أمين "الفتوى": التزاحم بالطواف والجمرات "أذى عظيم".. ويجوز توكيل آخرين بأداء الفريضة
الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء
دعا الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، الحجاج إلى التيسير على أنفسهم، والأخذ بالفتاوى التى تساعدهم بديلاً عن الفتاوى المتشددة، كما طالبهم بعدم المزاحمة فى مناسك الحج حتى لا يترتب عليه أذى أعظم من أجر الفعل، قائلاً: «حفظ النفس من مقاصد الشريعة، والمحافظة على أرواح الحجيج من حولهم واجب شرعى، وعلى الجميع أن يعملوا على المحافظة على أنفسهم ومن حولهم، لعظم حرمتها».
"وسام": أدعو الحجاج إلى التيسير على أنفسهم والبعد عن الفتاوى المتشددة.. ويجوز الطواف من الطابق العلوى لمن يستطيع
وقدم «وسام» فى حواره لـ«الوطن»، عدداً من النصائح للحجاج والمعتمرين بعدم التزاحم فى الطواف، وعند تسلم الحجر الأسود، ورمى الجمرات خلال أيام التشريق، داعياً الضعفاء والمرضى من الرجال والنساء إلى التوكيل عنهم فى رمى الجمرات، لافتاً إلى الجواز الشرعى لما تقوم به بعض الهيئات والشركات من تسهيل استئجار بعض المقيمين بالديار المقدسة، وتوكيلهم فى الحجِّ عن العاجزين عن أداء الفريضة، ممن تتحقق فيهم شروط جواز الإنابة فى الحج، وإلى نص الحوار:
تبدأ المشكلات لدى الحجاج من الزحام فى الطواف الأول والسعى.. فكيف يمكن علاج الأمر؟
- الوصول إلى الحجر الأسود لتسلمه أو تقبيله هو أمر مُستحب شرعاً حال عدم وجود زحام، فإذا كثر الطائفون واشتد الزحام، بالأخص عند الحجر الأسود، فإننا فى هذه الحالة ندعو الحجاج إلى عدم مزاحمة بعضهم بعضاً لتقبيل أو تسلم الحجر الأسود، لأنه يترتب على ذلك أذى أعظم من أجر الفعل، وعلى الحاج اختيار الوقت المناسب للطواف حيث يخف الزحام، ويستطيع أداء العبادة على الوجه المطلوب، ويجوز الطواف من الطابق العلوى لمن يستطيع ذلك، والسعى مثل الطواف فى ذلك.
رمى جمرة العقبة وجمرات أيام التشريق بدءاً من منتصف الليل "جائز".. ويحق للمرضى تركُ المبيت بـ"مِنى"
رمى الجمرات يمثل مشقة لدى الحجاج.. فما الحل؟
- المشقة تجلب التيسير، ومعنى ذلك أنه ما دام هناك متسع فى وقت رمى الجمرات بناءً على خلاف الفقهاء فى هذه المسألة، فإننا ندعو حجاج بيت الله الحرام إلى رمى الجمرات فى أى وقت على مدار اليوم خلال أيام التشريق، ولا يشترط أن يكون الرمى بعد الزوال، تيسيراً على حجاج بيت الله الحرام، ومنعاً للزحام والتدافع، وحفظاً لأنفس الحجاج، فحفظ النفس من مقاصد الشرع العليا.
ويجوز شرعاً رمى جمرة العقبة وجمرات أيام التشريق بدءاً من منتصف الليل، ونصف الليل يُحسَب بقسمة ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الصادق على اثنين، وإضافة الناتج لبداية وقت غروب الشمس، لا بقسمة ما بين وقتَى العشاء والفجر، وإذا رمى الحاجُّ بعد نصف ليلة اليوم الثانى من أيام التشريق جاز له النفر من منى، ولا شىء عليه.
وللضعفاء والمرضى من الرجال والنساء من الحجاج تركُ المبيت بمنى، كما يجوز لهم أيضاً التوكيل عنهم فى رمى الجمرات، فالالتزام بالمبيت بمنى وإلزام الحاج به مع أعمال الحج الأخرى يزيد من إجهاده وضعفه، ويجعل الجسم فى أضعف حالاته، ولا شك فى أن أشد الناس تضرراً بذلك وضعفاً على احتماله هم النساء والمرضى والأطفال والضعفاء، فتؤكد دار الإفتاء أنه من الأنسب أن يأخذ هؤلاء بقول مَن رُخِّص لهم تركُ المبيت بمنى، خاصة أن المبيت ليس من أركان الحج عند جميع المذاهب المتبعة.
لماذا يغيب التيسير فى الفتوى على الحجاج؟
- فى هذه الأيام تزداد الحاجة إلى التيسير على الناس فى فتاوى الحج وأحكامه، ومن الحكمة مراعاة أحوال الناس فى أدائهم لمناسك الحج، بحيث نُجنب الحجيج ما قد يصيبهم من أمراض وأوبئة، حتى يعودوا إلى أهلهم سالمين، خاصة فى الأماكن التى يكثر فيها التجمع، والتى جعل الله فيها سعة لعباده.
بعض الحجاج يخشون الرخص ويحملون أنفسهم على الفتاوى المتشددة.. فما تعليقك؟
- على هؤلاء أن يعلموا أن المحافظة على أرواح الحجيج واجب شرعى وفرض عينى، وعلى الجميع أن يعملوا على المحافظة عليها لعظم حرمتها، لما رُوى عن سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه نَظَرَ إلى الكعبة ثم قال: «مَرحَباً بكَ مِن بَيتٍ، ما أَعظَمَكَ وأَعظَمَ حُرمَتَكَ، ولَلمؤمنُ أَعظَمُ عندَ اللهِ حُرمةً منكَ»، فالمحافظة على النفس من المقاصد العليا للشريعة، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد، فالمقرر فى قواعد الفقه أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وإذا كان هناك تعارض بين المصالح وُفِّق بينها، وإلا قدم أعلاها على حساب أدناها، وكما أن نفس المؤمن تتوق دائماً إلى أداء فريضة الحج، إلا أن الله جعل ذلك لمن استطاع إليه سبيلاً.
ما حكم توكيل الحجاج من الضعفاء والمرضى لغيرهم من الحجاج فى رمى الجمرات؟
- الإنابة أو توكيل شخص آخر فى الرمى للضعفاء والمرضى والنساء جائزة شرعاً، ودليل ذلك أنه تجوز الإنابة فى الحج نفسه، لذا فالإنابة أو توكيل شخص آخر فى الرمى جائزة من باب أولى، لأن الحج رمى جمرات وزيادة، وأن النيابة فى رمى الجمرات رخصة لأهل الأعذار من المرضى ونحوهم ممن توجد فيه العلة، ولذا فقد ذكر كثير من الفقهاء أموراً غير التى ورد بها النص إلحاقاً بهذه الفروع على الأصل، كمن خاف على نفسه أو ماله، أو كان يتعاهد مريضاً، أو ما ينبغى تهيئته للحجيج.
الحج عن الغير.. كيف تراه؟
- إذا كان المسلم غير قادر على أداء الحج بنفسه، فيجوز له أن يستأجر من يحج عنه، كما يجوز للمسلم القادر أن يحج عن أقاربه المتوفين أو المرضى العاجزين بدنياً عن الحجِّ بأنفسهم -ويسميه الفقهاء بـ«المعضوب»- إذا كان قد حجَّ عن نفسه، أو يُوَكِّل غيره فى الحج عنهم بأجرةٍ، أو تبرعاً من القائم به، وذلك عند جمهور الفقهاء، لما رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباسٍ رضى الله عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِى الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخاً كَبِيراً لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَل يَقْضِى عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَم».
ويتحقق العجز بالموت، أو بالحبس والمنع، والمرض الذى لا يرجى زواله المانع من الحج، والهرم الذى لا يقدر صاحبه على الاستمساك، وعدم أمن الطريق، إذا استمرت هذه الآفات إلى الموت.
وسواء فى ذلك أن يكون القائم بالحج عن المعضوب أو المتوفَّى مقيماً فى بلده -فيُنشئ سفر الحجِّ خِصِّيصَا من أجل ذلك- أو مقيماً فى أماكن المناسك -ما يقلل تكاليف الحج بالنسبة له-.
تحول الأمر إلى تجارة باسم «الحج عن الغير» تتزعمها هيئات ومؤسسات.. فما حكم ذلك؟
- ما تقوم به بعض الهيئات والشركات من تسهيل استئجار بعض المقيمين بالديار المقدسة وتوكيلهم فى الحجِّ عن العاجزين عن أداء الفريضة أو عن ذويهم ممن تتحقق فيهم شروط جواز الإنابة فى الحج، قصداً إلى تقليل التكاليف، هو أمرٌ جائزٌ شرعاً ما دام قد روعيت فيه الشروط الشرعية.
هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟
- المبيت بالمزدلفة واجب عند الجمهور، ويحصل الواجب بالبقاء بها ولو للحظة بعد منتصف الليل، لأن الحاج بذلك يكون قضى أكثر من نصف الليل بها، فيصدق عليه أنه بات بها، وإن كان المَسنون البقاء بها إلى أن يصلى الفجر، ثم يقف بالمشعر الحرام للدعاء حتى قبيل شروق الشمس، ثم يدفع إلى مِنى لرمى جمرة العقبة، وورد فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم رخَّص للضعفة وللنساء ولأصحاب الأعمال بالدفع بعد منتصف الليل، تخفيفاً عليهم، ورعايةً لخصوص أحوالهم، وفى معنى ذلك كل من يشق عليه الزحام، لما روى البخارى عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قال: «أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِى ضَعَفَةِ أَهْلِهِ».