م الآخر| "شماعة مبارك" وثقافة الروبابيكيا
غاب حسني مبارك وأفل نجمه، وبقيت سيئاته وفتات حسناته مادة للتسلية، أو قل إن شئت للبكاء على اللبن المسكوب، فالماضى البغيض هو روبابيكيا الشعوب، من المفترض أن نتعامل معها على أنها مخلفات تاريخية، ولكن للأسف ما يحدث غير ذلك، فنحن نهوى الاحتفاظ بها في وجداننا، نعشق ترديدها طوال نهارنا وقبل نومنا، على الرغم من أن هذا النوع من الروبابيكيا مكانه الطبيعى هو مزبلة التاريخ، أو كتب التاريخ، هذا إن كنا منصفين.
في الحقيقة نحن شعب طيب وأصيل وعلى نياته، لدينا ثوابت تسكن في عقولنا (الباطنة)، وننفرد بها عن بقية الشعوب الأخرى، أسبابها غير معلومة على وجه اليقين، ولكننا حريصون على التمسك بها مثلما نتمسك أو نحتفظ بالروبابيكيا المنزلية، وكي تتأكد من ذلك ادخل أي بيت من هذه البيوت الطيبة واطلب من صاحبه أن يسمح لك بأن يجعلك تفتش مثلا تحت سريره أو في الأدراج أو في البلكون، فمن المؤكد أنك ستجد أسفله البسكلته التي كان يستعملها الأب منذ أن كان صبياً، وإن سألته مستنكراً، يقول لك هذه ذكريات، وستجد أيضاً فردة حذاء اختفت أختها في ظروف غامضة كان الأب قد أهدى (الفردتين) للأم منذ أن كانت نحنوحه، وإذا سألت وأنت حانق، يقول لك إنها ذكريات، وإذا فتشت في الأدراج ستجد أيضاً فردة شراب- هي جديدة- ولكن أختها أفلتت من براثن المشبك أثناء شبحها على حبل الغسيل، وإذا سألت متعجباً يقول لك أصلها جديدة وصعبان عليا أرميها، إذن هى ثقافة- ثقافة عشق الروبابيكيا- التي تسربت أيضاً إلى أفكارنا حتى أننا بتنا نعشق كل ما هو قديم حتى لو انعدمت فائدته ، المهم هو أننا يجب أن نمارس هوايتنا على هذا القديم ، نستدعيه ثم نجالسه ثم إذا شئنا نجلده أو نمتدحه أو على أقل تقدير نقصه على من نعرفه أو لا نعرفه ، فأضعنا بذلك جزءاً كبيراً من حاضرنا بالحكى عن ماضينا ، فتجمدت عقولنا وعجزنا عن إدارة هذا الحاضر وبالتالي لم يكن لدينا متسع للتخطيط أو مجرد التفكير فى المستقبل. والسؤال من المسؤول عن غرقنا في هذا الماضي .. أهو مبارك ، سأوافقك مؤقتاً ، ولكن من الذى حول مبارك الى فرعون ، علما بأنه خلق بشراً عاديا وبدأ معنا بشراً عادياً ، ولكن البعض يرى أن خطيئته الكبرى أنه خريج كلية عسكرية ، ولكن ما ثبت لنا وأكدته الأيام بعد ذلك أن صبرنا عليه ، وصمتنا على آلته القمعية ، وقبولنا بالفتات ، وتصفيقنا وتوقيعنا له على بياض ، هو الذى صنع منه النسخة الثانية لفرعون موسى فلا تظلموا البدلة الميرى. وطالما أنك يا عزيزى تعشق استدعاء الماضى ، فماذا لو تخيلت نفسك مؤقتا أنك تكتب هذا التاريخ بإنصاف لأن التاريخ لا يجب تزويره مهما كان بغضه ، فمن المؤكد أن مبارك مدين لشعبه بحقوق كثيره ، فكل المعاناة التى نعيشها الآن كانت من جراء النصف الثانى من سنوات حكمه ، ولكن فى كل الأحوال لا يجب أن نعلق كل فشلنا أو تعثرنا منذ أن غادر الحكم على شماعة إخفاقاته ، ولا يجب أيضاً أن نتغنى بفتات حسناته ، ولكن يجب أن ننظر ماذا بعد مبارك الذى ولى بما له وما عليه ، وعلينا ألا ننسى أنه صنيعة التربة المصرية ، أكل كما أكلنا ، وشرب كما شربنا ، تميز فى عسكريته وأخفق فى مدنيته ، ولكن عسكريته التى نجح فيها صنيعة البدلة الميرى ، أما مدنيته.. فلا تلومن إلا نفسك. وعلى الرغم من حقيقة ما ذكرته لك عن مبارك سواء اتفقت معى أو اختلفت ، إلا أننى قصدت أن أعيد عليك سيرته ، وقصدت أن أعود بك الى الوراء قليلاً كى أؤكد لك أنك تهوى الماضى على حساب الحاضر والمستقبل ، وانك سرت ورائى وربما تفاعلت أو انفعلت أو غضبت أو سعدت ، المهم أنك عشت الحالة التى تهواها وتعشقها وهى الحنين الدائم الى روبابيكيا الأفكار.. اشرب يا معلم.