الطفل المصرى يروى لـ«الوطن» تفاصيل إنقاذ 54 إيطالياً: لقبونى بالبطل.. والمعادون للعرب شكرونى
«رامى» البطل المصرى مع والديه
«لقّبونى بالبطل فى إيطاليا، والمعادون للعرب شكرونى».. لم يطلب الطفل رامى خالد شحاتة قوشة، 14 سنة، ابن مدينة طلخا فى الدقهلية، مكافأة لنفسه على إنقاذ أرواح 54 زميلاً له من الخطف فى إحدى المدن الإيطالية، سوى مقابلة لاعب نادى يوفنتوس الشهير، باولو ديبالا، وفى حواره مع «الوطن»، بمسقط رأسه فى الدقهلية، قال إنه يتمنى الآن مقابلة اللاعب محمد صلاح.
فى مارس الماضى، تحرّك الأوتوبيس المدرسى بـ«رامى» وزملائه وعدد من المدرسين، فى الطريق إلى المدرسة، بعد المشاركة فى حفل رياضى، عندما فوجئ الركاب بسائق الأوتوبيس يخطفهم، ويؤكد لهم أن أحداً منهم لن ينجو، ويتذكّر «رامى» هذه اللحظة، قائلاً: «اعتقدت أننا سنموت جميعاً، خاصة عندما نظرت لزملائى، ووجدتهم يبكون من الخوف، فجاءت لى فكرة الاتصال بالشرطة».
أمسك «رامى» تليفونه المحمول مقلباً فى الصور، وعندما رأى صورة الأوتوبيس المدرسى أثناء احتراقه، بعد نجاة الركاب، قال: «كلما أرى الأوتوبيس محترقاً أشعر بالحزن، وأتذكر مشهد رعب زملائى داخله، خاصة عندما سكب السائق الخاطف البنزين على الأرضية، مهدّداً بإشعال النيران فى الأوتوبيس عند أى مقاومة».
فور دخول «رامى» الأوتوبيس، حسبما يقول، لاحظ اختفاء «الشواكيش» اللازمة لكسر الزجاج فى حالات الطوارئ، مما أثار شكوكه فى البداية، إلا أن معرفته السابقة بالسائق أزالت هذه الشكوك، موضحاً: «بعد 10 دقائق من تحرك الأوتوبيس، توقف السائق طالباً منا الصمت، وقيّد أحد المدرسين، ثم طلب من مدرس آخر، تحت تهديد السلاح، تقييد باقى زملائه».
"رامى": سائق الأوتوبيس سكب البنزين على الأرضية وهدّدنا بالحرق.. والشرطة لم تصدّقنى فى أول مكالمة فاتصلت بوالدى وبعد 20 دقيقة وصلت سياراتها.. وأحلم بمقابلة محمد صلاح.. وديبالا "عزمنى" على مباراة "الديربى" فى المقصورة
وجمع السائق الهواتف المحمولة من جميع الركاب، عدا «رامى»، الذى تمكن من إخفاء هاتفه، حسبما يقول لـ«الوطن»، ثم أكمل الأوتوبيس طريقه، بعدما سكب الخاطف البنزين على الأرضية والستائر، مهدّداً بإشعال النار فى الجميع، قائلاً «اصمتوا، سنموت جميعاً»، وعندها بدأت فكرة الاتصال بالشرطة تراود «رامى»، رغم التهديدات.
يقول «رامى»: «عندما رأيت الرعب على وجوه زملائى، قررت البدء فى محاولة لإنقاذهم، فاتصلت بالشرطة، لكن مستقبِل المكالمة لم يصدقنى فى البداية، وحاول الحصول منى على أكبر قدر من المعلومات، فأغلقت الخط، واتصلت بوالدى، الذى تولى التواصل مع الشرطة، ثم اتصلت بها مرة أخرى، لأُحدد مكان الأوتوبيس».
ولم يمضِ أكثر من 20 دقيقة، حتى وصلت سيارتا شرطة، ثم زاد عددها إلى 12 سيارة، يقول «رامى»: «بعد المكالمة نطقت الشهادتين، معتقداً أنها الدقائق الأخيرة فى حياتى»، مضيفاً «كنت أنا من أجرى الاتصال بالشرطة ووالدى، قبل أن يجرى زميلى المغربى آدم، اتصالاً بوالدته من تليفونى، إلا أنها لم تصدقه فى البداية».
وأشار «رامى» إلى أنه فوجئ بمحاولة البعض الادعاء بأن «آدم» هو المسئول عن إنقاذ الأوتوبيس، رغم أن مكالمة زميله المغربى بوالدته كانت من التليفون نفسه، موضحاً «اتصلت بالشرطة 3 مرات، وكل هذه المكالمات كانت من تليفونى، بعدها أخذ زميلى المغربى التليفون منى ليتحدث مع والدته، إلا أنها لم تصدق ما قاله لها».
فور وصول الشرطة، حاولت قطع الطريق على الأوتوبيس، وتمكنت بالفعل من إيقافه، يقول «رامى»: «طلبنا منها عدم إطلاق النار، خوفاً من احتراق الأوتوبيس بفعل البنزين، وبدأ رجال الشرطة فى كسر الزجاج بعصى حديدية، بينما حاول السائق التحرّك بالأوتوبيس مرة أخرى، لكن الشرطة أوقفته، وتمكن زملائى من الهروب، وكنت أنا آخر من يغادر الأوتوبيس، وقبل أن يتم القبض على السائق أشعل النار فيه».
بعد 4 أيام من الحادث، استقبل وزير التعليم «رامى»، لتكريمه مع قوة الشرطة المشاركة فى عملية الإنقاذ، ثم كرمته السفارة المصرية فى روما، والتقاه وزيرا الداخلية والخارجية، وبعد أسبوع واحد، تلقى «رامى» اتصالاً من مكتب وزير الداخلية، لإبلاغه بقبول الطلب المقدم منه للحصول على الجنسية.
حلم «رامى» طوال حياته كان دراسة الصيدلة، لكن بعد الحادث تغيّر حلمه لأن يصبح ضابط شرطة، يقول: «لم أقرر حتى الآن المكان الذى سأستقر فيه، سواء مصر أو إيطاليا»، موضحاً أن «سائق الأوتوبيس صدرت ضده أحكام بالسجن 30 سنة، على أن يرحّل بعدها إلى موطنه فى السنغال، بينما ابنه ما زال مقيماً فى إيطاليا، لكنه انقطع عن المدرسة بسبب خوف التلاميذ منه».
عن مقابلته بلاعب يوفنتوس، باولو ديبالا، قال «رامى»: «بعد الحادث تلقيت العديد من مكالمات الشكر، وبعضها كان من جانب معادين للعرب، وتلقيت العديد من التكريمات، لكن أهمها بالنسبة لى كان مقابلة لاعب يوفنتوس، باولو ديبالا، ففى لقاء صحفى معى، طلب منى اختيار شخصية أتمنى لقاءها، فاخترت لاعب يوفنتوس، لأننى أحبه، ثم فوجئت برسالة من سكرتيرته عبر «واتس آب»، كتبت فيها: مرحباً، أنا سكرتيرة ديبالا، عندى لك مفاجأة، جاهز!».
يقول «رامى»: «فى البداية لم أصدق نفسى، لكن السكرتيرة أرسلت لى رسالة بصوت اللاعب، قال فيها: أنت بطل ويشرفنى أن أقابلك»، ثم وجه ديبالا دعوة إلى «رامى» لحضور مباراة الديربى الإيطالى، وفوجئ بنفسه مع والده فى المقصورة الرئيسية، ثم صافح اللاعب.
والد «رامى»، قال لـ«الوطن»، «ابنى دخل التاريخ الإيطالى، وحصل على لقب بطل من الحكومة الإيطالية، كما استطاع أن يغير الانطباع عن العرب بأنهم إرهابيون».
وعن الخلاف حول المسئول عن إجراء الاتصال بالشرطة الإيطالية، قال الأب: «رامى أجرى المكالمة الأولى، وبناءً عليه تحركت الشرطة، بينما زميله المغربى آدم اتصل بوالدته فى النهاية، دون أن تصدقه، وهى مكالمة جرت بعد أن تحركت الشرطة بالفعل»، مضيفا أن «كل برنامج تليفزيونى سجل معنا فى إيطاليا، كان يهمه التأكد أولاً من المسئول عن إجراء المكالمة الأولى، وكان يتأكد من الشرطة».
وأشار الأب إلى أنه عاش 30 دقيقة عصيبة خلال فترة الخطف، واتصل بكل من يعرفهم ليساندوه فى الأزمة، مؤكداً أن «الشرطة الإيطالية كانت على قدر المسئولية، وتمكنت من السيطرة على الموقف، وعندما وصلت إلى الأوتوبيس وجدت الأوتوبيس مشتعلاً، وقال لى الضباط إننى أحسنت تربية ابنى».