ضمن خطتها لتعزيز الشمول المالى.. هل تستطيع الحكومة سحب اقتصاد الظل إلى النور؟!
الشمول المالى يعد إحدى ركائز دمج القطاع غير الرسمى
فى ظل تطلع مصر أن تصبح دولة رائدة على كافة المستويات من خلال تبنى برنامج شامل للإصلاح الاقتصادى، تأتى معضلة الاقتصاد غير الرسمى لتشكل عائقاً كبيراً فى طريق التنمية الشاملة، ونظراً لتزايد حجم هذا القطاع بصورة كبيرة داخل الاقتصاد المصرى، حيث تقدر نسبته وفقاً لبعض الإحصاءات بـ40% من إجمالى الناتج، وإن كان بعض الاقتصاديين يشككون فى هذا الرقم ويقولون إن حجم الاقتصاد غير الرسمى يتخطى نسبة الـ60% من إجمالى الناتج.
ويعرف القطاع غير الرسمى بأنه إجمالى قيمة الأنشطة الاقتصادية التى تجرى بمعزل عن التسجيل القانونى لدى الدولة، أى إن القطاع غير الرسمى هو مجمل الأنشطة الاقتصادية التى تغيب عن نظر الدولة ولا تظهر فى سجلاتها ولا تخضع من ثم لا لتنظيمها ولا لرقابتها ولا لتحصيل الضرائب والرسوم المقررة قانوناً.
وتسعى الدولة إلى تدشين مرحلة من الشمول المالى للمواطنين والتحول إلى المدفوعات الرقمية، باعتباره إحدى ركائز دمج القطاع غير الرسمى داخل المنظومة الرسمية، حيث تشير التجربة الدولية إلى وجود علاقة واضحة بين حجم الاقتصاد غير الرسمى وعدد وحجم المدفوعات الإلكترونية التى تحدث، ففى البلدان التى تستخدم فيها المدفوعات الإلكترونية على نطاق واسع، مثل المملكة المتحدة، يكون حجم الاقتصاد غير الرسمى أقل بكثير منه فى بلد مثل بلغاريا، حيث لا يتم استخدام المدفوعات الإلكترونية على نطاق واسع.
"القاضى": تطبيق آليات الشمول المالى يقلص من الاقتصاد الموازى.. و"الجوهرى": يجب معاملة القطاع غير الرسمى مثل "المستثمر الأجنبى"
يرى أشرف القاضى، رئيس بنك المصرف المتحد، أن عدم تطبيق آليات الشمول المالى يزيد من حجم نشاط الاقتصاد الموازى بالدولة ويقلل من فرص تمكين المرأة، ما يقلل من زيادة حجم الاستثمارات الإنتاجية ويزيد من حجم الاستهلاك والإنفاق الاستهلاكى، فضلاً عن زيادة حجم المخاطر المالية والتقليل من فرص الاستثمار فى الصحة والتعليم، وأشار القاضى إلى أن أول تطبيقات الشمول المالى هو أن يكون لكل مواطن فى مصر حساب بنكى، سواء كان له دخل معروف أو ليس له دخل على الإطلاق، مشيراً إلى أن تحقيق ذلك يتم عن طريق البنوك أو البريد أو شبكات المحمول أو منظمات المجتمع المدنى أو الجمعيات التعاونية أو شركات التأمين، مضيفاً أن هذا سيشكل قاعدة بيانات قومية شاملة تحدد عنوان المواطن ومصادر دخله وسلوكه الإنفاقى والاستهلاكى، وأشاد القاضى بالخطوات الجادة التى بذلت من قبل الحكومة المصرية والبنك المركزى المصرى نحو بناء قاعدة البيانات القومية لتوسيع قاعدة الشمول المالى، من خلال العديد من المبادرات، مثل تطبيق مشروع تكافل وكرامة لتشمل جموع المستفيدين من هذا البرنامج الدعمى، كذلك طرح شهادات أمان للتأمين على الطبقات العاملة، وأيضاً مبادرة البنك المركزى لتمويل محدودى ومتوسطى الدخل، فضلاً عن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ومشروع الشباك الأخضر، مضيفاً إلى ذلك جهود المجلس القومى للمدفوعات فى تطبيق آليات الشمول المالى، وخفض استخدام الأوراق النقدية خارج القطاع المصرفى، فضلاً عن دمج أكبر عدد من المواطنين فى النظام المصرفى وضم القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى، ما يساهم فى تخفيض تكلفة انتقال الأموال وزيادة المتحصلات الضريبية.
عالية المهدى: "التهرب الضريبى" أكبر خسائر الاقتصاد غير الرسمى ومدحت الشريف: قانون الدفع غير النقدى سيخلق ضغطاً على هذه المشروعات
من جانبه أشار عمرو الجوهرى، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، إلى أن الاقتصاد غير الرسمى يمثل جزءاً كبيراً من الاقتصاد برغم صعوبة تحديد قيمة واضحة لحجمه، مشيراً إلى أن توجه الدولة لتطبيق الشمول المالى يعد أحد أساسيات حل الأزمة لخلق بيئة جديدة تساعد على دمج القطاع غير الرسمى، وأشار الجوهرى إلى توجه الدولة إلى إقرار قوانين صارمة، مثل إقرار الفاتورة الإلكترونية والتحصيل الضريبى الإلكترونى، الأمر الذى من شأنه أن يحجم من الاقتصاد غير الرسمى، مشيراً إلى أن تحقيق دمج كامل للقطاع غير الرسمى تحت مظلة الاقتصاد الرسمى يتطلب خلق بيئة جديدة تقدم حزمة كاملة من الحوافز والامتيازات التى تدفع العاملين فى القطاع غير الرسمى إلى التحول للإطار الرسمى، وأكد أن أساسيات هذه البيئة تقوم على تطبيق وتعميم الشمول المالى، إلى جانب تقديم حزمة من الحوافز تتمثل فى تقديم إعفاءات ضريبية لمدة محددة، وتسهيل إجراءات رسوم التسجيل، وتقديم تسهيلات بنكية فى حالة انضمامه إلى القطاع الرسمى، داعياً إلى ضرورة توجه الحكومة إلى معاملة الاقتصاد غير الرسمى بنفس آليات التعامل مع المستثمر الأجنبى من خلال تقديم الضمانات والحوافز.
وترى عالية المهدى، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الاقصاد غير الرسمى لا يقتصر على المنشآت أو الأنشطة غير المسجلة أو غير المرخصة، وإنما يقصد بها إجمالى القيم الاقتصادية لعمليات تجرى بدون أن تسجلها الدولة رغم وجوب هذا قانوناً، حتى ولو كانت هذه العمليات الاقتصادية تصدر عن منشآت مسجلة ولها سجلات صناعية وتجارية وتنعم بالتراخيص المطلوبة وتحتفظ ببطاقات ضريبية، وأكدت أن التهرب الضريبى جزء من الاقتصاد غير الرسمى، مشيرة إلى أن التهرب الضريبى يستند إلى إخفاء عمليات اقتصادية وقيم من شركات أو أشخاص عن سجلات الدولة، وأشارت إلى أن سياسة الدولة لجذب القطاع غير الرسمى لا تتسم بالفاعلية، مشيرة إلى اتجاه وزارة المالية إلى إصدار قانون للتعامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأسلوب مشجع، على أن يتم عرض القانون على مجلس الوزراء ومجلس النواب خلال الفترة المقبلة.
40% نسبة القطاع غير الرسمى من إجمالى الاقتصاد.. وخبراء يرجحون زيادة النسبة إلى 60%
من جانبه أشار مدحت الشريف، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، إلى أن عدم توافر قاعدة بيانات تعكس حجم القطاع غير الرسمى بصورة دقيقة يجعل من الصعب تقديره، مشيراً إلى أنه يتراوح ما بين 40 و50% من حجم الناتج الكلى، وأكد أن دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى سوف يساهم فى تحقيق طفرة كبيرة للاقتصاد، موضحاً أن هناك عدداً كبيراً من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر تعمل فى إطار القطاع غير الرسمى، وأكد أن «غياب التحديد الواضح لماهية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغير يشكل عائقاً فى قدرة هذه المشروعات فى الحصول على الامتيازات التى يتيحها القانون لها، حيث يعتبر صغار رواد الأعمال أقل المستفيدين من مبادرة المركزى لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ومشيراً إلى وجود اتجاه لإقرار قانون جديد لوضع تنظيم لهذه المشروعات، وأكد الشريف أن دمج القطاع غير الرسمى يتطلب العمل على عدة محاور، مشيراً إلى أن التوجه لإقرار قانون الدفع غير النقدى سوف يخلق ضغطاً على الاقتصاد غير الرسمى للتحول للاقتصاد الرسمى، وتابع أن دمج القطاع غير الرسمى لن يتحقق من خلال المواجهات الأمنية فحسب، وإنما يتطلب توفير حزمة من الحوافز تدفع الأفراد والمشروعات فى هذا القطاع للعمل تحت مظلة القطاع الرسمى، مؤكداً أن ذلك يتحقق من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لفترات زمنية طويلة، وتقديم الدعم المالى لهذه المشروعات من خلال القروض الميسرة، إلى جانب إقامة معارض ومنافذ داخل وخارج مصر لتسويق منتجات هذه المشروعات، وتقديم دراسات الجدوى والتدريب، وحاضنات أعمال لصغار رواد الأعمال، ونشر الوعى والحوار المجتمعى، وشدد الشريف على «ضرورة أن يكون هناك كيان مستقل يتمثل فى جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، يعمل كـ«أب» شرعى لهذه المشروعات، ويكون منوطاً به العمل على كافة الامتيازات التى ينص عليها القانون لصالح هذه المشروعات، فضلاً عن منحه القدرة على إصدار التراخيص للمشروعات، مع الاتجاه إلى تحديد الجهات المنوط بها رقابة هذه المشروعات، حيث إن تعدد هذه الجهات يؤثر بالسلب على درجة النزاهة والشفافية ويزيد من فاتورة الفساد».