حضرات وموالد تمتلئ بذكر الله ومدح وثناء على النبى وآل بيته، وتبرك بأولياء الله الصالحين، وهم الرجال الذين اختصهم الله بالكرامات، مجالس محبة وصفاء روحى يعشقها المصريون ويتهافتون عليها، يروون ظمأهم النفسى بتلك المجالس.
تقول دار الإفتاء المصرية إن الذكر يكون باسم من أسماء الله الحسنى سراً أو جهراً، فرادى وجماعات، فهذا كله مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وتبديعها لا يعدو أن يكون نوعاً من البدعة، لأنه تضييق لما وسعه الشرع الشريف، ومخالفة لما ورد فى الكتاب والسنة وهدى السلف وما جرى عليه عمل المسلمين، وأضافت أنه قد ورد الأمر الشرعى بذكر الله تعالى والصلاة على النبى مطلقاً، ومن المقرر أن الأمر المطلق يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»، وقوله «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ»، وعن أنس رضى الله عنه عن النبى قال: «إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة فيقولون: ربنا أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول تبارك وتعالى: غشوهم رحمتى، فيقولون: يا رب، إن فيهم فلاناً الخطاء، إنما أعتقناهم إعتاقاً، فيقول تبارك وتعالى: غشوهم رحمتى؛ فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم».
المنشد أحمد التونى، حفيد الشيخ التونى سلطان المداحين والمنشدين، قال: «المديح النبوى مجالس محبة وصفاء روحى، وهناك العديد من قصائد الشعر التى تمدح النبى، وفى محبته منها قصائد جلال الدين الرومى ومحيى الدين العربى وأبوالعزائم وعمر بن الفارض وغيرهم من الكبار، فالمديح النبوى شعر ينصب على مدح النبى بتعداد صفاته الخُلقية والخَلقية، وإظهار الشوق لرؤيته، وزيارة قبره والأماكن المقدسة التى ترتبط بحياة الرسول، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية، ونظم سيرته شعراً، والصلاة عليه تقديراً وتعظيماً، ورجاء به التقرب إلى الله، ومهما وصفه الواصفون فلن يوفوه حقه، وازدهر شعر المديح النبوى وحقق وجوداً متميزاً فى بيئة المتصوفة، فمدح النبى بالنسبة للصوفية من أعظم القربات، وإنشاده به فضل كبير، وليس المديح خاصاً بفرقة معينة، بل هو للمسلمين جميعاً».
"البلصفورى": رسالة سلام وباب دعوة إلى الله
وأكد الشيخ أحمد البلصفورى، أحد كبار المنشدين بالمحافظات، أن الإنشاد الدينى رسالة محبة وسلام وباب دعوة إلى الله، فالإنشاد يحمل فى طياته رسائل روحية وقد كان موجوداً منذ عصر النبى حينما خرج أهل المدينة لاستقباله بالمديح المشهور «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع»، فهذا نموذج للإنشاد الدينى، والمنشدون يتناولون كبار قصائد العلماء الكبار كجلال الدين الرومى وغيره، وهناك العديد من الفرق الإنشادية بمصر وفرق عربية مهتمة بالمديح النبوى، ومن يهاجم حلقات الذكر والإنشاد الدينى جماعات متشددة بعيدة عن جمهور الوسطية الذى يعشق الحلقات والموالد، فهناك ارتباط روحانى بين المواطن وبين تلك الحلقات الذاكرة لله».
"الجندى": مدح النبى دليل محبته
يقول الدكتور أسامة فخرى الجندى، مدير إدارة المساجد بوزارة الأوقاف، إن ذكر الله عبادة لا تعطل أى جارحة من جوارح الإنسان، ومجالس الذكر عموماً وجلوس وانتداب الناس للاجتماع إليها أمر مشروع فى الإسلام، وبذلك جاءت النصوص المشرفة، وجرى على ذلك عمل الأمة سلفاً وخلفاً، ومما جاء فيها من القرآن الكريم قوله تعالى «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»، وقوله «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ».
ومما جاء من الأحاديث المشرفة، التى صرحت باستحباب إقامة هذه المجالس وحضورها والمداومة عليها، ورغبت فيها وعظمت من شأنها وبركاتها وفضائلها وثوابها الجزيل عند الله، ما رواه سيدنا أنس أن رسول الله قال: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «حلق الذكر»، وحينما سئل النبى عن غنيمة مجالس الذكر، قال: «غنيمة مجالس الذكر الجنة»، وأضاف: «أما عن الإنشاد والمديح، فلا شك أن أفضل ما يتكلم به المرء هو مدح رسول الله، ومعلوم أن القرآن الكريم قد عبر عن وجود رسول الله بأنه رحمة، فقال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، ومعنى هذا أن رسول الله هو فى ذاته إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة لتاريج البشرية جميعها، وأوضح «الجندى» أن إنشاد الأشعار كان موجوداً فى عصر النبوة، حيث إنه كان من الأدوات التعبيرية التى كانت تستخدم عند العرب للتعبير عن الأحداث والمواقف حينئذ، وقد كان المدح النبوى موجوداً، ومن هؤلاء الشعراء الذين قاموا بمدح النبى وأقرهم على ذلك رسول الله، حسان بن ثابت؛ فقد روى الشيخان عن البراء بن عازب رضى الله عنه أن النبى قال لـ«حسان» «اهجُهم وجبريل معك»، وتابع: «لا شك أن الأمة حين تقوم بمدح النبى، فهذا دليل على محبتها له، ومن أجمل ما يستفاد وأنت تقرأ أو تسمع الكثير من الصيغ والعبارات والألفاظ المتنوعة فى مدح سيدنا محمد أنك تعيش بين رياض السنة المشرفة وبين أحضان السيرة العطرة وفى بستان أوصاف ألطاف الإشراقة المحمدية».
"الأزهرى": هناك شطحات لبعض المنشدين غير مقبولة
وقال الدكتور على محمد الأزهرى، عضو هيئة تدريس الأزهر الشريف: «الإنشاد والمدح وحلقات الذكر تعد مجالس للمحبة، فروى عن الإمام أحمد أن مجالس الذكر «وأى شىء أحسن منه»، وقول سيدنا عطاء بن أبى رباح «مجالس الذكر هى مجالس الحلال والحرام، أى مجالس العلم»، فالذكر لو كان لا يدخل فيه عبارات تتعلق بالحلول والاتحاد وشطحات غير مقبولة من نحو أوراد الخارجين عن الطريق الصوفى الصحيح كما يحدث من الختمية وغيرها كان لا شىء فيه، وتجنب دخول الآلات الموسيقية كان مباحاً.
وأضاف: «أفضل الذكر ذكر الله والثناء عليه والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، لذا قال الإمام النووى: يستحب الجلوس فى حلق الذكر، وعن معاوية بن أبى سفيان، أنه قال إن النبى خرج على حلقة من أصحابه، فقال «ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا»، فقال النبى: «أتانى جبريل فأخبرنى أن الله يباهى بكم الملائكة»، وقال النبى: «ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده».
تعليقات الفيسبوك