طفلة نحيلة، لا يتجاوز عمرها الـ12 عاماً، تجلس فى مقدمة «توك توك» بأحد شوارع حى «عين شمس»، ترقب بعينيها الصغيرتين كل ما يدور حولها من خلف الزجاج الأمامى، تلتفت يميناً ويساراً، باحثة بين المارة عمن يرغب فى الركوب، لتوصيله فى أسرع وقت، تُنصت بانتباه لما يتفوه به الراكب فور الدخول، لتُخبره لوالدها الجالس إلى جوارها، مستعينة بأناملها الدقيقة وحركات الشفاه التى يستطيع والدها ترجمتها دون عناء.
9 ساعات يومياً، هى المدة التى تستغرقها «فرحة» فى مشاركة والدها الأصم والأبكم «حسين محمود»، العمل على الـ«توك توك» خلال عطلتها المدرسية يومى الجمعة والسبت، فتستيقظ الصغيرة وتخرج بصحبة والدها فى تمام السادسة صباحاً، يتجولان بشوارع منطقتهما السكنية «المرج»، بالإضافة إلى المناطق المجاورة فى «عزبة النخل» و«عين شمس».
محاولات لتعلم لغة الإشارة خاضتها «فرحة» منذ سنوات عمرها الأولى بمساعدة عماتها الثلاث، من أجل التواصل مع والدها الأربعينى، لتُصبح هى تعويضه الربانى عما فقد، يستأنس بوجودها وتعينه على التواصل مع الآخرين دون ضيق: «باتبسط وأنا باشاور معاه وأساعده يفهم الناس»، مشيرة إلى محاولاتها الدائمة فى ترجمة ما يقوله الركاب إلى والدها والعكس، الأمر الذى يتلقاه الأب بسعادة مضاعفة، ليشير بكلتا يديه، مؤكداً أن «فرحة هى ودانى ولسانى اللى عايش بيهم».
«أبويا حفظ الناس والأماكن اللى بيروحوها دايماً، وبيتفاهموا معاه بالإشارة»، عبارة قالتها «فرحة» فى حديثها لـ«الوطن» للإشارة إلى الشهرة التى اكتسبها والدها الأربعينى بمنطقة عمله، ويجد متعة كبيرة عند مصادفة أحد الركاب من أصحاب الإعاقة ذاتها: «بيتبسط أوى لما يلاقى حد فاهمه وبيتكلم زيه».
100 جنيه هو معدل الربح اليومي لـ«عم حسين»، كما يعتاد السائقون تلقيبه، يدفع نصفها لشقيقه الأكبر مالك الـ«توكتوك» كإيجار يومي، فيما ينفق الخمسين جنيها المتبقية في شراء الاحتياجات المنزلية اليومية لأسرته، لكنه يعجز عن تجهيز ابنته الكبرى «دنيا» قبل زواجها، ما يضطره للعمل ساعات إضافية في بعض الأحيان لمحاولة تلبية احتياجاتها للزواج: «أبويا صابر وراضي بحاله ودايما بيحاول يكفينا على قد مقدرته».
تعليقات الفيسبوك