرحب، صدق وآمن بالذى خلقها وقال كونى جوزة لكل من يدوقها، ما يسلى أنفاسها بملايين».
كما قدم فنان الشعب أغنية «اشمعنى يا نخ الكوكايين كخ» من كلمات بديع خيرى أيضاً، والتى تقول كلماتها: «اشمعنى يا نخ، الكوكايين كخ، دا أكل المخ هلكنا، اعمله على غيرنا، رايح لى تطخ، وجاى تبخ، شطب، هو أنت شريكنا حتى فى مناخيرنا، إيش عرفك انت يا دونكى، المدعوقة دى بخنفتها، بتكلفنى كوكايين كام فى ليلتها».
وفى كتاب الناقد رجاء النقاش، «فى حُب نجيب محفوظ»، الصادر عن دار «الشروق»، تحدّث أديب نوبل عن «الحشيش»، حيث كان «نجيب» يرى أن مساواة الحشيش بالمواد المخدرة المخلَّقة مثل «الهيروين» ليست منطقية، لأن «الهيروين» من المواد التى تدمر الجسم وتقضى على عقول الشباب. ويتطرق فى الكتاب إلى بداية تجربته مع هذا المخدر قائلاً: «عن طريق صديقى الشماع الذى كان يعمل فى الغورية، عرفت الحشيش، وفى ذلك الوقت، كان تدخين الحشيش يتم بصورة علنية فى المقاهى، حتى إنى أذكر أن الشماع كان يجلس فى مقهى على يوسف، وينتظر حتى يأتى عسكرى الدرك الموجود فى الشارع حتى يشرب معه التعميرة»، مفسراً: «فالإنسان المصرى لديه استعداد لأن يدخن الحشيش ولكن لا يتناول البيرة مثلاً، رغم أنها أخف أنواع الخمور، وذلك لاعتقاده أنه لا يوجد نص دينى قاطع يحرّم الحشيش بالتحديد».
ويحكى نجيب محفوظ فى كتاب آخر لرجاء النقاش بعنوان «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» عن حياته الشخصية، ويتحدث فى جزء من الكتاب عن الصداقة وكواليس علاقته بصديقه الكاتب الساخر محمد عفيفى، قائلاً إنه تعرف به فى عام 1949، عن طريق المخرج صلاح أبوسيف، مؤكداً: «من يومها توطدت صلتى بعفيفى، فقد اكتشفت فيه شخصية إنسانية رائعة، ودعانى للانضمام إلى شلة (العوامة)، وهى مجموعة من الأصدقاء يستأجرون عوامة على النيل لقضاء السهرات التى لم تكن تخلو من البيرة والحشيش». ثم يسهب «محفوظ» فى الحديث عن كواليس هذه الصداقة قائلاً: «وأغرب ما فى شخصية عفيفى من طباع حبه للخمور الرديئة، وإقباله بشغف على تناولها، بينما يرفض الأنواع الجيدة، ولم يذق هذه الأنواع الجيدة طوال حياته».
"شاعر العامية" اعترف على الهواء "أنا حشاش".. و"محفوظ" عن لويس عوض: "كنا بنسنّده من تأثير الخمر".. و"حقى": المخدرات "دَهوَلة" والعقل منحة
أما شاعر العامية أحمد فؤاد نجم فاعترف مراراً بتعاطيه لمخدر الحشيش، حسبما جاء فى برنامج «لماذا؟»، الذى كان يقدمه الإعلامى طونى خليفة، حيث قال «نجم»، للإعلامى الشهير: «أنا حشاش.. ولو دلوقتى فيه حشيش هشرب عادى».
كما اعترف الكاتب خيرى شلبى بتعاطى مخدر الحشيش، وقال فى أحد اللقاءات: «جلسات الحشيش تشبه جلسات الذكر من حيث الانسجام والتوحد، وأنها تذيب الفوارق الطبقية والإنسانية بين البشر وكأنها توحد بينهم».
الكاتب حمدى أبوجليل، أكد أنه «معروف عن كبار الكُتاب خوض تجربة المخدرات بدرجات متفاوتة، وهذا ليس أمراً مشيناً، وهم ليسوا أنبياء، قائلاً: وعن نفسى منذ نحو عدة أشهر أطلقت دعوة لإتاحة محال الخمور بجوار المصانع وأماكن العمل، كما هو الحال فى الدول المتحضرة».
الكاتب والباحث إبراهيم عبدالعزيز أشار إلى أن كتاب «أيام العمر.. رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم»، والصادر عن مكتبة الأسرة، تضمّن عدداً من الرسائل بين الكاتبين الكبيرين، وجد فى مضمون إحداها، موقعة بتاريخ 3 سبتمبر 1949، ووقتها كان طه حسين مقيماً فى باريس، وكان الحكيم فى زيارة إلى العاصمة الفرنسية، وكانت الرسالة موجهة من «الحكيم» إلى «طه»، ما يشير إلى أن الأخير كان يتناول «الويسكى» ويدخن السجائر، بل إن «الحكيم» وعده بإرسال هدية من السجائر وزجاجات «أولد بار ويسكى»، ويتركها له مع البواب فى أثناء إقامة عميد الأدب العربى فى باريس، متابعاً: «وقد أرسل الدكتور طه حسين رسالة شكر إلى الحكيم بعد أن وصلته الهدية وذكر فيها السجائر ولكن لم يذكر الويسكى».
وأضاف «عبدالعزيز» لـ«الوطن» أنه لم يكتب متن هذه الرسالة فى الكتاب حفاظاً على الصورة المثالية للمبدعين: «وكان الكاتب أنيس منصور من انتبه إلى مضمون هذه الرسالة من قراء الكتاب». وذكر «عبدالعزيز» فى هذا الإطار ما ورد على لسان نجيب محفوظ فى أحد حواراته المنشورة فى كتاب «أنا نجيب محفوظ» الذى أعده من خلال تجميع حوارات صاحب نوبل فى عدد من الصحف وتنسيقها، والتى تحدّث «محفوظ» فى أحدها عن الناقد لويس عوض، معقباً على كتاب الأخير «أوراق العمر»، وهو سيرة ذاتية بقلم لويس، والذى أظهر الناقد المعروف فيه إيجابياته مع تضخيم لعيوب الآخرين، ما عرّضه لهجوم الوسط الثقافى، ومنهم «محفوظ» الذى علق على الكتاب قائلاً عن لويس عوض: «كنا نسنده من أثر الخمر»، فى إشارة إلى إسراف لويس عوض فى تناول الخمور.
وتابع «عبدالعزيز»: فى هذا الإطار كتبت كتاباً عن الكاتب الكبير يحيى حقى، اسمه «رسائل يحيى حقى إلى ابنته» مع ابنته نهى، ويتضمن رسائل الكاتب وبعض الحوارات التى أجريتها معه، ومن ضمن الأسئلة سألته عن رأيه فى المخدرات وهل هى ضرورة للكاتب؟ وكانت إجابة «حقى»: «هذا كلام فارغ، لأن الإبداع موهبة وصفاء ذهن، وبعيد تماماً عما يشاع عن وجود رابط بين الاثنين» وذكر كواليس تجربته، والكلام على لسان «حقى»: «حاولت دخول هذه التجربة بنوع من المخدرات، فوجدت نفسى فى حالة (دهولة) شديدة ورأيت الأشخاص أكثر من شخص، والسلالم تبدو كبحر غويط على وشك ابتلاعى، وكانت هذه التجربة الوحيدة التى أكدت لى عدم وجود علاقة بين الاثنين، فالعقل منحة، كيف نضيعه بتغييبه؟!».