سنوات عجاف مرّت عليهم منذ آخر مرة رأوا فيها صغارهم يلعبون حولهم قبل أن يتغيبوا، ولو علموا حينها أنها ستكون نظرة الوداع لاحتضنوهم بشدة ولم يتركوهم. وبرغم مرور سنوات طويلة على فقدانهم، ما زال الأمل بداخلهم فى لقاء يجمعهم بأطفالهم الذين تجاوزت أعمارهم حالياً الثلاثين والأربعين عاماً، ويمكن أن يكون الشيب قد ترك آثاره على رؤوسهم.
فاطمة محمد البشبيشى، الشهيرة بـ«رحاب مجدى»، مواليد 1975، تبلغ حالياً 41 عاماً، تغيبت عن منزلها بمنطقة الورديان بمحافظة الإسكندرية فى 18 مايو 1982، واستنفدت أسرتها كافة المحاولات للبحث عنها، دون جدوى: «طول ما أنا فيا نفس هفضل أدوّر عليها، حاسة إن بنتى عايشة، نفسى أعرف هى فين وآخدها فى حضنى حتى لو مش هتعيش معايا تانى، بس أبقى عارفة هى فين»، بحسب والدتها عواطف أحمد.
حنين الأم لابنتها دفعها للاحتفاظ بملابسها وهى بعمر الـ 7 سنوات وألعابها المفضلة، حتى آخر طبق تناولت فيه الطعام: «أى حاجة من ريحة بنتى لسه زى ما هى، شايلاها فى الدولاب، وكل ما توحشنى أجيبها وأحضنها وأفضل أعيط جنبها». وتتذكر «عواطف» آخر مشهد لـ«فاطمة» قبل تغيبها، حيث أخذت منها 5 قروش لشراء حلوى، ومرت على جدتها فى البيت المقابل لمنزلهم، ومن بعدها لم ترها ثانية.
من قرية ترسا بمحافظة الفيوم، تغيّب توبة عيسى، مواليد 1982، وكان يُعرف بشقاوته وحيويته، وأثناء عودته من المدرسة، حاول اللحاق بإحدى السيارات على الطريق والصعود فوقها، ومنذ ذلك الوقت لم يعد لمنزله، وكان ذلك فى 1993، أو كما تسميها والدته عنبة عثمان «السنة المشئومة».
«سمعنا من الناس قصص عن مصيره، ناس قالوا شافوه ركب ورا عربية وماعرفش يرجع، لأنه قال لهم أنا من ترسا وعايز أروّح، فالناس افتكروه يقصد ترسا اللى فى الجيزة»، وبحسب والدته انتقل بعض أفراد الأسرة إلى منطقة ترسا بالجيزة للبحث عنه، دون فائدة: «جبنا عربيات وطلعنا بالميكرفونات، بقينا ننده عليه، ووزعنا صوره على الناس فى الشارع، وعرضنا مكافآت كتير، واللى قدرنا عليه بقينا نعمله»، ولا تزال الأسرة تتلهف لرؤيته: «ابنى بييجى لى فى المنام ويقول لى أنا عايش».
حزن آخر يخيم على منطقة سبيكو بمدينة السلام، تحديداً داخل بلوك 52، منذ تغيُّب شيماء عادل، 32 عاماً، وتعانى من إعاقة ذهنية، ورغم طول غيابها، تتمنى أسرتها لو تراها وتطمئن عليها، كما ذكرت والدتها هدى السيد: «بنتى كانت متعودة تفتح باب الشقة وتنزل، وكانت بتغيب والناس تجيبها، المرة دى غيابها طوّل، كل مرة أقول هترجع ومابترجعش، وهفضل ألف بصورها على الناس يمكن حد يدلنى عليها، خصوصاً إنها معاقة ومحدش هيتحملها غيرى».
تعليقات الفيسبوك