الدولة والأقباط.. 6 سنوات من الإنصاف لمعالجة أخطاء الماضى
كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة تفتح أبوابها للمصلين
خلال 6 سنوات، سعت الدولة المصرية، لإنصاف الأقباط، كما لم تفعل كافة الأنظمة السياسية طوال العقود الماضية، وسعت الدولة جاهدة لمعالجة كافة القضايا القبطية المزمنة، مثل «بناء الكنائس، والفتنة الطائفية، وقضايا الطلاق والزواج الثانى».
ففى ملف بناء الكنائس، عملت الدولة على معالجة آثار التدمير والتخريب الذى سببه الإخوان وأنصارهم أثناء اعتدائهم على عشرات الكنائس والمنشآت المسيحية عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة فى 14 أغسطس 2013، وتكفلت القوات المسلحة بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى بترميم وإعادة بناء ما دمر، وهو ما نفذ على أكمل وجه على ثلاث مراحل شملت إعادة إعمار 24 موقعاً بواقع 34 كنيسة ومنشأة كنسية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية، و18 كنيسة ومنشأة كنسية تابعة للكنيسة الكاثوليكية، و16 موقعاً لـ16 كنيسة ومنشأة كنسية تابعة للكنائس البروتستانت، بإجمالى 68 كنيسة ومنشأة كنسية، وذلك بتكلفة 170 مليون جنيه مصرى.
تقنين 1109 كنائس فى 23 محافظة.. وبناء 13 كنيسة فى مدن الجيل الرابع بينها أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط بالعاصمة الإدارية
ليأتى الدستور المصرى وينص فى 2014 على مادة بتكليف مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد صدور هذا الدستور بإصدار قانون لبناء وترميم الكنائس ليُنهى ما عُرف بـ«الخط الهمايونى»، الذى كان يجرى على أساسه تنظيم دور العبادة للمسيحيين فى مصر وصدر بفرمان من السلطان العثمانى عبدالمجيد الأول عام 1856، وبعد اجتماعات متعدّدة بين الحكومة والكنائس المختلفة، تم تقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب، الذى وافق عليه وأقره رئيس الجمهورية بالقرار رقم 80 لسنة 2016، وهو الذى فتح المجال لتقنين أوضاع الكنائس غير المرخّصة، إذ انتهت اللجنة المعنية بهذا الأمر خلال الشهور الماضية من تقنين أوضاع 1109 كنائس ومبانٍ كنسية فى 23 محافظة، من إجمالى 5404 طلبات تقدمت بها الطوائف المسيحية لتقنين كنائس ومبان كنسية بجميع محافظات الجمهورية طبقاً للقانون المشار إليه.
وسعى الرئيس السيسى للتأكيد على اهتمام الدولة ببناء الكنائس بقدر اهتمامها ببناء المساجد فى المدن الجديدة، فصدرت توجيهاته ببناء الكنائس على نفقة الدولة داخل المدن الجديدة التى يتم تشييدها، بدءاً من مبادرته التى أطلقها خلال زيارته للكنيسة للتهنئة بعيد الميلاد ببناء أكبر كاتدرائية ومسجد فى العاصمة الإدارية الجديدة، وهو ما تحقق بداية هذا العام، ليلقى البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، كلمة فى افتتاح مسجد الفتاح العليم، ويلقى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب كلمة فى افتتاح أكبر كنيسة وكاتدرائية بمصر والشرق الأوسط، «ميلاد المسيح».
وأعلن مجلس الوزراء أنه بناء على تكليفات الرئيس السيسى، تم بناء 6 كنائس بمدينة حدائق أكتوبر، فيما يجرى العمل فى بناء 7 كنائس بمدن (المنصورة الجديدة - العلمين الجديدة - غرب قنا - العبور الجديدة - شرق بورسعيد - أكتوبر الجديدة - غرب أسيوط).
وإلى جانب معالجة ملف بناء الكنائس، الذى كان أحد العوامل الرئيسية للفتن الطائفية فى مصر خلال العقود الماضية، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 602 لسنة 2018، بتشكيل اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية، برئاسة مستشار رئيس الجمهورية لشئون الأمن ومكافحة الإرهاب، وعضوية ممثل عن كل من هيئة عمليات القوات المسلحة، والمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والأمن الوطنى.
ووفقاً للقرار فإنه يحق للجنة أن تدعو لحضور اجتماعاتها من تراه من الوزراء أو ممثليهم، وممثلى الجهات المعنية، لدى النظر فى الموضوعات ذات الصلة، على أن تتولى اللجنة مواجهة الأحداث الطائفية ووضع استراتيجية عامة لمنعها ومواجهتها، ومتابعة تنفيذها، وآليات التعامل معها حال وقوعها، وتعد اللجنة تقريراً دورياً بنتائج أعمالها وتوصياتها، وآليات تنفيذها، يتم عرضه على رئيس الجمهورية.
ورحبت الكنائس وقتها بهذه الخطوة التى اعتبرتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خطوة على الطريق الصحيح، وقراراً من شأنه تحفيز كل قطاعات ومؤسسات الدولة فى التصدى للتطرف، ويسهم فى بناء وتشكيل الوعى المصرى، وإعادة الشارع المصرى للصورة التى اعتاد العالم أن يراه عليها من تسامح وترابط ونبذ للعنف والإرهاب، والمساعدة فى نشر السلام المجتمعى والشعور بالأمن والأمان وإرساء العدالة الاجتماعية ومبدأ المواطنة الحقيقية، ووصفت الطائفة الإنجيلية هذا القرار بأنه «نقلة نوعية» على طريق المواطنة ودعم السلام المجتمعى وإرساء قواعد العيش المشترك.
وفى توجه حقيقى لمعالجة أزمة الطلاق والزواج الثانى التى يعانى منها الأقباط، وفى ظل شكوى الكنيسة من عدم رغبة الدولة فى إقرار القانون الموحد للأحوال الشخصية الذى تقدمت به الحكومة عام 1979، وحبسه فى الأدراج، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2014 تكليفه لوزارة العدالة الانتقالية فى ذلك الوقت بإصدار القانون بالتوافق مع الكنائس، وهو ما سعت له الدولة حثيثاً طوال الأعوام الماضية، إلا أن الخلافات بين الكنائس عطلت تقديمه إلى البرلمان لإقراره والعمل به فى المحاكم بدلاً من لائحة 1938، خاصة مع وجود النص الدستورى الذى يسمح للأقباط بالاحتكام لشريعتهم فى شئونهم الدينية وأحوالهم الشخصية بالمادة الثالثة من دستور 2014، وذلك حرصاً من الدولة على قوام الأسرة المصرية، «مسلمة أو مسيحية»، وسد ثغرات الأزمات الطائفية، التى يكون بعضها بسبب مشاكل أسرية.
وعمل الرئيس السيسى على ترسيخ المواطنة بالفعل وليس بالقول، وتطبيق شعاره بأن جميع المواطنين مصريون ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحى، كانت زيارته السنوية إلى الكاتدرائية لتهنئة البابا والأقباط بعيد الميلاد المجيد فى سابقة لم يفعلها من قبل خلال قداسات العيد سوى الرئيس محمد نجيب.
وعن هذا الدور يقول هانى عزت، مؤسس حركة منكوبى الأقباط، إن الدولة عالجت فى الفترة الأخيرة بعض الأزمات التى يعانى منها الأقباط، وأهمها الخطاب المستمر للقيادة السياسية بمواطنة الأقباط وحقوقهم وهذا لم يكن موجوداً فى عقود سابقة بل كانت هناك ضغوط ومواءمات لأغراض سياسية، وأضاف لـ«الوطن» أن هذا التطور لعب البابا تواضروس فيه دوراً بتفهمه للكثير من الأمور بحسب مقولته المسئولة: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، والتى لقيت إشادة من القيادة السياسية أثناء افتتاح أكبر مسجد وكاتدرائية بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وعدّد «عزت» المميزات الإيجابية التى حظى بها الأقباط خلال السنوات الأخيرة ومنها قانون بناء الكنائس الذى خرج للنور بعد عقود عجاف ومرارة فى استخراج تصاريح بناء الكنائس أو حتى ترميم جزء منها، فضلاً عن صدور قرار سيادى من الرئيس السيسى بأهمية بناء كنيسة بكل مدينة أو تجمع جديد، وتم أيضاً تقنين أوضاع أكثر من ألف كنيسة بواسطة اللجنة المشكلة لهذا الغرض من مجلس الوزراء، وتابع أنه رغم عدم ظهور بصمات واضحة للجنة الأحداث الطائفية التى شكلها الرئيس، فإنها تعتبر خطوة لفرض سيادة القانون بدلاً من الجلسات العرفية.
وأثنى مؤسس منكوبى الأقباط على توجيهات الرئيس السيسى منذ 2014 بسرعة صدور قانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين إلى النور، مرجعاً عدم تنفيذ هذا الأمر إلى خلافات الطوائف المسيحية وعدم توافقهم على بنود المشروع، مطالباً فى الوقت ذاته الدولة بالتدخل وفرض توقيت محدد لتسليم مسودة القانون للبرلمان أو تشريع لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الصادرة فى مارس 2016، وذلك حرصاً على بناء الأسرة المصرية.