سكان الأسمرات بعد انتقالهم من الدويقة: كنا عايشين «نص حياة»
الأسمرات.. عندما ينعم المواطن بسكن كريم
اتسمت حياتهم فى السابق بالقحط والضنك الشديدين، كانت العشوائية هى نظامهم الأوحد، والفوضى هى المسيطر على كافة شئونهم، كانت مساكنهم تختصر فى عشش صغيرة بنوها أعلى صخور جبل المقطم، لم يدركوا من قبل مرادف كلمة أمان، لم يعتادوا على التمتع بمساحة من الخصوصية، ولم يكن لدى الشباب من بينهم جرأة كافية للترحيب بزملاء لهم فى الدراسة أو العمل، نظراً لتدنى وتدهور الأحوال، وقبح منظر السكن، وسوء الأوضاع الذى يحيط بكل شىء، هكذا كان حال سكان منطقة الدويقة بمنشأة ناصر، قبل انتقالهم إلى حى الأسمرات الذى فتح لهم باباً على حياة جديدة بمميزات لم يعهدوها من قبل، «الوطن» انتقلت لترصد أثر التغيير الذى فرض نفسه على حياة سكان «الأسمرات».
فى محطة الخزان بالمقطم، تتراص المحال التجارية بمختلف أنواعها ونشاطاتها، وتبرز نقطة مرور شرطية تتمركز على مدخل حى الأسمرات، يقف فيها ثلاثة أفراد شرطة عيونهم مسلطة على العابرين إلى الحى، يقومون بتفتيش الأشخاص فى حال حمل البعض حقائب ضخمة أو ما يثير شكوكهم.
قبل عامين، لم يكن مصطفى خلف، 41 عاماً، يصدق أن أسرته المكونة من خمسة أفراد سيتم تسليمها وحدة سكنية فى حى الأسمرات، بعدما كانوا من سكان منطقة الدويقة، فى انتظار الموت نتيجة الانهيارات الصخرية هناك فى أى وقت: «كنا مبسوطين بالخبر وكان فيه تسهيلات فى تسليم الوحدات وكل الإجراءات كانت بتخلص بسرعة»، يسكن «مصطفى» فى عمارات الجوهرة بالطابق الخامس: «المفروض كانوا بيوزعوا على حسب العمر، الخمسينات والستينات بيتسكنوا فى الأدوار الأول والتانى، والأربعينات فى الدور الثالث والثلاثينات فى الرابع والعشرينات فى الخامس»، ورغم بلوغ «خلف» سن الأربعين، لكن شقته تقع فى الدور الخامس.
"خلف": كل واحد كان عايش بأسرته فى أوضة.. والأمان والخصوصية والنظافة أبرز المميزات
ضيق الحال وضعف المستوى المعيشى الذى كان مسيطراً على حياة سكان الدويقة القدامى، كان يحرم البعض من رفاهية اقتناء الأجهزة الكهربائية، وأحياناً كانوا يتبعون طرقاً بدائية لتسيير أمورهم، ولكن لم يعد ذلك يشغل بالهم، فـ«مصطفى خلف وجيرانه» لم يتسلموا وحدات سكنية خالية، بل كانت مزودة بقطع الأثاث الأساسية، كالثلاجة والبوتاجاز والتليفزيون، بالإضافة إلى «أنتريه» وسفرة طعام، لم يكن ذلك نمط معيشته فى الماضى، بل كان البيت يتسع للأخوة والوالدين: «كنا كل راجل بمراته وعياله مزنوقين فى أوضة».
يعول «خلف» ثلاثة أطفال فى مراحل عمرية مختلفة، أكبرهم يوسف فى الصف الثالث الإعدادى، هناك ثلاث مدارس لخدمة أبناء سكان الأسمرات، تحيا مصر1، 2، 3، تغطى كافة المراحل الدراسية من الابتدائى إلى الثانوى، يوسف ابنه الأكبر انتقل إلى الأسمرات منذ كان فى عامه الأول فى المرحلة الإعدادية يقول: «المدرسة قريبة لكن مضطر آخد دروس عشان شغل المدرسين معانا مش كفاية، احنا كثافتنا زيادة، بتوصل لـ85 طالب أحياناً».
ملحق بالأسمرات منافذ تجارية، وسوق صغيرة لعرض وبيع مختلف المنتجات، ومنافذ تجارية متعددة، وكذلك وحدة سكنية مخصصة لسكانه، ومخبز، وكذلك خطوط نقل عام تصل الأسمرات بمختلف المناطق والطرق، تستقل «أم يوسف» أوتوبيس النقل العام أسبوعياً مقابل تذكرة قيمتها جنيه ونصف فقط، لتصل إلى سوق المقطم وتشترى متطلباتها واحتياجاتها الأسبوعية من الخضار والأطعمة: «فيه هنا سوق، بس التانى أسعاره أرخص شوية، والأوتوبيسات متوفرة أهى بتودينا أى حتة».
نفقات «يوسف» الدراسية أثقلت كاهل أبيه، فحاول الأخير توسيع مصدر رزقه: «سألت على تأجير المحلات الموجودة فى الأدوار الأرضية للعمارات، قالوا لى فيه مزاد مطلوب فيه 20 ألف جنيه تأمين، وخمسة آلاف تانى كراسة شروط، وأنت وحظك»، يرى أن عدم استطاعته فتح محل صغير يمارس فيه مهنته كما اعتاد فى السابق يعكر صفو حياته الجديدة: «العدة بتاعة السباكة اتركنت فى البلكونة، وكل فين وفين على ما حد يقصدنى فى شغلانة»، يتمنى تقديم تسهيلات فى المحال التجارية كما حدث فى الوحدات السكنية: «بندفع إيجار 300 جنيه وفواتير ميه وغاز وكهرباء، إضافة لمصاريف الأكل والعلاج والدراسة، فالواحد أصبح محتاج دكان صغير كده يفتحه وياكل فيه عيش».