بين شوارع القاهرة، وفي دور رعاية الأيتام، يتجوَّل حاملا كاميرته، بعينين حائرتين تبحثان عن أطفال يتجاهلهم جميع المارة ويتحاشون النظر إليهم، فتجذب ثيابهم البالية وملامحهم الحادة، عدسته، ليوثقها وينشر صور الأطفال مصحوبة بسطور عن مكان وجودهم وتاريخ اختفائهم، طمعا في أن تكون صوره "صاحب الفضل" في إعادة البهجة لمنازل غادرتها البهجة بعد فقدان أحد الأبناء، وكلّت أقدام أصحابها لكثرة البحث عن فقيدهم.
مسؤولية تولاها قبل 12 سنة، عندما بدأ العمل في المجلس القومي للطفولة والأمومة، وكان مسؤولا عن إيداع الأطفال المفقودين في دور الرعاية بعد تسلمهم من أقسام الشرطة بقرار رسمي من النيابة، لتنتهي رحلته في كل مرة على أعتاب الدار، ولكنه أراد قبل عشر سنوات أن يستغل هذه الزيارات الخاطفة لإنشاء علاقة جيدة مع أطفال دور الرعاية التي يتردد عليها، لعلّ هذه العلاقة تكون وسيلته لمساعدة المفقودين منهم للعودة إلى أهلهم.
يحاول أن ينشئ علاقة ودية مع كل طفل، حسب طبيعته، فيتجاذب، أطراف الحديث مع أطفال اتخذوا من الشارع مسكنا دائما لهم، ويعدهم بتكرار الزيارة، فينتظرون عودته محملا بطلباتهم، ليصل بهم إلى مرحلة من الصداقة وتوفير الثقة، لكثرة تردده عليهم، فيمكنه سماع قصصهم والحقائق التي يحاولون تخبئتها وراء قناع التسول أو الجريمة، إلى أن يخبره أحدهم بتاريخ آخر ذكرى جمعته بأسرته أو من أين جاء قبل النزول إلى الشارع.
يروي "أشرف"، لـ"الوطن"، أنه منذ بدأ مساعدة هؤلاء الأطفال وهو يبحث عن قاعدة بيانات بأعدادهم، كما أن دور الرعاية الحكومية لا تقوم بعمل نشرات في الصحف ببيانات الأطفال الموجودين في كل دار ويرجح أن يكونوا مفقودين، غياب قاعدة بيانات كانت "خيبة أمل" لأشرف، على حد وصفه، إلا أنه سرعان ما حولها لعقبة يمكن تخطيها من خلال توثيق قصص المفقودين بصورة أو مقطع فيديو ورفعها على صفحته موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والصفحات العالمية الكبرى للبحث عن المفقودين لاستغلال إمكانية وصولها لفئة كبيرة من الناس.
"فرحة رجوع أول طفل"، كانت دافع أشرف أن يستمر في البحث عن المفقودين، بشكل مجاني، فيسافر، أحيانا، لتصوير أحد الأطفال وسماع قصته، ويحاول إقناع إحدى الدور أن استخدامه للكاميرا سلمي لا يقصد من خلاله إحداث أي مشكلة، فيذكر جيدا تصوير طفل بإحدى دور الرعاية بالمعادي، في منشور على "فيسبوك" أرفقه برقمه ليتلق بعد أيام اتصالا من أسرة بمحافظة المنيا تخبره بأن الطفل ابنهم الذي تغيب قبل ثماني سنوات، ليعايش أشرف فرحة يصفها بـ"أكسير الاستمرار".
يحلم صاحب الـ37 عاما بأن تصبح كاميرته وصفحته انطلاقة لتأسيس قاعدة بيانات تحمي أطفال مصر من الفقدان وتعوض كل طفل فُقد عن لحظات الحرمان.
تعليقات الفيسبوك