مساعد وزير الداخلية لـ«المعلومات والتوثيق»: نحارب ميليشيات الإخوان «وكأننا نلعب شطرنج»
لم يعد الفضاء الإلكترونى مجرد سباحة فى الفراغ؛ لذلك فإن كلمات من قبيل «واقع افتراضى، فضاء إلكترونى، خيال» تحتاج إلى إعادة نظر؛ إذ لم تعد دقيقة بما يكفى لاحتواء ذلك الزخم المتنامى لتلك الظاهرة التى باتت واقعا موازيا، ومرعبا فى أحيان كثيرة، خصوصا بعد أن تحولت الإنترنت إلى مسرح مفتوح وغامض لبلطجية من نوع آخر، تتسرب الجرائم من خلاله إلى أوردة وشرايين الشبكة العنكبوتية لتصيب ضحاياها القابعين خلف الشاشات.
وفى كل الأحوال، تبقى الجريمة جريمة، حتى إن كانت إلكترونية، لم يعد الأمر مجرد ترف زائد لصبية ومراهقين، وإنما أصبحت الإنترنت منصة لجرائم مروعة على أرض الواقع، منها جرائم التسويق الشبكى والنصب الإلكترونى والاحتيال وغيرها، كالقرصنة الإلكترونية واختراق الشبكات وسرقة أرقام البطاقات الائتمانية والتجسس، وبث مواقع إباحية وازدراء الأديان وإطلاق الشائعات، وليس انتهاء بالتحريض على القتل والحرق والتدمير وبث فيديوهات للجرائم الإرهابية ومنفذيها. وتحولت شبكة الإنترنت مؤخراً إلى أداة جريمة فى أيدى البعض، خصوصاً من المنتمين لجماعة الإخوان، بعد ثورة 30 يونيو، يرفعون بها رايات الإرهاب فى وجه الدولة.[FirstQuote]
وزارة الداخلية، التى انتبهت لتلك الجرائم مبكراً، تتصدى لهذه النوعية من الجرائم من خلال الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق، وهى إدارة عمرها 31 سنة، ولا يتجاوز عمر إدارة البحث الجنائى بها 12 سنة.
ويقول اللواء صبرى سعد، مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق، فى حواره لـ«الوطن»: إن مكافحة الجرائم الإلكترونية أشبه بـ«لعبة شطرنج» بين ضباط الإدارة والمجرمين، تُستخدم فيها أساليب فنية وتقنية غاية فى التعقيد، وكلما تطورت الجرائم تطورت فى المقابل أساليب رصدها والتعامل معها، موضحاً أن الجريمة الإلكترونية فى مصر عمرها 7 سنوات على الأكثر، ثم تغير المنحنى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو وصارت على صلة بشكل أو بآخر بجرائم الإرهاب، سواء التحريض على القتل والحرق والعنف أو استهداف رجال الدولة.
■ فى البداية.. ما تعريف الجريمة الإلكترونية؟
- هى كل عمل إجرامى يضر بالغير من خلال شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وتعتبر جريمة سواء ارتُكبت من جهاز الحاسب الآلى أو بواسطته، وهى من الجرائم المستحدثة، وتختلف عن الجرائم التقليدية مثل القتل والنصب والسرقة بالإكراه فى كونها تستخدم وسائط وأدوات لا تستخدم فى الجرائم العادية أو التقليدية وتحتاج إلى أساليب أخرى فى التتبع وملاحقة الجانى؛ فهى لا تلتزم بزمان أو مكان معين؛ لأنها تستخدم شبكة دولية غير محدودة؛ لذلك من الممكن أن يكون المتهم فى بلد والضحية فى بلد آخر.
■ وما نوعية تلك الجرائم؟
- أشهرها: جرائم التسويق الشبكى، النصب الإلكترونى، الاحتيال وغيرها، كالقرصنة الإلكترونية واختراق الشبكات وسرقة أرقام البطاقات الائتمانية والتجسس الصناعى، وبث مواقع إباحية وازدراء الأديان وإطلاق الشائعات، انتهاءً بالتحريض على القتل والحرق والدعارة والاستغلال الجنسى للأطفال.
■ كيف تقوم الإدارة بمكافحة هذه الجرائم؟
- مع إنشاء الإدارة، اهتمت الوزارة بالاعتماد على ضباط مهندسين متخصصين فى الكمبيوتر حصلوا على دورات داخل البلاد وخارجها فى كيفية القيام بعمليات تتبع المجرم عبر مواقع الإنترنت، وهى عملية فنية وتقنية معقدة ويجرى تحديث وسائلها باستمرار ولا أستطيع أن أتحدث عن تفاصيلها علناً.
■ ما طبيعة عمل الإدارة إذن؟
- مهمتنا مكافحة الجريمة الإلكترونية، وتبدأ مهمة العمل من تلقى بلاغات المواطنين أو من خلال عمليات الرصد التى يقوم بها الضباط للمواقع المخالفة والتحقيق فيها لحين تحديد المتهم؛ فهناك مليارات الصفحات على شبكة الإنترنت وملايين المواقع، ولا يمكن لأى إدارة فى العالم متابعة وتتبع هذه المواقع جميعها إلا إذا تم الإبلاغ عن موقع معين، يقوم ببث شائعات أو يخرج عن الآداب العامة أو يمارس النصب والاحتيال أو أى جريمة أخرى، لكن فى النهاية نحن نتعامل مع واقع غير ملموس ونحوله إلى شىء ملموس، وعندما نتوصل إلى المتهم فإننا نلقى القبض عليه وفقا للإجراءات القانونية المتبعة ونطبع المخالفات لتكون شيئا ماديا، سواء كانت منشورات أو صورا أو تحريضا على العنف أو القتل، وعندما يحال المتهم للمحاكمة يكون ضباط الإدارة من شهود الإثبات. [SecondQuote]
■ وكيف تتلقون البلاغات؟
- نتلقى البلاغات من خلال حضور المواطنين بأنفسهم أو وكلائهم إلى مقر الإدارة والإبلاغ رسمياً أو من خلال الاتصال على رقم 108 عن أى مخالفات على الإنترنت أو على موقع الوزارة (www.moiegypt.gov.eg).
■ متى تأسست الإدارة؟
- تم إنشاء الإدارة عام 1982، وتم إنشاء إدارة البحث الجنائى عام 2002، أى منذ 12 سنة مع دخول الإنترنت إلى مصر وبدء انتشارها وزيادة عدد مستخدميها، وتنقسم الإدارة إلى 3 إدارات فرعية، هى إدارة البحث الجنائى، التى يقودها اللواء محمد أبوزيد والعميد محمد عبدالواحد وكيل الإدارة لملاحقة بلطجية الإنترنت وتسجيلهم جنائيا، ومعهد النظم والمعلومات الخاص بالتدريب وإدارة الشبكات.
■ ومتى بدأ انتشار الجريمة الإلكترونية فى مصر؟
- منذ عام 2007 تقريبا بعد الاستخدام المتزايد للإنترنت.
■ هل يمكن القول إن الجريمة الإلكترونية تلقى رواجا فى مصر؟
- هذه النوعية من الجرائم منتشرة وفى تزايد مستمر، والغريب أن معظم المتورطين فيها من الفئة الأكثر استخداما للإنترنت فى مصر، وهى الفئة العمرية التى تتراوح بين 10 و25 سنة، وتلك الجرائم طالت كل فئات المجتمع، منهم أساتذة الجامعة والأطباء والمهندسون، وكذلك عمليات السطو على البريد الإلكترونى للخصوم من خلال برامج، خاصة أن هناك أيضاً قضايا الاحتيال المصرفى التى تتمثل فى سرقة بيانات البطاقات الائتمانية، وذلك يتم من خلال قراصنة الإنترنت.
■ وما سبب ذلك؟
- السبب عدم إدراك الشباب خطورة أفعالهم غير المشروعة وجهلهم بوجود قوانين خاصة تجرم تلك الأفعال، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى أدت إلى تأخر سن الزواج وزيادة ظاهرة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج وشيوع استخدام البرامج الخاصة التى تحمل فيروسات ذكية، تحدث عمليات اختراق لأجهزة الكمبيوتر، لذلك فإن إدارة المعلومات والتوثيق فى الداخلية مهمتها تعقب مرتكبى هذه الجرائم أو أى نوع من الاستخدام غير الآمن لشبكة الإنترنت، وأدعو مستخدمى الحاسب الآلى والإنترنت إلى عدم استخدام البرامج المقلدة أو فتح رسائل مجهولة المصدر أو التردد على المواقع الإباحية وغرف الدردشة المشبوهة على الشبكة الدولية.[SecondImage]
■ وما أهم الجرائم التى قامت الإدارة بالكشف عنها؟ وهل تقتصر مهمة الإدارة على المواقع المصرية فقط؟
- هناك بالطبع جرائم الخروج عن الآداب العامة، مثل إنشاء موقع يقوم المتهم من خلاله بنشر صورة لفتاة على جسد عارٍ مع اسمها وهاتفها، مما يسىء إلى سمعتها، وعندما تتلقى الفتاة هواتف وتعلم بأمر هذا الموقع تبلغ الإدارة فيتم تتبع الموقع حتى يتم الوصول إلى المتهم الذى أنشأ الموقع، ولا تقتصر مهام الإدارة على المواقع المصرية فقط، لأننا نحقق فى البلاغات التى تصل إلينا سواء من مصريين أو أجانب.
■ ما التشريع الذى يحكم مثل هذه القضايا والعقوبات المحددة لها؟ وهل هى كافية؟
- جميع الجرائم يمكن تطبيق القانون الجنائى عليها، فمعظم الجرائم مثل السرقة والنصب والاحتيال والآداب العامة تتم معاملتها مثل الجرائم التقليدية، باعتبار أن أركانها منصوص عليها فى القانون المصرى للإجراءات الجنائية، كما أننا ننسق مع النيابة العامة للاستئذان فى ضبط المتهم والأجهزة المستخدمة فى الجريمة، وتقوم النيابة بالتحقيق معه، ويتم تقديمه للمحاكمة، وتقوم المحكمة بإقرار عقوبات وفقا للمنصوص عليه فى القانون لكل جريمة، وتقرير مدى الضرر الذى أحدثه المتهم فى حق المجنى عليه، بل قد تتشدد المحكمة فى إقرار أقصى عقوبة، لأن وسيلة الجانى فى إلحاق الضرر بالمجنى عليه وسيلة عالمية كالإنترنت، وهى وسيلة اتصال مفتوحة لجميع شعوب العالم.
■ وهل التشريعات الموجود كافية؟
- لدينا حاليا مشروع قانون لتعديل تلك التشريعات فى محاولة لردع الجريمة الإلكترونية والسيطرة عليها، بالتنسيق بين وزارتى الداخلية والاتصالات، لتحديد وتصنيف الجرائم ووضعها فى إطارها، ويحتوى على تغليظ العقوبات لتحقيق الردع.
■ هناك مواقع وصفحات انتشرت مؤخرا تحرض على العنف وقتل رجال الدولة؟
- فى البداية كان استخدام الإنترنت بهدف جمع المعلومات والتعارف بين المواطنين فى جميع دول العالم، ثم زاد التقارب من خلال مواقع الـ«فيس بوك وتويتر» وغيرهما لتبادل الآراء ولأغراض أخرى معرفية، لكن بدأ البعض يستغل تلك الوسائل فى ارتكاب الجرائم المختلفة، مثل السب والقذف والتشهير ونشر الصور المفبركة وتركيب صور لإناث والدعارة والاستغلال الجنسى للأطفال، بالإضافة إلى جرائم الاختراقات وهى الدخول بطريقة غير مشروعة على حسابات المؤسسات والحسابات الشخصية وبطاقات الفيزا كارد، ثم تطور الأمر إلى عدم الالتزام بحرية التعبير عن الرأى، وهو طبعا حق تكفله القوانين والدساتير لكن تمت مخالفة ذلك، وقام منتمون لجماعة الإخوان مؤخرا وبعد 30 يونيو بتحويل تلك الصفحات إلى وكر لارتكاب جرائم القتل والتحريض على رجال الدولة والإرهاب وحرق وتخريب ممتلكات الدولة وطرق تصنيع القنابل والمتفجرات وتجارة الأسلحة النارية والبيضاء، وأنا لا أستطيع الحديث عن مثل هذه الجماعات لأن هناك جهات أمنية عليا تتابع مثل هذه الأنشطة، أما فيما يتعلق بحرية الأشخاص فالحرية مشروطة بعدم الإضرار بالمصالح القومية والمصالح الوطنية أو الإضرار بالأفراد بشكل متعمد.
■ كم متهما تم القبض عليهم بتهمة التحريض على العنف مؤخرا؟
- ما يقرب من 39 متهما حتى الآن، وجميعهم من المنتمين لجماعة الإخوان، وهم من مسئولى صفحات التحريض.
■ هل يتم استخدام مواقع التواصل الاجتماعى أو شبكة الإنترنت بشكل عام لأهداف أخرى خطرة لكنها غير مجرمة؟
- أريد توضيح شىء مهم جدا، وهو رسالة لمستخدمى الإنترنت «احذروا أى ضغطة عن جهل على أى زر أثناء تصفح الإنترنت، فقد تكون بابا إلى ما لا تحمد عقباه»، كما أود توضيح نقطة مهمة أيضاً، وهى أن المنتمين للإخوان، على صفحاتهم مثلا، يستعينون ببرامج لزيادة أعداد المشاركات والإعجاب لخداع المتصفحين واستقطابهم للدخول على صفحاتهم والترويج لأفكارهم.[ThirdQuote]
■ هناك نوعية من الجرائم الإلكترونية التى تختص بها الحسابات وشبكات المعلومات ولا تحدث مثلها فى الجرائم العادية، مثل جريمة الاختراق والقرصنة والتلصص.. ما موقف الإدارة من هذه الجرائم؟
- هناك مشكلة فيما يتعلق بالاختراق، حيث لا يجرم القانون المصرى من استطاع اختراق شبكة معلومات إلا عندما يقوم بإحداث ضرر فى هذه الشبكة، وطالما لم يحدث تغيير أو نقل ملفات خلال هذا الاختراق واطلع الشخص الذى اخترق الشبكة فقط على المعلومات فلا يوجد حتى الآن فى القانون المصرى ما يجرم هذا الفعل الإجرامى.
■ هناك شبكات حكومية مثل شبكة وزارة الداخلية وشبكة مصلحة الأحوال المدنية، هل هى محمية بشكل كافٍ؟
- نحن نتخذ أقصى درجات الحماية لمثل هذه الشبكات، من خلال ما يسمى بـ«حوائط النار»، وهى برامج مهمتها التصدى لمحاولات الاختراق، وهناك برامج وطرق أحدث نستخدمها لحماية البيانات والشبكات الداخلية، والقانون حرم محاولة الاختراق للشبكات الخاصة بالحكومة إلى حد وصل بها إلى عقوبة الأشغال الشاقة فى حالة اختراق البيانات الخاصة بمصلحة الأحوال المدنية، باعتبار أن القانون ينص على أن صاحب الشهادة هو الوحيد المخول له الاطلاع على البيانات الشخصية لشهادات الميلاد ووثائق الزواج وغيرهما، وجرَّم اطلاع الغير عليها، وجميع القوانين فى الدول الأجنبية تجرم هذا الاطلاع على أساس أنه من الخصوصيات المحمية تحت مظلة القانون.
■ هل تعرضت شبكة وزارة الداخلية من قبل لمحاولات اختراق؟
- لم يحدث، لكن تعرضنا لمحاولات تسمى «حجب البيانات»، بمعنى سحب طاقة الشبكة المتاحة من خلال أجهزة أخرى، فتُحجب البيانات عن الوصول إلى المستخدم.
■ بخصوص الفيديوهات التى تبثها الجماعات الإرهابية لعمليات التخريب، هل توصلتم إلى المتهمين من خلالها؟
- ما زالت أعمال البحث والتعقب جارية بالتنسيق مع جهات سيادية، وهناك متهمون تم ضبطهم لكن لم يتم الإعلان عنهم لدواعٍ أمنية.
■ هناك جرائم عابرة للحدود مثل جريمة غسل الأموال، هل هناك تعاون عربى فى مكافحة مثل هذه الجرائم؟
- فى جريمة غسل الأموال عادة ما يتم نقل الأموال من دولة إلى دولة ثانية إلى ثالثة إلى رابعة، حتى يتم تغيير النشاط وغسل الأموال فى الدولة الأخيرة، ولم تواجه مصر سوى قضية واحدة تم التنسيق فيها مع مباحث الأموال العامة فى مصر. أما بالنسبة للتعاون العربى، فلا توجد إدارات مشابهة فى الدول العربية أو الشرق الأوسط، لكننا جميعاً نتعاون فى الإطار الذى تضعه الأمم المتحدة لمكافحة جرائم الكمبيوتر، وندرس تحت مظلة الأمم المتحدة توسيع مجال التعاون مع جميع الدول. كما أن هناك تنسيقاً عربياً على مستوى جيد، وفى مجال التوعية بمخاطر استخدام الإنترنت وتوعية النشء بكيفية انتقاء المواقع والتعامل معها، وكيفية حماية الأجهزة من هجوم الفيروسات.
■ كيف تصف معركة الإدارة مع ميليشيات الإرهاب على الإنترنت؟
- هى معركة شرسة لكن «مفيش حاجة صعبة». وفى النهاية الأمن هو مسئوليتنا، فقد حملنا على عاتقنا حماية المواطن من كل أشكال العنف والتخريب مهما حملنا ذلك من تضحيات.
■ سمعنا عن سعى الإدارة حالياً إلى تحديث قاعدة بيانات المواطنين، ما تعليقك؟
- بالفعل، نعمل حالياً على تطوير قاعدة بيانات المواطنين حتى نسهل حصول المواطن على الخدمات التى يسعى إليها، وعلى سبيل المثال نسعى إلى تطوير بطاقات الرقم القومى وتحميل كافة بيانات المواطن على هذا الرقم، وتشمل كافة البيانات الشخصية والخدمية، بما فى ذلك ممتلكاته وحساباته بالإضافة إلى صفاته الجينية أو الوراثية الـ«دى إن إيه».