صورة على أرض الفيروز.. كمال عذبته إسرائيل واحتفل بنصر أكتوبر على المدفع
عم كمال مع رفاقه فوق أرض سيناء المحررة
يقف فوق أحد المدافع رفقة صديقيه، مرتدين الزي العسكري الزيتي، في صورة بعد انتهاء حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، واسترداد مصر للأرض التي اغتصبت في يونيو 1967، صورة على أرض الفيروز التي ضحى من أجلها رجال القوات المسلحة بدمائهم لاستعادتها تسبقها حكاية طويلة لكمال الدين محمد، بدأت حين قرر التطوع في القوات المسلحة وصولا للاحتفاء بالنصر والتقاط الصور.
الصورة التي التقطت خلال الأشهر الأولى من عام 1974، تسبقها حكاية طويلة لكمال الدين محمد، بدأت منذ عام 1965، حين قرر التطوع في القوات المسلحة، على الرغم من أنه كان وحيد والديه، ويروي، لـ"الوطن"، التفاصيل قائلًا: "في سنة 65 كنت عيل عنده 17 سنة في المدرسة، ومكانش فيه حرب ولا حاجة، وكنت وحيد أبويا وأمي ومتدلع، فروحت أتطوع أنا وزمايلي في الجيش عشان نطلع من المدرسة".
ربما كانت الصدفة وحدها التي قادت "كمال"، ابن قرية "الدوّية" ليملك تاريخًا طويلًا في القوات المسلحة المصرية، خلال واحدة من أهم الفترات التي مر بها الوطن، فبعد نجاحه في اختبارات التطوع التحق بسلاح المدفعية، وأصبح واحدًا من أفراد إحدى الوحدات المتمركزة في العريش، وبعد عامين من تطوعه حدثت هزيمة 1967.
"إحنا محاربناش في 67"، جملةٌ قالها الرجل بينما تبدو عيناه زائغتان، وقال إن دورية إسرائيلية مكونة من 12 جندي تقودهم امرأة صادفته، ليقبضوا عليه، ويقضي معهم يومين تلقى خلالهم تعذيبًا وضربًا وإهانات من أجل البوح بأية معلومات عن الوحدة من الممكن أن يعرفها، قبل أن تسلمه الدورية للصليب الأحمر، ووبعده نُقل إلى مستشفى بورسعيد، وتلقى هناك علاجًا عاد بعده إلى القرية، التي كان أهلها يظنون أنه استشهد خلال الحرب.
يحكي "كمال" عن الوقت الذي عاد فيه إلى القرية بقوله: "دخلت البلد بليل والدنيا ضلمة وسمعت اتنين ستات بيقولوا إن كمال إبن العمدة مرجعش واستشهد في الحرب"، ليعود مسرعًا إلى المنزل، ويتفاجأ والده وأسرته بعودته، وتتحول القرية الصغيرة إلى أفراح، ويتجمع أهلها في بيت العمدة من أجلي التهنئة بعودة الابن الذي ظنوا أنه لن يعود.
ظل المقاتل في منزله حتى سمع في الراديو نداء العودة للثكنات، ليعود على الفور ويتم توزيعه هذه المرة في السويس، أمام خطوط العدو، وتبدأ مرحلة جديدة عرفت باسم حرب الاستنزاف "كنت أول واحد يضرب طلقة مدفعية في حرب الاستنزاف سنة 68، في عملية تدمير معسكر ذخيرة للعدو كان حاضرها الفريق عبدالمنعم رياض" حيث انطلق فجرًا مع قائد وحدة المدفعية نحو المعسكر شرق هيئة القناة، وأطلقوا نحو المعسكر الذي فوجئ بالقصف عليه، وحين هموا بالرد كان "كمال" وقائده عادا نحو وحدتهما.
بعد انتهاء حرب الاستنزاف، كان اليأس بدأ بتسرب في نفوس "كمال" وأصدقائه أنهم سيحاربون ويستردون الأرض الضائعة: "إحنا كنا مستعدين نحارب من سنة 71، ومن سنتها لحد الحرب تقريبا متدربناش على حاجة جديدة"، إلى أن جاءت الأوامر يوم 2 أكتوبر 1973 بالتحرك نحو القناة من أجل مشروع حرب، ليدخل لنفوسهم يقين أن الحرب ستبدأ، فعادةً كانت مشاريع الحرب تتم في أراضي مفتوحة وواسعة وليس على ضفة القناة.
وفي يوم 6 أكتوبر 1973، تمركزت وحدة "كمال" أمام القناة، وبدأت بناء الكباري وعبور الكوماندوز ومن ثم المشاة، لتبدأ بعدها المدفعية في العبور لتغطية المشاة: "بعد 6 أيام من المعارك كنا وصلنا عمق كبير بعد القناة واتفاجئنا فوقنا بطيران أمريكي وبريطاني فوقنا ودخلنا حصار السويس الشهير اللي كنا فيه فرقتين مدفعية".
أيام صعبةٌ مرت بها القوات خلال الحصار "في الأول كان للفرد مننا مكعب بسكوت كل 48 ساعة وبعد كدة حصل مفاوضات عشان يسمحولنا بدخول أكل بس الإسرائيليين كانوا بيمنعوا الأكل ويدخلوا السجاير عشان ندخن واحنا جعانين ونتعب" لتستمر الأيام الصعبة التي أكل خلالها الجنود كل شيء أمامهم "كنا بناكل التعابين والفيران وبنتخانق على الحنضل لما نلاقيه".
لم ينس "كمال" أبدًا قرار المشير الراحل أحمد بدوي، الذي كان قائدًا للجيش الثالث الميداني خلال الحصار، والذي أمر "إننا نعمل تدريبات بالذخيرة الحية كأننا عادي في الوحدة بتاعتنا في الوقت اللي كنا جعانين فيه وبنعاني" حتى لا يشعر الجنود باليأس أو الإحباط، وليبعث بالخوف إلى معسكر العدو مع أصوات الطلقات التي تصلهم من مدافع وبنادق جنود الجيش المصري.
الرجل الذي يشارف على عامه السبعين، يمتن لما أسماه "طيش الشباب"، الذي دفعه إلى التطوع في القوات المسلحة، ليصنع تاريخًا طويلًا دام حوالي 20 عامًا، بعد خرج على المعاش عام 1984: "اللي شوفته في الجيش خلاني عندي يقين إننا نكسب أي حد ونقدر نعدي أي ظرف، والأوقات اللي كنا بنحس فيها بالجوع والتعب كانت هي الأوقات اللي بتحسسنا إننا لينا قيمة وإننا بني آدمين بجد".