أصحاب مبادرة تنظيف مقابر "أبو صير": تحصنا بالوضوء والقرآن
تطهير مقابر أبو صير من الأعمال
في محاولة لتخفيف الأعباء عن أهالي قرية أبو صير التابعة لمركز البدرشين، والتقليل من الخلافات أسرية، ومحاولات انتحار شباب، وشكاوى بعض الأسر من «وقف حال بناتهم»، بادر بعض الشبابا بحملة لتطهير المقابر من الأعمال والسخر والشعوذة المدفونة فيها.
بث "تنظيف المقابر" على "فيس بوك" وإفساد "الأعمال" بـ"تلاوة المعوذتين وآيات قرآنية" ورش "ماء ورد وشبة وماء بملح"
كان «غنيم» وزملاؤه أثناء عملهم يبثون فيديو مباشراً لما يعثرون عليه من أحجبة، على صفحة «الفيس بوك» الخاصة بالقرية، ليفاجأ بوجود تفاعل كبير من الأهالى، ورغبة بعضهم فى المشاركة معه، ما دفعه إلى تأسيس حملة ودعوتهم إلى تنظيف المقابر من «الأسحار» التى تلجأ إليها بعض سيدات القرية اعتقاداً منهن أنها السبيل الوحيد لحل مشكلاتهن: «كنت مبسوط من رد فعل الناس، ومن وقتها بدأنا نتجمع ونطلع كلنا كل جمعة ننضف المقابر من الأعمال اللى فيها».
"غنيم": التطهير لم يلق استحسان الأهالى فى البداية.. والبعض كان خائفاً من الجن
يقطع حديث «غنيم» نداء أحد الشباب عليه: «تعالى لقينا لبس مقطع مدفون جوه مقبرة»، لينتفض «غنيم» من مكانه، مسرعاً نحو الشباب الذين التفوا حول ما وجدوه، قائلاً لهم بصوت عال: «محدش يلمس حاجة»، ثم أخرج من جيبه «جوانتى» ليرتديه فى يديه وبدأ فى فحص ما عثروا عليه، ليكتشف أنها ملابس داخلية ممزقة لفتاة من بنات القرية مكتوب عليها باللون الأحمر طلاسم غير مفهومة هدفها الإبعاد بينها وبين زوجها، ما تسبب فى غضب واستياء الحاضرين، مرددين بنبرات حزينة: «حسبى الله ونعم الوكيل فى كل اللى بيحاول يؤذى الناس»، ثم عادوا مرة أخرى إلى عملهم.
لم تكن الحملة مقتصرة على رجال القرية وحدهم، وإنما حرص بعض الأطفال على الوجود مع أسرهم إما للعب وسط الجبال أو لتقديم المساعدات لهم، كما فعل «محمد» الذى كان يجوب بين طرقات المقابر، حاملاً فوق ظهره «كولمان» صغيراً، وفى يديه أكواب بلاستيكية، ليروى ظمأهم، دون أن يبالى بدرجات الحرارة المرتفعة، ومعه شقيقه الأصغر الذى لا يتعدى عمره الـ7 سنوات، يناديان بصوت مرتفع: «يلا اللى عايز يبل ريقه.. ميه ساقعة يا شباب»، حيث كان الطفل الصغير الذى يدرس بالمرحلة الابتدائية يرغب فى المشاركة فى الحملة منذ بدء تنفيذها، لكن بسبب صغر سنه رفض والده ذلك، وفقاً لكلامه: «كان نفسى أحفر معاهم وأخلص بلدنا من الشر اللى فيها، لكن أبويا قال لى انت لسه صغير وممكن تتأذى، فبقيت أخلى أمى تسقع ميه وآخدها لأعضاء الحملة يشربوا منها عشان أخفف عنهم».
وعلى بعد خطوات من أحد المدافن، وقف الشيخ «صابر»، معالج بالقرآن الكريم، ومن أهالى القرية مرتدياً عباءته البيضاء، يشرف على الخطوات التى يتبعها الشباب أثناء بحثهم عن الأحجبة و«الأتر» المدفونة، ويقدم لهم بعض النصائح من وقت لآخر، خوفاً أن يمسهم أى ضرر فيما بعد، يقول إن أغلب الأعمال الترابية تدفن على يمين المقبرة، إذ يقوم صاحب العمل بحفر بقعة صغيرة لا يتعدى عمقها 30 سنتيمتراً، ودفن الحجاب فيها ثم ردمها مرة أخرى، اعتقاداً منه أنها ستصبح بذلك أشد وأقوى تأثيراً، وفقاً لكلامه: «اللى بيعمل الأعمال دى معتقداتهم الدينية بتكون ضعيفة، فيلجأوا للدجالين لحل مشكلاتهم، أو ليلحقوا الأذى بغيرهم، وبييجوا هنا فى المقابر ويدفونها لأنها بتكون بعيدة عن أعين الناس ويصعب فكها».
«خلى بالك ما تمسكش الأحجبة فى إيدك.. اللى تطلعه حطه على طول فى الشنطة».. جملة وجهها «صابر» لأحد شباب القرية، بعدما مد يده إلى إحدى المقابر، فأخرج منها نحو 5 أعمال سحرية، من بينها عمل مدفون داخل عظام لأحد الموتى، مبرراً ذلك بأن: «الأعمال المفروض ما تلمسش اليد لمدة طويلة لأنها لو عرقت فى إيده ممكن يتأذى»، يصمت «صابر» ثوانى قبل أن يعود بالزمان إلى الخلف، متذكراً دوره فى علاج بعض الحالات التى كانت تأتى إليه بعدما ضاقت الدنيا عليهم دون أسباب واضحة، ليتلو عليهم بعض الآيات القرانية ويحصنهم بالرقية الشرعية، بجانب إعطائهم بعض النصائح التى تساعدهم على عودة حياتهم كما كانت من قبل: «عشان أبطل أى سحر لازم أعرف هو معمول إزاى، ولو ما وصلتش للعمل نفسه وأبطلته، بكتفى بالرقية الشرعية للمسحور، وبكتب له آيات يواظب عليها يومياً لحد ما حياته ترجع مستقرة».
أعمال عديدة عثر عليها «صابر» وشباب القرية خلال رحلة بحثهم، تعددت أغراضها وأنواعها، فمنها ما كان سحراً عادياً لجلب الحبيب أو لتعجيل زواج، ومنها أسحار سفلية أو «سحر أسود» كما يسمونه، الذى يعد أخطر أنواع السحر وأكثرها ضرراً، على حد قول «صابر»، حيث يقوم الدجال بأمر صاحب العمل بإحضار شىء من رائحة الشخص المراد سحره، مثل جزء من شعره أو أظافره أو قطعة من ملابسه، وبعد أن يُحضرها يقرأ عليها تعويذات لاستحضار جان يحدد له طابع المسحور، ثم يختار بعد ذلك مادة السحر سواء «الأتر» نفسه أو قطعة قماش عادية، ليكتب عليها بعض الطلاسم التى تساعده فى تسخير الجن لخدمته، فكلما كان «الساحر» متشدداً فى «كفره» وضلاله كان العمل أكثر تأثيراً: «الساحر قبل ما يبدأ فى تحضير العمل بيقيس طباع الشخص، من خلال اسمه واسم والدته، فكل حرف ليه رقم عنده بيجمعه وفى الآخر بيحدد طابع الشخص، ولو ترابى بيدفنه فى المقابر زى ما بيعملوا كده».
الوضوء وقراءة القرآن الكريم، هما السلاحان اللذان احتمى بهما شباب القرية أثناء إفسادهم الأعمال السحرية التى جمعوها طيلة يومهم، فقبل غروب الشمس بدقائق قليلة، جلس «صابر» ومن حوله أهالى القرية، ممسكاً فى يديه «جردلين» استعارهما من إحدى السيدات التى تسكن بالقرب من المقابر، خصص أحدهما للأعمال العادية، وآخر للسفلية التى يحتاج إفسادها «ماء ورد وشبة وماء بملح»، وبعدما انتهى من تلاوة المعوذتين وبعض الآيات القرآنية التى تبطل السحر، ارتدى صابر «جوانتى» وبدأ فى تفريغ الحقيبة التى كان بها نحو 35 عملاً عثروا عليها خلال رحلة بحثهم. «يا شباب ما حدش يفتح حاجة وابعدوا الأطفال».. كلمات رددها «صابر» كثيراً لأهالى القرية الذين كانوا يبثون فيديو مباشراً على صفحاتهم الخاصة، ثم بدأ فى فك كل عمل على حدة، وقراءة ما به بصوت عال ليحصن أصحابها أنفسهم، فكان العمل الأول الذى فتحه «صابر» مكتوباً على «قميص نوم» لزوجة من أهالى القرية، بهدف التفريق بينها وبين زوجها، وآخر فعله أحد أبناء القرية لنفسه لجذب الفتيات له وإيقاعهن فى حبه، بحسب ما رواه صابر، الذى أكد أنها المرة الثالثة التى يجد فيها العمل نفسه، وثالثاً كان الغرض منه إصابة إحدى سيدات القرية بالعقم، مدون به تاريخ تجهيزه، الذى يشير إلى حداثته، وغيرها من الأعمال التى عثروا عليها، ليوصى «صابر» قبل أن يلقى ما جمعه فى مياه الترعة بتحصين الأهالى لأنفسهم ولأبنائهم حتى لا تؤثر فيهم أفعال الشياطين التى كثرت مؤخراً فى قريتهم، على حد تعبيره.