م الآخر| في الذكرى الثانية لرحيل جلال عامر.. "أين ابتسامتي؟!"
"اسمي "جلال" وفي البيت "المخفي" وأمام الضابط "فوزية"، وأنا المصري الوحيد الذي كتبت في إقرار ذمتي المالية أن عندي "حصوة" فأنا لا أمتلك سلسلة مطاعم بل فقط سلسلة ظهري وسلسلة كتب. رجلاً سخر من شانه قبل أن يطلق سهامه على القيود الحاكمة التى تطغى على صغار البلد.
هو ليس كالمواجه الشرس "أحمد عرابي" صاحب أشهر مواجهه أمام الخديوي توفيق 1881 والذي طالب فيها بعزل رياض باشا، أو الزعيم "مصطفى كامل" الذي ندد بحادثة دنشواي 1906. فهو صاحب ابتسامة يتخللها حزن دفين تنبع من مأسي بسطاء البلد الذي قرر أن ينصرف بنظره عنهم حتى لقب بـ "أمير الساخرين".
فوجهه لا يتنازل عن الابتسامة العريضة التي تشعرك كلما رأيتها وكأنها مرسومة بريشة فنان موهوب استطيع أن يقلب الواقع الحزين إلى واقع بسيط تتسرب إليه الفرحة، كما أنه يمتلك حبيب مميز لا يفارقه وكأنهما تؤام ملتصق وهو "القلم". الساخر جلال عامر كان يمتلك عقلاً انسج مشواراً من السخرية، فدقات قلبه كانت تنبض بالسخرية التي تفرز انزيماتها لتتدفق إلى العقل فيقوم برص كلماته حتى تتشكل حديقة مفتحة بالأزهار ذات الروائح العطرة فتشم كلماته قبل أن تدركها بالعين.
وُلد عامر في 25 سبتمبر سنة1952 وتخرج في الكلية الحربية وشارك في ثلاث حروب مصرية وكان أحد ضباط حرب أكتوبر ، فهو دارس للقانون بكلية الحقوق والفلسفة بكلية الآداب وكتب في مجالي القصة القصيرة والشعر ومن أشهر أعمال "مصر على كف عفريت" صدر عام 2009. عاشق لهموم الوطن ومشاكل الآخرين فيجد الحل بالسخرية التي تخرج من بين شفتيه على السطور الفارغة حتى تمتلئ وتخرج إلى الناس فتزيح الحزن عن قلوبهم وتمنحهم فرصة للتفاؤل.
فدائماً ما كان يسخر من زيارة مبارك لقبري عبد الناصر والسادات سارحاً بخياله عن ما يمكن أن يقوله مبارك أمام قبرهما فسيقول لعبد الناصر "طبعاً إنتَ عارف أنا لا عايز أزورك ولا أشوفك بس هي تحكمات السياسة اللعينة. حد يا راجل يعادي أمريكا؟ ويحارب المستثمرين. على العموم ارتاح. أنا بعت كل المصانع إلي انت عملتها، والعمال اللي انت مصدعنا بيهم أهم متلقحين على القهاوي" أما قبر السادات "فسيقرأ الفاتحة ويجفف وجه ويرحل
عظمة مصر أنها تضع بين أيام الأسبوع السبعة ست أوراق كربون، فتخرج الأيام متشابهة" من الأقوال الساخرة عن الراحل التي تشعر عند قرأتها كأنه تنبئ بمرور مصر بفترات شبيه لبعضها لا يختلف عنها سوى الأفراد الجالسة على عرشها ويؤكد تعبيره في قول آخر " ترقد الطيور على بيضها ليفقس ويرقد الحكام على شعوب لتفطس". فقبل رحيله بيوم أثر أزمة قلبية حادة القى سلامه الأخير من خلال
فالقى علينا تحية الوداع من خلال مقاله الأخير بتاريخ 11فبراير 2012 بجريدة المصري اليوم والذي يحمل عنوان "عقد اجتماعي جديد" قائلاً "نريد رئيساً لا يرفعون عنه الستار كأنه تمثال فرعوني أو يقصون أمامه الشريط كأنه محل تجارى، بل حاكم يحكم ويتحكم ويحاكم من أخطأ ويُحاكم إذا أخطأ.فإذا رحل الساخر فهو أبدع فكرة والفكرة حية لا تموت فقط تحتاج من يرويها حتى تتسع لتحمل في طياتها المزيد من الابداع.