لما كان فى كل دار فقيه
المقرئون على مائدة الإفطار
كان المسلمون أول الأمر يحفظون القرآن، أو يحفظون منه قدراً صالحاً، فلما اتسعت الفتوحات، صار السواد الأعظم لا يحفظون منه غير النذر اليسير من الآيات ويسمعون الكتاب ومحكم آياته من القراء والعباد.
وإلى هذا يرجع الأصل والباعث فى وجود طائفة تتكسب بقراءة القرآن وترتيله وحسن تلاوته بصوت جميل وإيقاع صحيح حسب القراءات المضبوطة.
ساعد على رواج الإقبال على سماع الفقهاء فى رمضان كساد الملاهى وضيق نطاقها وتكرارها الممل، فلم يكن بمصر مسارح ولا دور سينما ولا قنوات كالتى نراها فى القاهرة الآن، وكان جلوس الخاصة فى القهوات فضيحة، والذهاب إلى صالات الرقص فسقاً وفجوراً، أما «خيال الظل»، والشاعر وربابته، والمحدث وقصصه الملفقة فقد كان من ملاهى العامة.
هكذا كان الفقهاء
وكانت لا تقل أجرة الفقيه فى الشهر الفضيل -رمضان- عن جنيهين، ولا تزيد على مائة جنيه، وقد جرت العادة بأن يسهر رمضان فقيهان على الأقل، يستريح الواحد بينما يقرأ الثانى، والعظماء والكبراء يستأجرون ثلاثة أو أكثر.
وعلى الفقيه أن يؤذن المغرب والعشاء وعلى أصحاب الدار أن يغذوه بأطيب ما عندهم ويمدوه بفناجين القهوة طول الليل ولو بلغت المائة عداً.. وكم نشبت معارك بالسلاح الأحمر، بين الخدم والطباخ خصم أول، وبين الفقهاء خصم ثان، من جراء حسد الأولين ومرونة ذممهم، وحرص الآخرين واعتيادهم استغلال مناعم رمضان و«أطايبه» إلى أقصى حد ممكن. كيف لا وفيه يستجمعون القوة ويدخرون منه لأوقات فراغهم؟
والفقهاء هم الذين أرسلوا المثل القائل: «رمضان كريم». ويقف صاحب الدار دائماً فى صف الفقهاء وينصرهم بألوان الطعام مهدداً الخدم والطباخ بالطرد إذا اعتدوا على أكل المشايخ أو أهملوا فى إكرامهم.
ويجلس المشايخ فى السلاملك، بحيث يسمعهم أهل الدار والمارة فى الشارع، ونقول إنصافاً للحق إنهم كانوا مخلصين فى أداء مهمتهم، فكانوا لا يسكتون ولا يفترون عن القراءة إلا برهة قصيرة فى أواخر الليل ريثما يحتسون القهوة وإذا ابتلوا بمنافسين فى دارة مجاورة بالغوا فى رفع أصواتهم لكى «يغلوشوا» على الخصوم.
كسوة العيد
وعلى صاحب الدار دين غير الأجرة يشترطه المشايخ عند الاتفاق، ويطالبون به كعادة لا يجوز انقطاعها إذا كانوا منقطعين لأحد «الذوات» فقد كان حتماً لزاماً على صاحب الدار أن يكسو الفقهاء كسوة العيد التى تتألف من:
أولاً: جبة من الجوخ.
ثانياً: قفطان من الشاهى أو الألاجة.
ثالثاً: مركوب وشراب (جورب).
رابعاً: - عمامة كاملة.
خامساً - حزام حرير.
وثمن هذه الكسوة وخياطتها لا يقل عن عشرة جنيهات والناس مقامات.
كل شىء والدنيا 1935