"الوطن" تكشف قصة معتقل داخل سجون زين العابدين صار صديقا له في المنفى
الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي وصابر الحمروني
"أيها المواطنون، أيتها المواطنات.. إن هذه الأحداث لا يمكن أن تفل من عزمنا ولا أن تنال من مكاسبنا بل يجب أن تستخلص جميع الأطراف العبرة منها وأن نواصل مسيرتنا بكل إرادة وحماس لأن عزة تونس ومناعتها أمانة مقدسة لدى التونسيين والتونسيات جميعا"، كانت تلك الكلمات الأخيرة التي وجهها زين العابدين بن علي لشعبه، بصفته الرسمية رئيسا للجمهورية التونسية، قبل أن يغادر برفقة أسرته، إلى المملكة العربية السعودية، دون رجعة إلى قصر قرطاج الذي حكم فيه البلاد طيلة 22 عاما.
منذ انتقال زين العابدين بن علي إلى السعودية، نادرا ما كانت تتسرب معلومات عنه ويكتفي محاميان له أحدهما لبناني والآخر تونسي بإصدار بيانات صحفية للرد على تقارير تتناوله، في حين أن لا معلومات على الإطلاق حول طريقة عيشه والموارد التي يستفيد منها لتغطية نفقاته، آنذاك.
صابر الحمروني، معتقل سياسي سابق في سجون نظام زين العابدين بن علي الذي أطاحت به ثورة شعبية في النصف الأول من يناير عام 2011، لكن هذا لم يمنعه من إطلاق مشروع المصالحة الشاملة بين التونسيين، حيث رأى الحمروني، أنها كانت فرصة تاريخية لعدم تهميش أي من رموز النظام السابق بما فيهم "بن علي" ذاته.
الحمروني: السفارة السعودية وافقت على زيارتي لـ"بن علي" في يناير 2018
"تواصلت مع المحامي اللبناني الذي وكله الرئيس الأسبق، وتحدثت معه عن فكرة مشروعي الإنساني وبالفعل تمكنت من زيارة عائلته وعائلة زوجته ليلى الطرابلسي في السجن عام 2014، في إطار العدالة الانتقالية لكن للأسف مشروعي لم يحركه بعض السياسيين وتغاضوا عن ملفات كثيرة قدمتها، لأعلن رفضي لتلك الممارسات آنذاك، وحاولت تدويل قضية في الأمم المتحدة عام 2015 تتلخص في أن المواطن التونسي زين العابدين بن علي مختفي ولا تتوافر عنه أي معلومات، وتواصلت مع السفارة السعودية في تونس، واستجابت الخارجية السعودية لطلبي، وقامت بتسهيل كل الأمور، وبعد فترة من الترقب، كان الرد السعودي بالموافقة على ما طلبته، لتكون النواة الأولى لزيارة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في يناير عام 2018"، حسب حديث الحقوقي التونسي صابر الحمروني، لـ"الوطن".
حراسة مشددة حول فيلا ذات مساحة واسعة تليق برئيس دولة عربية سابق، كان أول ما وقعت عليه عين الحمروني عند اقترابه من مقر إقامة بن علي في مدينة جدة السعودية، وعند دقات الساعة التاسعة صباحا وجد الحمروني نفسه أمام الرجل الذي اعتقل في عهده، ليبدأ اللقاء بعناق طويل، بعدها هبطت عليه السكينة حينما رأى في أعين السجين السياسي السابق نظرة عبر فيها عن مسامحته، ليتبادلا أطراف الحديث حول الأوضاع في "تونس ما بعد بن علي".
ليلى الطرابلسي ونجل بن علي لم يتركاه طيلة فترة تواجده بالسعودية
يمر الوقت وتظهر زوجته ليلى الطرابلسي ونجله محمد اللذان لم يتركا الرئيس السابق طيلة فترة إقامته في السعودية، حيث أعرب له بن علي عن حزنه لما تمر به تونس ويؤلمه الوضع الاجتماعي الذي مرت به البلاد بعد رحيله.
يقول الحمروني "ليلى الطرابلسي تعتبر مثالا للمرأة التونسية التي على الرغم من الظروف القاسية وهجرة زوجها القسرية إلا أنها رافقت بن علي في أحلك الظروف ولم تتركه، أتذكر حينها كانت صحة بن علي جيدة لكن قبل زيارتي بأسبوع سقط من على السلم ليكتب له الطبيب بعض التعليمات بأن يستخدم المصعد الكهربائي، وأبلغني أنه اعتاد زيارة مستشفى خاص في جدة لإجراء بعض الفحوصات الدورية".
أعداء الأمس صاروا أصدقاء مع أول زيارة
زيارات صابر الحمروني لصديقه الجديد زين العابدين بن علي أصبحت متكررة، حيث اعتاد زيارته من الساعة التاسعة صباحا حتى السادسة مساء، ليبدأ اليوم باحتساء القهوة والجلوس على البحر، وتناول وجبة فطور تونسي لا يخلو من الكسكسي الذي كانت سيدة تونس الأولى السابقة بارعة في إعداده، أما وجبة الغداء فكانت عبارة عن السمك الذي يعشقه زين العابدين بن علي، وكانت الزوجة تشاركهما مائدة الطعام باستثناء يومي الاثنين والخميس، حيث كانت تواظب على صيامهما بصفة منتظمة كل أسبوع.
اكتشف الحمروني الجانب الإنساني في الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، حيث قال: "كان دائم الحديث عن أنه أصغر من السياسيين في تونس بعد الثورة، تناقشنا في كل شيء أمنيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، كان متألما جدا لما آلت إليه الأوضاع في تونس، ودائما ما كان يتطرق لتاريخ الرئيس الراحل بورقيبة وأنه لم يخطئ في حقه، وأنا شخصيا لم أكن على علم بالجانب الإنساني في بن علي، وسامحته من أعماق قلبي رغم أنني كنت سجينه في فترة من الفترات، حينما علمت أن التقارير كانت تصله مغلوطة من بعض الجهات".
شهد شهر أبريل عام 2018 الزيارة الثانية لصديق اليوم، فالوضع الصحي لـ"بن علي" كان طبيعيا، وتأكد الحمروني من الثقة التي منحها إياه الرئيس السابق عندما اعتاد الاتكاء عليه صباحا.
الحمروني: بن علي كان يمتلك حس الدعابة
ويختتم الحمروني حديثه لـ"الوطن": "بن علي كان يمتلك روحا فكاهية ويقلد جيدا لصوت الرئيس بورقيبة رحمه الله، كم تمنيت أن يعود إلى أرض الوطن، ولم أكن أعلم أنه سيدفن في المملكة العربية السعودية، فلم يحبذ الحديث عن وصيته كثيرا، دعني أخبرك أنه كان يأمل العودة مرة أخرى، لكن المؤكد أن تونس حزينة على هذا الرجل الذي دفنت مع موته حقائق كثيرة احتفظ بها في صدره".