ركود فى محلات وسط البلد ووكالة البلح.. حتى «البالة» بلا زبائن
الركود يسيطر على «وسط البلد» والوكالة
ارتفاع الأسعار ومع موسم امتحانات الثانوية العامة ودرجات الحرارة المرتفعة، أسباب متعددة أثرت بشكل كبير على إقبال المواطنين على شراء الملابس، تحديداً فى المنطقتين الأشهر فى بيع الملابس سواء الجديدة فى وسط البلد «26 يوليو وطلعت حرب» أو ملابس البالة فى وكالة البلح بمنطقة «بولاق أبوالعلا».
"شحاتة": "مفيش بيع خالص السنة دى.. والناس تدخل المحل تتفرج وتقلب فى الهدوم وتمشى"
وسادت حالة من الركود فى وسط البلد وظهرت الشوارع شبه خاوية من الزبائن فى وكالة البلح، السوق الرئيسية لبيع ملابس البالة داخل القاهرة، وجلس البائعون وأصحاب محلات الملابس بعيداً عن أشعة الشمس فى انتظار وصول الزبائن، من ضمن هؤلاء كان «حسين العمدة»، 42 عاماً، جالساً على أحد الكراسى الخشبية فى مدخل المحل الذى يتملكه، يُسلى وقته فى قراءة إحدى الجرائد الورقية لحين وصول الزبائن إلى المحل، يعمل «حسين» داخل الوكالة منذ 32 عاماً، كان يعمل مع عمه، إلى أن أصبح يمتلك محلاً لبيع ملابس بالة رجالى ونسائى، قائلاً: «الأسعار السنة دى أغلى من السنين اللى فاتت، والناس ظروفها صعبة برضو وده أثّر على الإقبال فى الوكالة بشكل كبير، عشان كده بعرض الملابس اللى سعرها رخيص وحنين بره المحل عشان أعمل حركة شوية على الباب، وعندى جوه المحل حاجات بسعر أغلى شوية».
أسعار الملابس داخل الوكالة تناسب كافة فئات المجتمع، حيث تتوافر الملابس الرخيصة والباهظة، وفقاً لـ«حسين».
ويستعد «حسين» لموسم شراء الملابس المناسبة لكافة المستويات، متابعاً: «الزبون عاوز حاجة شكلها حلو وفى نفس الوقت سعرها حنين ويقدر يشتريها»، مشيراً إلى أن أسعار قطعة الملابس فى الوكالة تبدأ من 10 جنيهات حتى 200 جنيه وأكثر، وأن سعر البنطلون الجينز يتراوح بين 150 و200 جنيه، والقماش من 100 لـ150 جنيهاً، أما الجبردين فيبدأ من 130 حتى 180 جنيهاً، أما بالة الملابس فتقف على أصحاب المحلات بسعر يبدأ من 6 آلاف وتصل إلى 15 ألف جنيه، ويتوقف سعرها على جودة الملابس التى تحتويها.
وتنتشر الحوامل المعدنية فى وسط الوكالة عليها أنواع مختلفة من ملابس البالة الأقل جودة من التى توجد بالمحلات، يقف على أغلب تلك الحوامل الشباب الصغار، يرفعون من أصواتهم لعرض أسعار الملابس «تعالى شوف واتفرج.. بـ100 جنيه بس البنطلون الرجالى»، من أجل جذب انتباه الزبائن إلى ملابسهم، أما «مجدى عبدالمنعم»، 63 عاماً، صاحب محل فى الوكالة، فوقف على مدخل المحل مستنداً بيده على أحد حوامل الملابس المعدنية، يظهر على ملامحه الحزن بسبب الركود، قائلاً: «الإقبال السنة دى قليل أوى بسبب الحر والامتحانات، والمفروض إن ده الموسم اللى بنعتمد عليه وبنستناه كل سنة، لكن للأسف الدنيا هادية خالص، يعنى الصبح ممكن أبيع حتتين أو تلاتة، وبالليل 5 أو 6 حتت بالكتير، ولو فيه 200 جنيه مكسب يعنى فى اليوم بصرفهم على البيت ونفطر بيهم».
"على": "كل صاحب محل بيحط الأسعار على مزاجه.. والمشكلة إن الخامات رديئة والسعر غالى"
حركة الشراء داخل الوكالة تبدأ منذ الصباح، ويتوافد المواطنون على الوكالة نهاراً ومساء، حسبما قال «مجدى»، متابعاً: «فى الظروف اللى احنا فيها دى ممكن البالة يتباع منها الحاجات الحلوة والباقى أفضل قاعد بيه، وبيضطر البايع يرفع من سعر القطع الحلوة عشان يعوّض الخسارة فى باقى الملابس اللى بيقلل فى سعرها عشان مش بتتباع ويخلص منها»، مشيراً إلى أن الأزمة تكمن أيضاً فى أن بكل منطقة أقيم سوق للبالة كإمبابة وبولاق الدكرور والسلام وغيرها: «محدش بقى محتاج ييجى الوكالة، لأن محلات البالة انتشرت فى أكتر من منطقة، وكل واحد بيروح المنطقة الأقرب منه».
رحلة بحث يقوم بها الزبائن بين الملابس والحوامل المعدنية من أجل الفوز بالقطعة الأفضل الخالية من العيوب وبأقل سعر، وكان «أحمد عبدالحليم»، 39 عاماً، صنايعى بإحدى ورش النجارة، قد اصطحب زوجته لشراء الملابس لابنتيه الصغيرتين، يقول: «أسعار الملابس ارتفعت كتير عن السنين اللى فاتت، بس ما زالت لحد دلوقتى هى الأقل برضو عن باقى الأسعار فى الأماكن التانية، واللى لاحظته إن جودة الملابس قلت كتير عن الأول فى الوكالة، بس فى الأول وفى الآخر مضطر كأب أشترى لبس الصيف لبناتى رغم الأسعار دى، ممكن أستغنى عن ملابس ليا لكن هما ماينفعش»، موضحاً أنه يحاول إيجاد ملابس جميلة لبناته بأسعار معقولة تناسب قدرته المالية.
وبالانتقال إلى وسط البلد كان الوضع مماثلاً إلى حد كبير، حيث أصاب الركود محلات بيع الملابس، ولكن الإقبال على المحلات من قبَل المواطنين كان أكثر مما كانت عليه الوكالة، وفى شارع عبدالخالق ثروت وقف «محمد شحاتة»، 56 عاماً، يعمل بأحد محلات بيع الملابس الجاهزة، داخل المحل، قائلاً: «السنة دى مفيش بيع خالص، دى الأيام العادية بقت أحسن من الموسم ده، والنهارده بنكمل مبيعات من الملابس 3000 جنيه فى اليوم، وده رقم قليل جداً مقابل اللى بندفعه فى الكهرباء والضرائب والعمالة»، مؤكداً أن السبب الرئيسى فى انخفاض الإقبال هو ارتفاع الأسعار بشكل كبير: «التيشرت اللى كان بـ75 جنيه بقى دلوقتى سعره 250 جنيه، وماكناش بنسمع عن الأسعار دى قبل كده خالص».
كانت منطقة وسط البلد تشتهر دوماً بأسعارها المناسبة للجميع عكس مناطق أخرى كثيرة كالمهندسين ومصر الجديدة، ولكن حالياً أصبحت أسعارها مرتفعة مثل باقى المناطق، مضيفاً: «الزباين كلها بقت تدخل المحل تتفرج وتقلب فى الهدوم وفى الآخر تمشى وماتجيش تانى».
يتفق معه «عبدالهادى صلاح»، 33 عاماً، ويعمل بمحل أحذية وحقائب جلدية بشارع طلعت حرب، قائلاً: «رمضان اللى فات غير السنة الماضية، لأن كان فيه شغل وحركة ساعتها على عكس دلوقتى، والسبب فى كده إن الأرصاد فى التليفزيون وعلى النت بتحذر المواطنين ينزلوا فى الحر ده، وكمان لسه طالعين من إجازة شم النسيم وفيه ناس كتيرة نزلت اتسوقت فى فترة الإجازات دى»، يصمت «عبدالهادى» برهة ثم يستكمل حديثه: «الزبون بيبقى نازل عامل حسابه فى مبلغ معين هيشترى بيه، ويتفاجئ بالأسعار المرتفعة، ده انا كانت عندى حاجات بتتباع بـ250 جنيه السنة اللى فاتت دلوقتى وصلت 400 جنيه».
«على كامل»، 35 عاماً، مندوب مبيعات بإحدى الشركات الخاصة، خاض تجربة التسوق فى وسط البلد من أجل شراء الملابس، مصطحباً زميله فى العمل معه، ووقف الاثنان أمام أحد محلات بيع الأحذية الشهيرة بشارع طلعت حرب يتشاوران فيما بينهما على اختيار الحذاء المناسب لـ«على»، قائلاً: «الأسعار كلها بقت غالية وده بيبقى التجار كلهم متفقين مع بعض عليه، بس المشكلة الأكبر بالنسبة لى إن الخامة تبقى رديئة بسعر غالى جداً، وبسبب الارتفاع ده بقت الفئة اللى تحت المتوسطة مش عارفة تشترى حاجة خالص»، ويرى «على» أنه يجب أن يكون هناك رقابة صارمة على المحلات التجارية لمتابعة الأسعار بشكل دائم: «كل محل بيحط السعر دلوقتى على مزاجه، وماينفعش أبداً أدفع 300 جنيه فى كوتشى ويبوظ بعد شهر مثلاً».
يذهب «على» إلى محلات مُحددة فى وسط البلد يعرفها ويضمن جودة بضاعتها، مضيفاً: «كان الأول تقدر تنزل مرة واحدة تجمع اللى انت عاوز تشتريه، لكن دلوقتى وبسبب ارتفاع الأسعار بالشكل ده بقيت بنزل كذا مرة فى الشهر فى أكتر من مكان عشان أقدر أوفق المبلغ اللى أنا محدده وأجيب بيه طقم كامل، يعنى ممكن مثلاً البنطلون من العتبة على كوتش من وسط البلد وهكذا»، مشيراً إلى أنه أصبح من الصعب أن يشترى كل ما يحتاجه من مكان واحد مرة واحدة نظراً للظروف المالية التى يعانى منها الجميع، وأوضح «على» أن البنطلون سعره 350 جنيهاً والتيشيرت بـ250 جنيهاً، أما الحذاء «الكوتشى» فوصل إلى 450 جنيهاً.