هل يمحي "مربي الماشية" عار "وثائق بنما"؟
رئيس بنما الجديد لورنتينو "نيتو" كورتيزو
فاز زير الزراعة البنمي الأسبق لورنتينو "نيتو" كورتيزو من الحزب الثوري الديمقراطي "الاشتراكي-الديموقراطي"، بالانتخابات الرئاسية في البلد الواقعة في قارة أمريكا الوسطى، بـ33.08% من الأصوات، فيما حصل منافسه وزير الخارجية السابق رومولو رو من حزب "التغيير الديموقراطي" اليميني، على 31.06% بعد فرز البطاقات في 92.51% من المكاتب.
واعتبرت المحكمة الانتخابية في البلاد، أن هذا الاتجاه يتواصل على رغم الفارق الذي يقل عن 40 ألف صوت بين المرشحين المتصدرين. وتقدم "كورتيزو"، و"رو"، بفارق كبير على المرشح المستقل ريكاردو لومبانا الذي حصل على 19.34%.
وكان دعي 2.7 مليون ناخب مسجل لاختيار رئيس لهم خلال دورة واحدة من 5 سنوات، من بين 7 مرشحين، وذكرت وكالة "فرانس برس" الفرنسية، أنه بالإضافة إلى انتخاب الرئيس، أنتخب البنميون أيضا 71 نائبا و81 رئيس بلدية و700 عضو في مجالس محلية. وكانت عمليات التصويت للإنتخابات الرئاسية في بنما، بدأت، أمس الأول، بعد حملة انتخابية فاترة.
وكان آخر استطلاع للرأي نشر، الخميس الماضي، أعطى "كورتيزو"، 36.1% من نوايا الناخبين، وجاء في المرتبة الثانية وزير الخارجية السابق رومولو رو جامعا 26.2 % من نوايا الناخبين، ويليه المستقل ريكاردو لومبانا، 19،6 %، الذي جعل من التصدي للفساد شعار معركته
وقال كورتيزو لدى مغادرته اجتماعا مع خصمه وقضاة المحكمة الانتخابية: "لقد فزنا"، بينما قال رو، في بيان، على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، إن حزبه لا يعترف بالنتائج وسيطلب من الهيئة الانتخابية إعادة فرز الأصوات استنادًا إلى مخالفات لسجلات انتخابية معينة، وفقا لما ذكرته قناة "تيلسور".
ويبلغ كورتيزو، السادسة والستين من العمر وهو مربي ماشية، وشغل منصب وزاري، لدى الرئيس الأسبق مارتن توريخوس "2004-2009"، واستقال بسبب الخلاف حول اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ووعد ببذل جهود لتحسين التعليم وإصلاح الدولة وتعزيز الاقتصاد ومكافحة الفقر واللامساواة.
وسيخلف "نيتو"، الرئيس الحالي خوان كارلوس فاريلا الذي تراجعت شعبيته كثيرا بسبب تراجع الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة واستشراء الفساد، وسيتسلم "كورتيزو"، الرئاسة لمدة 5 سنوات حتى عام 2024، أيا يكن عدد الأصوات التي نالها والنسبة المئوية للهيئة الانتخابية التي ستدعمه، رئاسة بنما، المعروفة بفضيحة "أوراق بنما" وبفساد مزمن.
وكان "كورتيزو"، في حملته الانتخابية على الوعود بإنهاء الفساد الحكومي ومكافحة عدم المساواة. وأشارت "فرانس برس"، إلى أنه بعد 3 سنوات على الكشف عن "أوراق بنما"، لم تتمكن البلاد بعد من التخلص من صورتها كملاذ ضريبي، ولم تستثنها فضيحة الرشاوى التي وزعتها مجموعة أودبريشت البرازيلية للأشغال العامة.
وكانت منظمة "العفو الدولية"، أشارت في تقرير سابق لها، إلى أن منظمات المجتمع المدني المحلية، والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب ورئيس فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي جميعهم طالبوا السلطات بالتوقف عن نقل السجناء إلى سجن مشدد الحراسة موجود في القاعدة البحرية في جزيرة "بونتا كوكو"، وقال خبراء في الأمم المتحدة، إن السجن يعمل خارج نظام السجون الرسمي، وإن الأحوال فيه غير صحية، وإن السجناء ينقلون إليه هناك دون إخطار سليم لمحاميهم وأسرهم، ونفى مدير مصلحة السجون، جابرييل بينسون، أن تكون حقوق السجناء الإنسانية الأسرى قد انتهكت، لكنه قال إن الحكومة سوف تنشئ لجنة فرعية للتحقيق.
بدورها، قالت منظمة "مراسلون بلاحدود"، إن بنما احتلت المرتبة 79 في نسخة 2019 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، وأوضحت أنه غالبًا ما استهدفت أجهزة القضاء في بنما الصحفيين الذين ينتقدون سياسات الحكومة ويغطون مواضيع تتعلق بالفساد أو حتى القضايا المرتبطة بفضائح مالية ذات تداعيات دولية، إذ تعج المحاكم في البلاد بدعاوى تنطوي على تُهمة التشهير ضد وسائل الإعلام والعاملين فيها، مضيفة أن تلك المتابعات القضائية عادة ما تفضي إلى عقوبات مالية، كما لا يزال قطاع الإعلام خاضعًا لسيطرة الحكومة، لا سيما من خلال توزيع عائدات الإعلانات الرسمية.
وفي أبريل من العام 2016، شهد العالم فضيحة مالية، تمثلت في تهريب زعماء سياسيون بارزون وشخصيات عالمية ورياضيون وأثرياء أموالهم إلى ملاذات ضريبية، وتورط أكثر من 214 ألف كيان في عمليات مالية بأكثر من 200 بلد ومنطقة، في الفترة من 1977 إلى 2015، وأطلق على هذه الوثائق المسربة اسم "وثائق بنما" وأعقبتها استقالات، واحتجاجات في العديد من البلدان، وبدأت أكثر من 82 دولة تحقيقات حول عشرات الأفراد في جميع أنحاء العالم، فيما شددت بنما من قوانين المحاسبة الخارجية الخاصة بدخول المؤسسات الأجنبية إلى ترابها منذ تفجير الفضيحة، متعهدة بتبادل البيانات الخاصة بالضرائب مع الدول الأخرى.
وقامت الشرطة البنمية في 13 أبريل 2016، بعمليات تفتيش في مقر مكتب المحاماة "موساك فونسيكا" الذي يعد محور الفضيحة العالمية للتهرب الضريبي، وفتشت سلطة الضرائب في البيرو فرع مكتب المحاماة البنمي في العاصمة "ليما" وحجزت وثائق، كما صادرت شرطة السلفادور معدات معلوماتية، وبعد 3 سنوات من الفضيحة التي هزت العالم وأعقبتها استقالات جمع العالم حوالي 1.2 مليار دولار من الرسوم والضرائب غير المدفوعة، أشارت قناة "تيلسور"، إلى أنه تم استرداد أكثر من 1.2 مليار دولار أمريكي منذ بداية التحقيقات على مستوى العالم، من خلال الضرائب والرسوم المستردة، موضحة: "تمكنت سلطات الضرائب في فرنسا من استرداد ما مجموعه 136 مليون دولار أمريكي بعد انتهاء 500 تحقيقات، في حين تمكنت المملكة المتحدة من استعادة 252 مليون دولار أمريكي".
وكان تحقيق صحفي ضخم نشره "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" على موقعه الإلكتروني في أبريل 2016، كشف أن 140 زعيما سياسيا عبر العالم، إضافة إلى أسماء بارزة في كرة القدم بينها ليونيل ميسي، هربوا أموالا من بلدانهم، وذكرت قناة "فرانس 24" الفرنسية، أنه شارك في التحقيق أكثر من 100 صحيفة حول العالم ضمن "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، وأوضح التحقيق، أن 140 زعيما سياسيا، بينهم 12 رئيس حكومة حالي أو سابقا، في وقتها، إضافة إلى أسماء بارزة في عالم الرياضة، هربوا أموالا من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية.
ومن بين الشخصيات التي ورد ذكرها في التحقيق الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولاعبا كرة القدم ميشيل بلاتيني وليونيل ميسي، إضافة إلى شركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصيني شي جينبينج، والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، وسربت الوثائق جميعها من مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاما، وأوضح "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، ومقره واشنطن، على أن الوثائق وعددها نحو 11.5 مليون وثيقة تحتوي على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة عابرة للبحار في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، موضحا أن هذه الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية قبل، أن تتولى هو توزيعها على 370 صحفيا من أكثر من 70 بلدا من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر حوالي عام كامل.
وندد مكتب المحاماة في ذلك الوقت، بعملية التسريب التي طالته، معتبرا إياها جريمة وهجوما يستهدف بنما، وقال رئيس المكتب ومؤسسه رامون فونسيكا مورا، إن هذه جريمة، هذه جناية، مؤكدا أن الخصوصية هي حق أساسي من حقوق الإنسان تتآكل أكثر فأكثر في عالمنا اليوم، كل شخص لديه الحق في الخصوصية سواء أكان ملكا أم متسولا، وبحسب التحقيق فإنه في ما يتعلق بالرئيس الروسي فإن الأشخاص المرتبطين به هربوا أموالا تزيد عن ملياري دولار بمساعدة من مصارف وشركات وهمية.
وأشارت صحيفة "لا ناسيون" الأرجنتينية، في ذلك الوقت، إلى أن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري كان عضوا في مجلس إدارة شركة مسجلة في "جزر الباهاماس"، لكن الحكومة الأرجنتينية أكدت الأحد أن الرئيس لم يساهم أبدا في رأسمال هذه الشركة بل كان مديرا عابرا لهذه الشركة، وشملت الوثائق معاملات جرت على مدى أكثر من 4 عقود من 1977 إلى 2005 لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمي، ومن بينها معاملات أجراها يان دونالد كاميرون والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والذي توفي في 2010، وأخرى أجراها موظفون مقربون من الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز.
وقال مدير الاتحاد جيرار ريليه لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في ذلك الوقت، إن هذه التسريبات ستكون على الأرجح أكبر ضربة سددت على الإطلاق إلى الملاذات الضريبية وذلك بسبب النطاق الواسع للوثائق التي تم تسريبها. ولا تنحصر الأسماء الواردة في التسريبات بعالم السياسة بل تتخطاه إلى عالم الرياضة وتحديدا الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". فأربعة من الأعضاء الـ 16 في الهيئة التنفيذية للفيفا استخدموا، شركات أوفشور أسسها "موساك فونسيكا".
ووردت في هذه الوثائق أيضا أسماء حوالى 20 لاعب كرة قدم من الصف الأول، بينهم في فرق برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد، وتابع "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" قائلا، إن ميسي هو شريك مع والده في ملكية شركة مقرها في بنما، وفي أعقاب الفضيحة، قدم رئيس الوزراء الأيسلندي سيجموندور جونلوجسون في 5 إبريل 2016، استقالته من منصبه، وكانت التسريبات، أشارت إلى أن جونلوجسون كان يمتلك مع زوجته شركة "وينتريز" المسجلة في الخارج، ووجهت إليه تهمة اخفاء ملايين الدولارات في أصول عائلية، وفقا لما ذكرته "بي بي سي".
وأعلن وزير الصناعة الإسباني خوسيه مانويل سوريا في 15 إبريل 2016، استقالته من حكومة على خلفية ذكر اسمه في فضيحة "وثائق بنما"، وكانت اثنتان من وسائل الإعلام اليابانية ذكرتا مطلع الأسبوع الجاري أن اسم وزير الصناعة مرتبط بالفضيحة الواسعة "لوثائق بنما"، وأشارتا إلى أنه كان لفترة قصيرة مدير شركة أوفشور في البهاماس، لكنه نفى ذلك بشدة، وعارضت وسائل إعلام عدة تأكيداته ونشرت وثائق تثبت أنه كاذب، واتهمت صحف، بما فيها صحف يمينية، وزير الصناعة بأنه كان مديرا لشركة أوفشور تتمركز في جزيرة جيرسي البريطانية حتى 2002، عندما كان رئيسا لبلدية لاس بالماس في أرخبيل الكناري.