«إدفو للورق» تتوقف عن الإنتاج.. وتبحث عن «طوق نجاة»
بكرات الورق فى مخازن الشركة لا تجد من يشتريها
جلس داخل مكتبه فى مقر الشركة بالقاهرة، مسنداً ظهره إلى كرسى من الجلد وأخذ يضرب كفاً بكف وأخماساً فى أسداس متحسراً على ما آلت إليه الأوضاع فى مصنع الشركة، وعاد بذاكرته للوراء بـ«نظام الفلاش باك» ليتذكر أوضاع صناعة الورق الوطنية فى عصرها الذهبى قبل 25 سنة، التى باتت تواجه شبح الانهيار الآن تحت ضغط الضربات التى تتلقاها من «تسونامى» إغراق الورق المستورد الذى يغزو السوق المحلية، وما زال يفكر فى كيفية حصول الشركة على «طوق نجاة» من أجل الوصول إلى بر الأمان، إنه المهندس عبدالرحمن أحمد، رئيس مجلس إدارة شركة مصر إدفو لورق الكتابة والطباعة.
مشاكل كثيرة يمكن أن تحدث لواحدة من الصناعات المهمة، إذا ما تحقق سيناريو الانهيار المرعب لصناعة الورق، أبرزها تشريد 20 ألف عامل على الأقل من أكبر شركتين وطنيتين للورق، هما (إدفو وقوص) فقط، بسبب ترك الساحة مفتوحة أمام الورق المستورد لينفرد بالسوق، وسط توقعات بارتفاع أسعاره لثلاثة أضعاف ما هى عليه الآن.
الزيادات المحتملة، إذا ما حدثت، لن تكون الأولى، فقد تضاعفت أسعار الورق من قبل، عقب تعويم الجنيه أواخر عام 2016، ما أثر بالسلب على الكثير من الأنشطة والمجالات التى تعتمد على الورق، وبينها التعليم والثقافة والصحافة، وشكل عبئاً إضافياً على كاهل المؤسسات والمواطنين، الذين صدمتهم الأسعار الجديدة، ورغم أن مشاكل صناعة الورق الوطنية قديمة ومتشعبة، إلا أن هذه هى المشكلة المُلحة التى تهدد بالقضاء عليها، وأوضح رئيس مجلس إدارة إدفو للورق، أن الانخفاض المتواصل فى أسعار الورق المستورد، بداية من شهر أغسطس الماضى، يهدد الصناعة الوطنية التى أصبحت غير قادرة على مجاراته وتحقق خسائر فادحة بعشرات الملايين بسبب الإغراق، متابعاً أن سعر طن ورق الكتابة والطباعة المستورد (وزن 70 جراماً) يتراوح بين 14 و15 ألف جنيه، فيما خفضت شركة إدفو للورق أسعارها أكثر من مرة لمجاراة ذلك حتى وصل سعر منتجها إلى 15 ألفاً و800 جنيه للطن، مسجلة خسارة 2000 جنيه فى الطن، مقارنة بسعر التكلفة البالغ 17ألفاً و800 جنيه، وأضاف أنه رغم التخفيضات المتتالية التى طرأت على أسعار ورق الشركة، ووصلت إلى 2000 جنيه على مدار شهرين إلا أن مخازن الشركة تمتلئ بحوالى 15 ألف طن ورق، لا تقل جودته عن المستورد إن لم تكن أكثر، وتبحث عن مشترين، وهو ما أدى لاتخاذ قرار من جانب مجلس الإدارة بتوقف إنتاج المصنع نتيجة وصول السعة التخزينية لمخازن الشركة لحدها الأقصى، وعدم القدرة على مجاراة تكاليف الإنتاج الكبيرة فى ظل ركود المنتج وتوقف المبيعات، وهو السيناريو الذى يحوم شبحه حول بقية شركات الورق الوطنية التى تعانى بدرجات مختلفة مما عانت وتعانى منه «إدفو للورق».
رئيس مجلس الإدارة: نتحمل "قيمة مضافة" 14% على جميع الخامات حتى "مُصاص القصب".. ومدير المشتريات: المنتج الأجنبى يتدفق بدون جمارك
وحول الأسباب التى أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بهذا الشكل وعدم قدرتهم على مجاراة أسعار المستورد وركود المنتج الوطنى، قال إن الزيادات المتتالية فى تكاليف الوقود التى حدثت قبل 2011، وحتى تحرير سعر الصرف فى 2016 ورفع الدعم تدريجياً عن الوقود، وما صحب ذلك من ارتفاع أسعار المواد الخام، المحلية والمستوردة، وفرض ضرائب وجمارك عليها، لا تفرض على المستورد، ساعد فى استفحال الأزمة، مشيراً إلى أن أسعار الوقود ترتبط بالمادة الخام الأساسية لديهم، وهى «مصاص القصب»، التى كانت تستخدمها شركة السكر لتوليد الطاقة الكهربائية، ومن ثم ربطت أسعار توريدها بالزيادة فى أسعار الوقود، إلى الدرجة التى ارتفع معها سعر طن المصاص من 80 جنيهاً وقت تأسيس الشركة عام 1995، إلى 1900 جنيه حالياً، وتابع: طن المازوت فى بداية الأمر كان بـ180 جنيهاً، وبعدها تدرج فى الارتفاعات، وكان من أشدها قسوة ما حدث عام 2007، حين تضاعف من 500 جنيه إلى 1000 جنيه، بعدها ارتفع إلى 1500 جنيه فى فبراير 2013، ثم 2070 جنيهاً فى يوليو 2014، و2255 جنيهاً عقب القرار الأخير لتحرير سعر الصرف، انتهاء بـ3600 جنيه الآن، وهو ما رفع معه سعر المادة الخام الأساسية، وهى «مصاص القصب» بالتبعية.
ولمواجهة أزمة الوقود سارت الشركة فى طريق الاستعانة بالغاز الطبيعى، كبديل، حيث كان سعر المليون وحدة حرارية 2 دولار بما يساوى 50 قرشاً للمتر المكعب، وبلغت تكلفة توصيل الغاز وقتها 126 مليون جنيه، لكن سرعان ما جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، وصدر قرار رئيس الوزراء فى يوليو 2014 برفع سعره من 2 لـ5 دولارات للمليون وحدة حرارية، ليتضاعف سعر المتر المكعب من 50 قرشاً لـ149 قرشاً، حتى وصل بعد القرار الأخير لتحرير سعر الصرف إلى 3.26 جنيه.
«ومما زاد الطين بلة» حسب تأكيدات «عبدالرحمن»، قيام الدولة بفرض ضريبة قيمة مضافة 14% على جميع الخامات التى تدخل فى صناعة الورق، بما فيها «مصاص القصب» وهو من مخلفات صناعة السكر، ولا يتم إجراء أى عملية صناعية عليه بالمصانع بجانب ضريبة مضافة على «لب الخشب» المستورد من الخارج، بينما الورق الذى يتم استيراده من الخارج لا يتم فرض ضريبة قيمة مضافة، أو أى ضريبة أخرى عليه، وتقوم البلدان التى يتم الاستيراد منها بدعم صناعتها الوطنية لزيادة منافستها فى الدول التى تستورد منها، وبعد ذلك تفرض السعر الذى تريده، مضيفاً: «لأنه عايز يحتلك من بعيد، عايز يموت صناعتك، وبعد كده يعوض اللى دفعه».
وعاد رئيس مجلس إدارة شركة إدفو للورق لاجترار أحزانه مرة أخرى بسبب الديون المتراكمة على الشركة ومنتجاتها المكدسة فى المخازن، وقال: «الديّانة بيطاردونى.. وإذا ما بعتش ما بدفعش»، مشيراً إلى أن شركته عليها ديون لـ«النصر للكيماويات الوسيطة» فى حدود 10 ملايين جنيه، وشركة النقل التى يتعاملون معها تطالبهم بأكثر من 2 مليون و206 آلاف، و37 مليوناً رسوم غاز متأخرة، و10 ملايين جنيه للكهرباء.
وبالنسبة للحلول المقترحة لهذه الأزمة، يرى «عبدالرحمن» أن هناك نصاً غير مفعل فى القانون الخاص بـ«التعاقدات الحكومية» ينص على أنه لو هناك بضاعة مستوردة لها نظير محلى ويزيد سعرها على المحلى 15%، فلا بد على الجهات الحكومية من شراء هذه البضاعة المحلية، وطالب بفرض ضريبة قيمة مضافة على المستورد، مثلما هو الحال مع المحلى، علماً بأن نسبة الورق المستورد المتدفق على مصر تصل إلى 70% من الورق الموجود بالسوق، وهو ما يمكن أن يُدر دخلاً كبيراً على الدولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغى إلغاء ضريبة القيمة المضافة على المادة الخام الرئيسية التى يعتمدون عليها فى إنتاج الورق وهى «مصاص القصب»، مع الوضع فى الاعتبار أن المصنع فى الصعيد ويتعين على الدولة دعمه وتنميته وتوفير فرص عمل فيه.
وتدخل أسامة حمدى، مدير المبيعات بالشركة، قائلاً «إن السوق تتحكم فيه سياسة العرض والطلب ولو المنتج مش موجود عندنا، سنصبح أمام مزاد فى الأسعار، لكن لو هناك بديل محلى، نقدر نتحكم ونقلل الأسعار ونمنع المغالاة».
«لدينا عجز شديد فى السيولة المالية، فالشركة تُنتج منتجاً مُكلفاً، وغير قادرة على بيعه»، هكذا وصف مدير المبيعات بالشركة الأوضاع الصعبة التى يعانون منها، مشيراً إلى أنه يقضى معظم يومه فى مكتبه بالشركة فى محاولات يائسة لإقناع العملاء بشراء منتجهم الذى يصنع منه الكراريس، والكشاكيل، والكتب التعليمية، دون جدوى، وحتى إن المناقصة الأخيرة التى أعلنت عنها وزارة التعليم لطباعة الكتب المدرسية لم تشهد شراء أى ورق يذكر من منتجات الشركة». وأكد عمرو عتريس، مدير المشتريات بالشركة، أن أطنان الورق المستورد المعفاة من الضرائب والجمارك، التى يرصدها بحسرة فى الجمارك، عندما يذهب لتخليص إجراءات دخول المواد الخام المستوردة اللازمة للمصنع التى ارتفعت أسعارها بعد ارتفاع الدولار وتم فرض ضريبة قيمة مضافة عليها بنسبة 14% عليها، تبلغ تكلفة أقل رسالة منها ربع مليون دولار، وتابع «عتريس» حديثه غاضباً: «المسألة ببساطة أنه حين تفرض ضريبة على عجينة لب الورق المستوردة من الخارج، يبقى المفروض فرض ضريبة مضافة على الورق اللى جاى من بره، الموضوع مش عايز كلام، لأن انت كده زودت تكلفة الورق المحلى، وميزت المستورد بتقليل أسعاره».
إدارة شركة إدفو، والنقابة العمالية بمصانع الورق بإدفو وقوص، لم تقف مكتوفة الأيدى على مدار الشهور الماضية، وسارعت بإرسال استغاثات لمختلف الجهات والوزارات المعنية، لتذليل الصعوبات التى تعترض طريق صناعة الورق الوطنية وتهدد بالقضاء عليها، لكن ما من مجيب أو مهتم.