مترو الانفاق بقروض ميسرة: الحل الأمثل للاختناقات المرورية
يواجه الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير أزمات متعاقبة ومنها أزمة البنزين والتي أصبحت مشكلة تؤرق الحكومة والمواطنين على حد سواء. ومن أحد أسباب هذه الأزمة زيادة الطلب المحلي على المنتجات البترولية بالتزامن مع ارتفاع الأسعار العالمية لها مما وضع عبء على الحكومة في توفير الكميات المطلوبة في السوق. وترجع الزيادة في الطلب إلى الزيادة السكانية بشكل متسارع وما صاحبها من زيادة في معدل حيازة السيارات تصل إلى 17 في المائة سنويا.
ومن أسباب الاعتماد على السيارات الخاصة للتنقل هو عدم كفاية وسائل النقل العامة حيث نجد أن طول خطوط المترو وعدد الاتوبيسات منخفض جدا مقارنة بالدول الأخرى فالقاهرة بها 4 كم من خطوط المترو لكل مليون مواطن في حين أن طول خطوط المترو تبلغ 20كم في بانكوك، 31 في سان باولو و150 في باريس. أيضا نجد نقص حاد في المتوفر من الأتوبيسات 300 حافلة لكل مليون مواطن في حين أن في بانكوك 1737 وسان باولو 1020 وباريس 1800.
ويترتب على الاعتماد على السيارات الخاصة مشكلة أخرى أكثر عمقا وهي أن شبكات الطرق لا يمكنها استيعاب هذا العدد المتزايد من السيارات حيث بلغت عدد رحلات النقل اليومية 20 مليون رحلة عبر وسائل النقل المختلفة بالقاهرة الكبرى. أدى هذا إلى الاختناقات والتكدسات المرورية التي نتعرض لها بشكل يومي. وتبلغ الخسائر الاقتصادية من جراء الاختناقات المرورية في القاهرة الكبرى 2 مليار جنيه سنويا وفقا لتقرير أصدره البنك الدولي. وتعزى هذه الخسائر إلى العلاقة العكسية بين تكلفة الاختناقات المرورية وانتاجية العمالة ومستوى التوظيف حيث أوضحت الدراسات أن خفض تكلفة الانتقال بنسبة 10 في المائة ستؤدي إلى زيادة الانتاجية بنسبة 1 إلى 2 في المائة وزيادة التوظيف (التشغيل) بنسبة 2.5 إلى 4.7 في المائة.
ومع استمرار ارتفاع معدل الزيادة السكانية وغياب توفير بدائل عن استخدام السيارات الخاصة، سينخفض متوسط سرعة الرحلة من 19 كم / ساعة إلى 11.6 كم / ساعة في عام 2022 مما سيعني اختناق كامل بكل الطرق الرئيسية بالقاهرة الكبرى. وستصل التكلفة الاقتصادية لهذا الاختناق إلى 7.5 مليار جنيه في السنة إذا لم يتم تطوير وسائل المواصلات العامة وبقي الحال على ما هو عليه.
سيبلغ عدد رحلات النقل اليومية 33،9 مليون رحلة وهو ما يتعذر معه تنفيذ الحركة المتوقعة بوسائل نقل سطحية ففي حالة عدم تنفيذ خط مترو الانفاق الثالث سيتطلب هذا العدد من الرحلات تشغيل حوالي 2000 أتوبيس إضافي وهو ما يستحيل تنفيذه نظرا لقدرة استيعاب شبكة الطرق الحالية. فوسائل النقل الجماعي بكافة أنواعها (عدا المترو) تستطيع أن تستوعب 25.2مليون رحلة يوميا لذا لابد أن تغطي خطوط مترو الأنفاق عدد 8.7 مليون رحلة يوميا.
ويوضح هذا أنه من أجل حل أزمة التكدس المروري وما يترتب عليها من خسائر اقتصادية ودعم مبالغ فيه، كان يجب البدء في تنفيذ الخط الثالث والرابع كبديل أرخص وأكثر كفاءة عن الاعتماد على السيارات الخاصة. فتقوم الحكومة الآن بإنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق والذي افتتحت المرحلة الأولى منه في أوائل العام الحالي في 21/2/2012 ويتبقى اتمام المراحل الثلاثة الأخرى لهذا الخط.
خطوط مترو الانفاق التي تم تنفيذها:
الخط الأول : حلوان/ المرج :
طول الخط :44كم
طاقته الاستيعابية: 2 مليون راكب / يوم
حجم النقل الحالي : 1،4 مليون راكب / يوم
تكلفة المشروع (بمتوسط أسعار توقيت التنفيذ) : 1،984 مليار جنيه مصري
التمويل الخارجي ( قروض ومنح) : 1،1 مليار جنيه
الخط الثاني : شبرا الخيمة – ضواحي الجيزة:
طول الخط :19كم
طاقته الاستيعابية: 960.1 مليون راكب / يوم
حجم النقل الحالي : 1 مليون راكب / يوم
تكلفة المشروع (بمتوسط أسعار توقيت التنفيذ) : 4.9 مليار جنيه مصري
التمويل الخارجي ( قروض ومنح) : 4.0 مليار جنيه
خطوط مترو الانفاق التي ما زالت تحت التنفيذ:
- الخط الثالث: تم افتتاح المرحلة الأولى منه – متبقي 3 مراحل أخرى ( مطار القاهرة – إمبابة)
طول الخط: 43،5 كم
الخط الرابع: تحت التنفيذ - مدينة نصر – العباسية – الهرم
طول الخط: 24 كم
الخط الخامس : تحت التنفيذ - مدينة نصر – العباسية – شبرا
طول الخط: 19 كم
الخط السادس: تحت التنفيذ – المعادي - شبرا
طول الخط: 20 كم
أما الخط الرابع فمن المتوقع البدء في تنفيذه في ديسمبر من العام الحالي ومن المفترض أن يتم الانتهاء من الخط في 2020. وترجع أهمية الخط الرابع لمترو الانفاق إلى أنه سيتقاطع مع الخطين الأول والثاني وبالتالي سيكون واحد من أهم وسائل النقل الجماعي بالقاهرة الكبرى. ومن المتوقع أن تخفض خطوط مترو الانفاق الجديدة وقت الانتقال من نقطة إلى أخرى وما يصاحبه من عائد اقتصادي كبير للمجتمع.
أما فيما يتعلق بالتمويل، فجزء من تكلفة المشروع سيتم تمويلها عن طريق الاقتراض الخارجي حيث تم الاتفاق في 19 مارس 2012 بين الحكومة المصرية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) على قرض المساعدة الائتمانية بدفعة أولى 390 مليون دولار للمرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق. وشروط هذا القرض تعتبر شروط ميسرة حيث تم على أساس شروط خاصة للشراكة الاقتصادية Special Terms for Economic Partnership وهذا بناء على طلب الحكومة المصرية. وتعتمد هذه الطريقة بالأساس على تقديم قروض انمائية بشروط ميسرة الشروط تتمثل في فترة سداد 40 عام منها 10 سنوات فترة سماح وسعر الفائدة فهو 0.2 في المائة سنويا. بالنسبة لشروط بلد المنشأ للسلع والخدمات المقدمة فما لا يقل عن 30% من المبلغ الإجمالي للقرض (باستثناء الخدمات الاستشارية) يجب أن يوجه لشراء سلع من اليابان أو تقديم خدمات من شركات يابانية وفقا لطبيعة المشروع.
كما يتضمن الاتفاق نقل التكنولوجيا من الشركات اليابانية إلى الشركات بالدول المقترضة (مصر في هذه الحالة). سيتمثل نقل التكنولوجيا في مجال إنشاء خط مترو وعمليات السكك الحديدية والصيانة، كما سيقوم فريق جايكا بتقديم وشرح آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا اليابانية في مجال السكك الحديدية وخاصة فيما يتعلق بأنظمة الأمان وسهولة الانتقال بين الخطوط المختلفة خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة والأجانب.
ولضمان نقل التكنولوجيا إلى الشركات المصرية يجب التأكد من مستوى الاستعداد التكنولوجي لهذه الشركات وقدرتها على استيعاب تكنولوجيا جديدة مما يستلزم قيام الحكومة بتحفيز الشركات على تبني التكنولوجيا الجديدة المقدمة من النظير الياباني مع توفير تدريب مكثف للعاملين بها. كما يجب توفير نظام فعال للإقراض المحلي للقطاع الخاص لمساعدته في الارتقاء بالمستوى التكنولوجي.