فصول خوص وسط الريف.. "المدارس الحقلية" وسيلة تعليمية لمحاصيل أفضل
فلاحون بأحد المدرسة الحقلية
فصل صغير من الخوص وجريد النخل دون جدران مبنية، يتوسط مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، فُرش بحصير يجلس عليه نحو 25 شخصا من المزارعين "الرجال أو النساء"، تتقارب أعمارهم ومجال زراعاتهم، ينصتون باهتمام شديد لخبير متخصص يُلقي عليهم معلومات صحيحة وفقا للأساليب الزراعية الحديثة، يدون كل منهم في مذكرته ملحوظات يطبقها عمليا على أرضه فور انصرافه من التدريب، ليخرج لهم منتجا سليما دون إهدار في الماء أو المحصول.
بالتعاون مع عدد من المؤسسات والمنظمات المعنية بهذا الشأن، تتوسع وزارة الزراعة في إنشاء المدارس الحقلية بالقرى المختلفة على مستوى محافظات الجمهورية، كمدرسة من فصل واحد بلا جدران على مستوى الأرض الزراعية، التي تهدف إلى تدريب وتعليم الفلاحين الأساليب الحديثة في الزراعة لزيادة إنتاجية وجوده المحصول وتحقيق الربح الأفضل للمزارعين، لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة للزراعة.
ماهر: المدرسة من الخوص وسط الأرض الزراعية بعيدة عن الطريق السريع.. ومدة المحاضرة ساعتين جزء عملي وآخر نظري
تضم المدرسة الحقلية الواحدة مجموعة من المزارعين يبلغ عددهم نحو 25 مزارعا، يجتمعون بمعدل جلسة واحدة كل أسبوعين طوال فترة زراعة المحصول المحدد دراسته، ووفقا للمهندس ماهر غريب مدير عام بالإدارة المركزية للإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة، يتم اختيار الأرض المنفذ عليها فعاليات المدرسة وفقا لمعايير مختلفة، أهمها أن تكون بعيدة عن الطريق السريع لعدم التأثر بالضوضاء، إلى جانب قرب مسافتها من الفلاحين الدارسين على أن يرحب صاحب الأرض باستضافة المدرسة.
ساعتان من الزمن هي مدة المحاضرة الواحدة، مقسمة على جزءين، نظري لتلقي المعلومات من المتخصص وعملي، وحسب حديث المهندس ماهر لـ"الوطن" ينقسم المزارعين إلى مجموعات تتجول في الحقول للاطلاع على الأرض الزراعية وتدوين ملاحظاتهم الخاصة بالمحصول موضوع الدراسة، وفي ختام الحصة تعقد مناقشات مفتوحة بين المزارعين والمتخصص لتبادل المعلومات وطرح الأسئلة تقدم خلالها المجموعة استنتاجاتها للتخطيط للأسابيع التالية.
"اللباقة والقدرة على الحوار واستقبال الكلام وتوصيل المعلومة بسهولة".. معايير مختلفة يشترط توافرها في المرشد الزراعي المسؤول عن الشرح داخل الفصول الحقلية، وهو ما يعرف بـ"المٌيسر" وفقا لهذا النظام، وبعد تحديد الشخص يتلقى تدريبا على كيفية التعامل مع المزارعين، وفقا للمدير عام بالإدارة المركزية للإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة.
المدرس في المدرسة الحقلية يطلق عليه"مُيسر" ويشترط لباقته وقدرته على توصيل المعلومة
تتراوح أعمار الفلاحين الدارسين، فهناك مدارس للفلاحين الشباب والرجال وأيضا للسيدات، ويتنوع المحتوى التعليمي الذي يلقيه عليهم "المُيسر" بين كيفية زراعة محصول القمح أو الذرة وغيرها من المحاصيل، إلى جانب تدريب على الطرق السليمة لتغذية الأغنام وتربية الأرانب والدواجن، وفقا لـ سلوى عبده مديرة المشروع الزراعي، في مؤسسة رؤية حياة الشريك في مشروع المدارس الحقلية.
بعد أن باتت السيدات عنصرا مهما في مجال الزراعة من خلال مساعدة أزواجهن، تستطيع المهتمات منهن بمجال الزراعة الالتحاق بالمدارس الحقلية، وحسب رواية سلوى عبده لـ"الوطن"، فإلى جانب تعلم طرق وأساليب الزراعة المختلفة، يتعلمن كيفية إطلاق مشروع صغير كإنتاج المربات والمخللات والجبن والحلاوة والعلف حسب المشروع المناسب لكن منهن.
شروط بسيطة يجب توافرها في المزارعات الفلاحات للالتحاق بالمدارس الحقلية، كالجدية في الحضور والالتزام والرغبة في التعلم، وتشمل فعاليات الدراسة في بعض الأحيان محو أمية للسيدات غير المتعلمات.
تشمل الدراسة تدريب على الأساليب الحديثة للزراعة وكيفية إطلاق مشاريع صغيرة ومبادئ التسويق الإلكتروني
محو الأمية التكنولوجية والتدريب على المبادئ البسيطة للتسويق الإلكتروني، هدف آخر من المدارس الحقلية، لمساعدة الفلاحين والفلاحات على التسويق الجيد لمشاريعهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ووفقا لمدير المشروع الزراعي، في مؤسسة رؤية حياة، يشمل برنامج الدراسة أيضا توعية بقضية ختان الإناث والكشف عن فيروس سي ومبادئ المساواة بين الجنسين وغيرها من الأمور التنموية التوعوية.
"حقل تجريبي وحقل مقارن"، الأول يزرع فيه الفلاحون المحصول المقرر دراسته في المدرسة تحت إشراف المرشد، والثاني هو الحقل المزروع بالفعل في المنطقة الواقعة بها المدرسة الحقلية، وحسب قول المهندس ماهر، فإنّ وقت حصاد المحصول تتم المقارنة بين المرزوع الأصلي والمزروع بأيدي الفلاحين الطلبة لرصد وجه الاستفادة وتلافي تكرار الأخطاء.
جاكلين من المنيا: كنا بنستخدم أساليب غلط في زراعة القمح واتعلمت الصح ووفرت مياه وعمالة
في المدرسة الحقلية المنعقدة حاليا بمحافظة المنيا، تشارك المزارعة جاكلين خليل (20 عاما) بعد أن سمعت من نساء البلد بفائدة المدرسة، فقررت قبل عام واحد الالتحاق بها لمساعدة زوجها في أرضه التي يزرع بها محصول القمح والذرة والفول.
أساليب مختلفة كانت تتبعها الفتاة العشرينية وزوجها في زراعة القمح واكتشفت عدم صحتها خلال دراستها بالمدرسة الحقلية، وفي حديثها لـ"الوطن" تقول إنّها اكتسبت طريقة جديدة لزراعة القمح على المصاطب، تهدف لتوفير المساحة المشغولة من الأرض وتوفير كمية المياه والعمالة.
"مكناش بنحط البوتاسيوم قبل ما نزرع المحصول واتعلمت إنّه مهم للثمرة". استكملت المزارعة الشابة حديثها عن استفادتها من المدرسة الحقلية، لافتة إلى أنّها بعد تطبيق تلك المعلومة أنتجت الأرض ثمرة أفضل وزادت الإنتاجية عن الوقت السابق.
مارسيل.. أطلقت مشروع لبيع الفراخ والحمام ودشنت صفحة خاصة به على الفيس بوك لسويقه
من المنيا أيضا ومن داخل المدرسة ذاتها، استفادت مارسيل زكي من المحتوى الذي تتلقاه على يد "الميسر"، وعادت لتطبقه مع زوجها الذي يزرع القمح والذرة الشامي والفول الصويا، وحسب تعبيرها: "طرق الزراعة الحديثة التي تلقتها بالمدرسة وفرت لزوجها في السماد والمياه وأنتجت كميات أكبر من المحصول".
استفادة مارسيل لم تقتصر عند ذلك، بل أطقلت خلال فترة دراستها بالمدسة الحقلية مشروعا صغيرا خاص بها لبيع الفراخ البيضاء والحمام، وحسب حديثها لـ"الوطن" أطلقت صفحة خاصة بمشروعها على فيس بوك لتسويقه وبدأت تستفيد من العائد المادي وتساعد زوجها في مصاريف البيت.