رحلة التعليم.. من "كتاتيب" القرون الوسطى إلى المدارس والكليات الإكليريكية
التعليم أحد أركان العمل الكنسى
مر التعليم الكنسى بتطورات عدة على مدار تاريخ المسيحية ليتناسب مع متطلبات العصر، وكجزء من المجتمع تأثر المسيحيون بطبيعة البيئة حولهم، ففى القرون الوسطى أنشأوا الكتاتيب إلى جوار الكنائس لتعليم النشء القراءة والكتابة ومبادئ الحساب بجانب تحفيظ المزامير والألحان لتظهر الكلية الإكليريكية ومدارس الرهبان، حتى وصلنا للشكل الحالى لانفتاح العلمانيين على الدراسة الكنسية بتأسيس مدارس الأحد.
راعى كنيسة العذراء بالزيتون: العلوم واحدة وطريقة التقديم تطورت
يقول القس باسيليوس صبحى، راعى كنيسة السيدة العذراء للأقباط الأرثوذكس بمنطقة الزيتون بالقاهرة، وأستاذ التاريخ بالكلية الإكليريكية والمعاهد اللاهوتية، إن المسيحيين لم يكونوا بمعزل عن المجتمع فبدأ التعليم فى القرون الوسطى باللجوء لـ«الكتاتيب» التى كانت ملجأ المصريين الأول للتعلم، حيث كان لكل مؤسسة دينية كُتاب يرتبط بوجود الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية، وكان لكل طائفة دينية «كُتاب» يدرس فيه رجل دين أو علمانى يطلق عليه «العريف» الذى عادة ما يكون مرتل الكنيسة، وهو ما يعرف الآن بـ«المعلم» الذى يقود ألحان الشمامسة فى القداس.
وشرح «باسيليوس»، لـ«الوطن» تطور هذا المصطلح بقوله: «قديماً كان يطلق عليه (العريف) وتأتى اللفظة من المعرفة بلغة العصور الوسطى، والآن أصبحنا نطلق عليه (معلم) فهو يعلم الشمامسة الألحان ويكون مرتل الكنيسة»، مضيفاً أن الأطفال كانوا يتلقون تعليمهم من الكتاتيب فكانوا يتعلمون القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، وإن كان الكتاب تابعاً للكنيسة كانوا يحفظون المزامير وألحان الكنيسة وتراثها، وكانت فصول الكتاتيب تختلف من قرية لقرية ومن مؤسسة لمؤسسة، وكان كل عريف أو رجل دين يجتهد حسب معرفته ومقدرته، مشيراً إلى أن الكُتاب كان لا يقتصر على المسيحيين فقط، ضارباً مثلاً بالزعيم أحمد عرابى الذى تعلم فى كُتاب مسيحى على يد المعلم ميخائيل غطاس.
وتابع أستاذ تاريخ الطقوس القبطية بالكليات الإكليريكية والمعاهد اللاهوتية، أنه مع تطور العصر أصبحنا فى حاجة لنوع آخر من التعليم يكون أكثر دقة وأكثر توسعاً، وفى منتصف القرن الـ19 تطور الأمر أكثر وبدأ يكون التعليم على يد رجال الدين، حيث اهتم البابا كيرلس الرابع الذى أطلق عليه فيما بعد «أبو الإصلاح» لاهتمامه بالتعليم والمعرفة، بجمع رجال الدين فى كل يوم سبت والمعلمين للتدريس، وبعد نياحته، دخل مشروعه حيز التنفيذ المؤسسى حيث تأسست الإكليريكية للمرة الأولى فى عهد البابا كيرلس الخامس فى 29 نوفمبر 1893 وهى الكلية الباقية حتى الآن.
وأضاف «باسيليوس»، أنه انطلاقاً من تأسيس الإكليريكية بدأ يكون التعليم على نسقين الأول نسق لتعليم الرهبان والثانى للخدام الذين يخدمون بمدارس الرعية، وتطورت مدارس الرهبان وتفرعت حتى أصبحت مصر تضم نحو 5 أو 6 مدارس وكانت تفتح أبوابها لتعليم الرهبان ورسم منها العديد من المطارنة، فكان العدد الأكبر من المطارنة من خريجى هذه المدارس لكنها انتهت فى حقبة الستينات.
وأوضح أنه مع بدايات القرن التاسع عشر جاء دور تدريس العلمانيين، وهنا ظهرت مدارس الأحد، لأن الفكرة كانت تداعب عقول مجموعة من الشباب فى الكنيسة منهم سلامة منصور وحبيب جرجس، واختمرت حتى تحققت على أرض الواقع فى 1918، وبعد نياحة القمص سلامة منصور تسلم الأرشيدياكون حبيب جرجس اللواء وتمسك بتنفيذ الفكرة حتى تأسست مدارس الأحد التى كانت بمثابة نقطة تحول من التعليم الرهبانى إلى التعليم العلمانى.
الكنيسة لم تقف مكتوفة الأيدى أمام الحداثة
وأكد «باسيليوس»، أن الفرق كبير بين التعليم البدائى والتعليم الحالى، حيث أصبح أكثر مواكبة للمجتمع فى العصر الحديث بداية من عصر محمد على باشا وإدخاله المدارس المتنوعة إلى مصر حتى الآن، حيث دخل التعليم الدينى طور الحداثة ليقدم بعمق وطريقة علمية، مشدداً على أن العلوم واحدة لكن طريقة التقديم أصبحت أكثر تطوراً لأنه أمام كل هذه الحداثة كان لا يمكن للكنيسة أن تقف مكتوفة الأيدى وبالفعل بدأت الكنيسة فى تطوير طرق التعليم.
راعى الكنيسة: ما زلنا نحصد ثمار الإصلاح على مدار قرن
وأوضح أن الكنيسة لا تزال تحصد ثمر الإصلاح على مدار قرن من الزمان، حيث تخرج من الكليات الإكليريكية أساتذة وأساقفة وبابوات أثروا المسيحية فى مصر والعالم، مشيراً إلى أن البابا كيرلس والبابا يوساب، وغيرهم من البابوات هم من خريجى الكلية الإكليريكية، ومعهم القمص يوحنا سلامة الذى أدخل التعليم للسودان حين ذهب لخدمة الجالية المصرية فى السودان، فأسس مدرسة هناك، والقس حافظ داود الذى أسس مدرسة اللاهوت فى أديس أبابا.