الأهالى يتابعون أبناءهم وأياديهم على قلوبهم: بنموت من الخوف عليهم.. لكن حاسين إنهم أبطال
«حسن» لاعب «البامبوك» مع والده علاء راشد
معاناة ومشاعر مضطربة يعيشونها، وصغارهم محلّقون فى الهواء، ويقومون بحركات خطيرة على خشبة السيرك، يتطلعون لهم بنظرة الملهوف وقلوب تدعى لهم بعدد الدقات، يلتقطون أنفاسهم بعد تصفيق الجمهور وإسدال الستار، على موعد جديد مع تكرار المشهد فى الليلة التالية، رغم كل هذا الخوف والحذر لا يستطيعون منع أطفالهم من اللعب فى السيرك وتقديم فقرات عُرفت بأسمائهم، بسبب تعلقهم به، وتعوّدهم عليه ونجاحهم الملحوظ.
لم تنس حنان النوبى، ذات الـ49 عاماً، سقوط طفلتها «سمر» أمام عينيها من على ارتفاع أكثر من 12 متراً على الأرض، المشهد الذى تعتبره الأسوأ فى حياتها، تتذكر تفاصيله كاملة ومشاعر الألم تعتصرها، أصيبت ابنتها بشرخ فى منطقة الحوض ومزق فى الكتف ومسامير فى يدها اليمنى، لكنها لم تقدر على منعها، بسبب ارتباطها بالسيرك منذ صغرها، وكذلك تتذكر إصابة ابنتها الأكبر حين سقطت على قفص الأسود أثناء البروفات وانفتحت رأسها: «فجأة لاقيت بنتى غرقانة فى دمها، ومفيش لا أمان ولا علاج مناسب».
لديها ثلاث فتيات «هايدى»، «سمر» و«ياسمين»، يلعبن فى السيرك منذ سن 6 سنوات، تنقلن ما بين عدة فقرات، مثل الطوق الهوائى والسلم الهوائى وغيرهما، سنوات من المعاناة تعيشها مع بناتها بسبب الإصابات والتعب والجهد المضاعف لإسعاد الجمهور، لكن دون جدوى حقيقية أو مقابل مادى مُرضٍ: «بنتى بتاخد 220 جنيه بعد كل التعب ده»، وتشتكى من قلة الإمكانيات ووسائل الأمان: «كل ده عشان يبسطوا الجمهور لكنها خطورة شديدة جداً».
"حنان": "بنتى وقعت من ارتفاع 12 متر قدام عينى" و"علاء": "لو كنت شغلته فى مصنع كان نفع نفسه"
تحكى أن معظم أفراد العائلة يعملون فى السيرك، وكان هذا دافعاً قوياً لتعلق الفتيات به: «أنا لو عليّا مكنتش هوافق أصلاً لو هيدونى مليون جنيه، محدش هيقدر يعوض عيل من عيالى»، تظل واقفة طيلة الفقرة تتابع ابنتها بترقب وخوف شديدين، ولسانها لا يكف عن الدعاء لها أن تنهى فقرتها بسلام، دون أن يمسها الضرر، ثم تطير نحوها بعد غلق الستار لتحتضنها بشدة وتطمئن عليها: «قلبى بيوجعنى ومفيش حد بينفع حد»، تفكر فى قلة التعويضات وانعدام التأمين، والعمل دون عقد أو اعتراف شرعى بما يبذلونه من جهد يسهم فى إنارة السيرك وتوافد الجمهور عليه: «مفيش اهتمام بيهم، بنتى ما بقتش بتعرف تعمل حاجة بإيديها.. والضنا غالى»، مؤكدة أنه فات الأوان لإيقافهم خاصة أن حياتهم وطفولتهم ضاعت داخل غرفات السيرك، دون إثبات حقهم أو تقديرهم مادياً: «فى أى وقت هيقولوا لهم بره، واللى بيقع ويتكسر مالوش دية».
يوافقها الرأى علاء راشد، ذو الـ46 عاماً، والد اللاعب حسن، الذى ورِّث المهنة لابنه بعد أن ورثها عن والده، لكنه يراها مهنة خطرة: «إن كان عليّا مكنتش دخلته، لكن ده أكل عيشنا من سنين»، يحكى أن ابنه تعرض لكثير من الإصابات والكدمات فى مقابل تقاضى 7 جنيهات فى اليوم، لم يحصل عليهم منذ عام كامل: «لو كنت شغلته فى مصنع كان زمانه بياخد 100 جنيه فى اليوم دلوقت».
لم يكن لديه خيار آخر سوى الاستجابة لرغبة ابنه الصغير بممارسة تلك المهنة المميتة، والوقوف بجانبه يتابعه ويحاول الحفاظ عليه ويحميه من خطورتها قدر المستطاع: «وقع ونزف كتير وقلبى كان بيتقطع عليه»، بدأ يتطور مستواه ينتظره الجمهور فى كل ليلة أثناء تأدية فقرة السلم الهوائى وسط تصفيق حار، حتى أصبح يقدمها بشكل يومى، وفى الأعياد، الأمر الذى جعله يفقد لذة هذه المناسبات ويقضيها على خشبة المسرح بعيداً عن أقرانه: «ابنى اتحرم من اللعب زى الأطفال والخروج مع صحابه بقاله 9 سنين».
يحكى أنه تنازل عن كل هذا لإسعاد مَن فى مثل سنه وأكبر، مطالباً المسئولين بالاهتمام بالنشء وضرورة تأسيس مدرسة لتعليمهم حتى لا تندثر ألعاب السيرك، ويفقد هذا الصرح الكبير نجومه مع الوقت: «راعوا الجيل اللى طالع ده اللى شايل السيرك الكبار راحت عليهم».