الأنبا بولا : "الموحد للأحوال الشخصية" ينظم التصرف في إرث البابا والأساقفة والرهبان
الأنبا بولا، مطران طنطا للأقباط الأرثوذكس
بعد 43 شهراً من آخر لقاء صحفى أجراه الأنبا بولا، مطران طنطا للأقباط الأرثوذكس، كان موعدنا معه. حاولت طوال السنوات الماضية أن أُخرجه من حالة الصمت التى التزمها والبوح بما لديه، إلا أنه تمسّك بأن يظل يعمل فى الظل، حتى إن نجاته بتدبير من الله من عمل إرهابى استهدف مقر مطرانية طنطا فى احتفال «أحد السعف» عام 2017 لم تدفعه للحديث.
فالمطران الذى تعددت مواهبه ومناصبه داخل الكنيسة متولياً خلال السنوات الماضية ملفات الأحوال الشخصية، وعضو اللجنة الكنسية التى أشرفت على الانتخابات البابوية التى أُجريت بعد وفاة البابا الراحل شنودة الثالث، ومسئول التواصل بين الكنيسة والدولة، ومقرر لجنة العلاقات العامة بالمجمع المقدس السلطة العليا بالكنيسة، وممثلها فى لجان وضع دستورَى 2012 و2014، والمشارك فى وضع أول قانون لبناء الكنائس بمصر عام 2016، عبارة عن خزينة من الأسرار والمعلومات تحوى بداخلها ما هو كنسى وما هو عام، ما يعطى الحوار معه بُعداً هاماً.
لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ وعشت متوحداً فى مغارة داخل الجبل.. وأعتبر نفسى "تراباً ورماداً"
إلا أنه قبيل الاحتفال بعيد الميلاد 2020، طبقاً لتقويم الكنائس الشرقية، فضّل أن يأتى حوارنا معه الذى كشف فيه لأول مرة عن تفاصيل جديدة حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين، وهو المكلف بتوليه، والذى مثَّل صداعاً فى رأس الكنيسة طوال عقود ظلت تطالب فيها بخروجه للنور، حتى وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى للحكم فى 2014 وتوجيهه بصدور القانون، إلا أن عدم توافق الكنائس عليه خلال 5 سنوات عطل صدوره، وهو القانون الذى يرى فيه الكثيرون من متضررى الأحوال الشخصية من الأقباط طوق نجاة لهم فى قضية «الطلاق والزواج الثانى» التى تسببت، خلال السنوات الماضية، فى ظهور مافيا تغيير الملة، والتلاعب بتغيير الديانة، وتدخل القضاء فى شئون الكنيسة.
وفى هذا الحوار يكشف المطران، لأول مرة، عن تفاصيل القانون الذى تدور مناقشاته داخل الغرف المغلقة ويُفرض عليه سياج من السرية، وأبرز بنوده المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، وكيفية التصرف فى إرث رجال الكنيسة، وإباحة التبنى بين المسيحيين فى مصر، وهى التعديلات التى يُتوقع أن تفجر حالة من الجدل والإثارة خلال الفترة المقبلة على الساحة المصرية.. وإلى نص الحوار:
مطران طنطا للأقباط الأرثوذكس لـ"الوطن": الكنيسة لا تمنح تصاريح الزواج الثانى لأن "لائحة 1938" تخالف الكتاب المقدس
منذ إلغاء المحاكم الملية عام 1955 والكنيسة تطالب بقانون موحد للأحوال الشخصية، ورغم أن المعادلة تغيرت وصارت الدولة تطالب بالقانون وجدنا الكنائس هى التى تعانى من أزمة فى تقديمه منذ 5 سنوات؟
- أولاً، الكنيسة على مدى أزمنة متعددة، أعلنت رفضها للائحة 1938 للأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس منذ وجودها، وفى التاريخ المعاصر كانت هناك 4 محاولات لإعداد القانون بديلاً عنها، الأولى أيام البابا كيرلس السادس، ووقتها شكل لجنة برئاسة الأنبا شنودة، أسقف التعليم، لكتابة مذكرة لوزارة العدل اعتراضاً على اللائحة، وبها المقترحات للائحة جديدة ولم يُعمل بها رغم ذلك، وفى عهد البابا شنودة كانت هناك 3 محاولات، الأولى كانت فى عهد الرئيس السادات، وقُدمت لائحة موحدة للأحوال الشخصية للمسيحيين، إلى الدكتور صوفى أبوطالب، رئيس مجلس الشعب وقتها، ولم تر النور، وفى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك تقدمت الكنيسة بلائحتين، ولكن لم يُحسم هذا الأمر حتى وصلنا لعام 2014، وبعد وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحكم فهو من طالب وسأل عن هذا القانون. وهنا التحول الإيجابى فى أمرين، أولهما إرادة القيادة السياسية للبلاد، فمنذ الأيام الأولى له تحدّث عن أين لائحة الأحوال الشخصية للأقباط؟، وتم التواصل بين الرئاسة وأجهزة الدولة من ناحية والكنيسة من ناحية أخرى لإعداد هذه اللائحة، ويسبق ذلك أن دستور 2012 وما تأكد فى دستور 2014 منح الأقباط بنص المادة الثالثة للدستور حق الاحتكام إلى مبادئ شرائعهم الدينية فى اختيار قياداتهم الدينية وأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية، وهو ما حصلنا عليه فى ظروف صعبة، نظراً لأن اللجنة التأسيسية التى وضعت دستور 2012 كان يغلب عليها الإخوان والسلفيون، وكان هدفنا من تمرير تلك المادة سعينا وقتها ككنيسة لتعديل لائحة انتخاب البابا، والرغبة فى تغيير قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، ومنع ما حدث سابقاً من تدخل القضاء بأحكامه فى فرض الزواج الثانى على الكنيسة دون أن يدرك أن الزواج فى المسيحية أمر مختلف لأنه فيه عمل بشرى وعمل إلهى، الأول يقوم على رغبة بين طرفين وإشهار هذه العلاقة وتوثيقها، وعمل إلهى عبر أن يتم الزواج فى الكنيسة من خلال صلوات طقسية، وحينما تجبر الكنيسة على الزواج الثانى فأنت تتدخل فى أمور دينية لأن الزواج عمل دينى وليس مدنياً، فمن خلال المادة الثالثة بالدستور أصبح يسهل على الكنيسة، فى توافق وسلاسة مع الدولة، أن تُصدر لائحة جديدة للأحوال الشخصية تتوافق مع مبادئ الشريعة المسيحية التى مصدرها «الكتاب المقدس والمجمع المقدس».
هل تعنى بذلك أن لائحة 1938 التى يحكم بها القضاء غير دستورية ويمكن الطعن فيها؟
- لائحة 1938 بها العديد من الثغرات التى تتعارض مع الكتاب المقدس، وهى تطبق فى المحاكم ولا تطبق فى الكنيسة، فالمحكمة تحكم بالطلاق بناء عليها والكنيسة لا تمنح تصاريح زواج ثان بسبب موادها المخالفة للكتاب المقدس، واللائحة غير دستورية طبعاً، ويمكن الطعن عليها دستورياً، ومن سيقيم الدعوة سيكسبها بلا شك.
الباب مفتوح للطوائف المسيحية للمشاركة فى القانون الموحد الذى اعتمد على تعاليم المسيح فى الزواج والطلاق
بالعودة للقانون، لماذا تأخرت الكنائس إذاً فى التوافق على مشروعه فى ضوء هذا التحول الإيجابى الذى تتحدث عنه؟
- لا نستطيع أن ننكر أن الدستور يسهّل صدور قانون الأحوال الشخصية الموحدة ورئيس الدولة يحفز على صدوره، ونحن منذ اللحظة الأولى بدأنا العمل، ودُعيت جميع الكنائس، وبلا استثناء، والأمور سارت بشكل جيد. ومن ناحيتنا، ككنيسة قبطية أرثوذكسية وطنية مصرية وغالبية المسيحيين فى مصر ينتمون لها، وضعنا أغلبية مواد القانون، وقولنا فى القانون «الموحد» أنه ليس حتماً أن تتفق كل الطوائف المسيحية على كل المواد، فهو مشروع موحد بأنه لكل طائفة رأيها فيما تختلف فيه، فإذا وجدنا نقطة اختلاف يتم الإشارة إليها بـ«أما عند الكاثوليك فكذا، وإما عند الإنجيليين فكذا» وهكذا. وحينما بدأنا هذا القانون كان قرار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية محلياً بالموافقة عليه من المجمع المقدس للكنيسة، إلا أن الطوائف المسيحية الأخرى لها ارتباطات غير محلية، سواء إقليمية أو دولية، لا بد من الرجوع إليها، مثل الكنيسة الكاثوليكية المحاطة بثلاثة مؤثرات، أولها الكنيسة المحلية برئاسة البطريرك ومجلس بطاركة الكاثوليك فى الشرق والفاتيكان، ففى الكنيسة المحلية تمت الموافقة، ولكن فى مجلس بطاركة الكاثوليك تبرز مشكلة أن أغلب الدول التى بها كاثوليك فى منطقة الشرق الأوسط يتم «التطليق» فيها من داخل الكنيسة وليس من المحاكم، وهو ما يمنح الكنيسة أن تضع ما شاءت من مواد دون وجود قيود من الدولة لأنها هى من «تطلق» عكس الأمر فى مصر، لأن «التطليق» مسئول عنه القضاء المصرى ووزارة العدل، قبل الانتقال إلى الدائرة الأوسع وهى الحصول على موافقة الفاتيكان على مشروع القانون، وتلك الإجراءات لا يمكننا أن «نلوم» الكاثوليك عليها، فهم يسيرون فى اتجاه الحصول على تلك الموافقات على مشروع القانون، وأنا أعتقد أنه فى القريب العاجل سيتم الحصول على الموافقات ويأخذ مشروع القانون إجراءاته الطبيعية فى الدولة لتشريعه رسمياً.
يعنى أنه لا صحة لعودة القانون للمربع الصفر؟
- لا إطلاقاً، فعلى المستوى المحلى توافقنا جميعاً على مشروع القانون، ولكنه يحتاج موافقة روما.
القانون الموحد يتكون من 10 أبواب بواقع 169 مادة.. ويتضمن إنشاء لجان لتسوية المنازعات الأسرية بمحاكم تابعة للكنيسة
وماذا عن تفاصيل مشروع القانون فى صورته النهائية؟
- القانون يتكون من عشرة أبواب بواقع 169 مادة، الباب الأول (الزواج وما يتعلق به) يتكون من 6 فصول بواقع 44 مادة منها الفصل الأول الخطبة 12 مادة، والفصل الثانى أركان الزواج وشروطه 4 مواد، والفصل الثالث موانع الزواج ويتكون من 9 مواد، والفصل الرابع إجراءات الخطبة والزواج ويتكون من 4 مواد، والفصل الخامس بطلان عقد الزواج ويتكون من 8 مواد، والفصل السادس حقوق الزوجين وواجباتهما ويتكون من 7 مواد.. أما الباب الثانى (النفقات) فيتكون من 3 فصول بواقع 25 مادة، والباب الثالث (فيما يجب على الولد لوالديه.. وما يجب له عليهما) ويتكون من فصلين بواقع 18 مادة، الباب الرابع (ثبوت النسب) ويتكون من فصلين بواقع 21 مادة، وتم فى هذا الفصل استحداث المادة 108 التى نصت على أنه يجوز إثبات النسب بكافة الطرق المقررة قانوناً وعدم حصرها فى طريقة واحدة، والباب الخامس (انحلال الزواج) ويتكون من فصلين بواقع 15 مادة أهمها المادة 113 التى يشار فيها إلى الزنا الحكمى، والمادة 114 الخاصة بالانحلال المدنى للزواج بالفرقة، والباب السادس (الجهاز) ويتكون من مادتين، والباب السابع (لجان تسوية المنازعات) ويتكون من 8 مواد وينص القانون على تبعية هذه اللجان للكنيسة بالمحاكم، وكل لجنة يرأسها أسقف كل إبراشية ولا تُقبل الدعاوى القضائية الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط قبل عرضها على هذه اللجان، ومنح الكنيسة، دون غيرها، حق إصدار تصاريح الزواج الثانى وعدم جواز الطعن على قرارات المجلس الإكليريكى أمام القضاء. ويشمل القانون لأول مرة فى الباب الثامن موضوع (الإرث)، ويتكون من 3 فصول، بواقع 20 مادة، أهمها النص على تركات الآباء البطاركة والأساقفة والرهبان، إذ ينص على أن «كل ما يتركه البابا البطريرك من مال أو عقارات أو منقولات يؤول إلى البطريركية ويكون القائم مقام أميناً عليها فيما هو لصالح الكنيسة ولا يكون له حق التصرف فيها لغير صالح البطريركية على أن يسلم الباقى للبابا البطريرك الجديد فور رسامته، ولا يرث البابا أقارب له من الجسد»، أما الأساقفة والمطارنة فيؤول إرثهم إلى إبراشياتهم، ويكون البابا أميناً عليها إلى حين تسليمها لمن يخلفهم ولا يرث الأسقف أقارب له من الجسد، وكذلك الراهب يؤول إرثه إلى الدير الذى ترهبن فيه ويكون لرئيس الدير المختص حق التصرف فى الإرث لصالح الدير، ولا يرث الرهبان أو الراهبات أقارب لهم من الجسد، فضلاً عن النص على مساواة المرأة بالرجل فى الميراث استناداً إلى المادة الثالثة بالدستور ونص الكتاب المقدس، كما يشتمل القانون لأول مرة على الباب التاسع (التبنى) ويتكون من 11 مادة، أما الباب العاشر (أحكام عامة) يشتمل على 4 مواد.
نستند فى إباحة التبنى والمساواة فى الميراث إلى المادة الثالثة بالدستور.. ونعالج مشاكل اجتماعية بتطبيق الشريعة المسيحية
ماذا تغير ليضاف فصلان للمواريث والتبنى فى مشروع القانون الجديد؟
- هذه قضايا شائكة، أولاً فصل المواريث بعد وضع المادة 3 فى الدستور، أصبحنا نحتكم إلى مبادئ الشريعة المسيحية فى أحوالنا الشخصية، والشريعة المسيحية نصاً فى الكتاب المقدس تساوى بين الرجل والمرأة فى هذا الأمر، إذاً وفق هذه المادة تم وضع باب للميراث وتم التأكيد فيه على مساواة الرجل بالمرأة بنص الكتاب المقدس الذى يقول: «غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل فى الرب»، فضلاً عن أنه دون الرجوع إلى مشروع القانون للأحوال الشخصية، العديد من السادة القضاة حالياً حكموا بمساواة المرأة المسيحية للرجل فى الميراث استناداً إلى نص المادة الثالثة من الدستور، إذاً نص تلك المادة أصبح أمراً حاسماً يُلزم أى تشريع جديد أن يراعى تلك المادة، أما التبنى فنحن نعالج مشكلة اجتماعية لأشخاص لم يرزقهم الله الإنجاب والنسل، وأسر رزقهم الله النسل الوفير دون وجود الدخل المادى الذى يغطى احتياجاتهم، فهنا نوع من تبادل المنفعة للطرفين بأن تتبنى الأسرة القادرة مَن هو غير قادر فى وسط أسرة فقيرة، وكلاهما يوافق، فلماذا لا إذا كانت الشريعة المسيحية لا تتعارض مع قضية التبنى؟
مشكلتنا مع قضايا الأحوال الشخصية أنك لا تستطيع أن تخرج فى الإعلام وتعلن لماذا اتخذنا قرارنا بالطلاق أو الزواج الثانى لأنها أسرار بيوت وعائلات
ولكن قد يرى آخرون أن «التبنى» ليس من الأحوال الشخصية الوارد ذكرها فى المادة الثالثة بالدستور المقصورة على «الطلاق والزواج»، فضلاً عن أن ذلك يتعارض مع القانون العام للدولة وبه خلط للأنساب؟
- الرد على ذلك هو أن «التبنى» شأن متعلق بالأسرة بصفة عامة، ولم الاعتراض إذا كان ذلك شأناً مسيحياً مطلقاً، فالمتبنِّى مسيحى والمتبنَّى مسيحى، وهناك مرجعية لقوانين كثيرة تبيح التبنى وليس الآن وقت ذكرها ، ونحن وضعنا مادة بأن يشار إلى المتبنى بأنه ابن فلان الفلانى بالتبنى دون إلغاء أسماء والديه الأصليين.
تعرضت مسودة مشروع القانون لانتقادات حادة من بطريركية الروم الأرثوذكس واعتبروها غير ملزمة لها وتجاهلتها ووصفت مشروع القانون بالمخالف للدستور؟
- أنا أرى أن النقاط الخلافية تناقش فى الغرف المغلقة وليس على ساحات الإعلام، ومع ذلك أقول إن الباب مفتوح على مصراعيه لأى طائفة تدلى برأيها فى القانون، والقانون لا يُفرض على طائفة جملة وتفصيلاً، فالقانون يُعرض على الكل وما يتفق عليه يتفق، وما يُختلف عليه يختلف، ويشار بجانب كل مادة لما ترغب فيه الطائفة الأخرى، ونحن لا نلومهم لأن فكرهم قد يختلف عن فكرنا، وإنما لهم كل الحق أن يكتبوا ما شاءوا ويضيفوا ما شاءوا، والباب لا يزال مفتوحاً ومشروع القانون لم يصل بعد إلى وزارة العدل أو البرلمان.. أما ردنا على ما قيل فى الإعلام فإن المحبة تقتضى ألا أعلق.
الزواج فى المسيحية عمل دينى وليس مدنياً ويستند لرغبة الطرفين فى الارتباط ولا يصح إلا بإقامته فى الكنيسة والصلوات الطقسية
يصف بعض المعترضين على مشروع قانونكم بأنه تسلط كهنوتى على رقاب شعب الله المدعو إلى حرية اختياره؟
- مشروع القانون اعتمد على تعاليم السيد المسيح حول الزواج والطلاق والتى وردت فى 4 مواقع فى الإنجيل وهى: «إنجيل متى الإصحاح الخامس فى الموعظة على الجبل والتى تُعد دستور المسيحية، إنجيل متى الإصحاح 19، إنجيل مرقص الإصحاح 10، إنجيل لوقا الإصحاح 16»، أولاً هناك 3 مبادئ حول الزواج فى المسيحية وهى: «الزواج فقط بين رجل واحد وامرأة واحدة»، يعنى ليس هناك زواج مثلى أو تعدد للزوجات أو الأزواج، الزواج علاقة اتحاد وليس مجرد شركة حياة، الزواج عمل إلهى يُكمل العمل البشرى الذى يشتمل على رغبة بين رجل وامرأة فى الزواج وإشهار هذه العلاقة وتوثيقها أمام الدولة، والعمل الإلهى يتضح من خلال إتمام الزواج فى الكنيسة عبر صلوات طقسية، ثانياً هناك خمس مبادئ حول الطلاق فى المسيحية، إذ إنه طالما الزواج تممه الله فلا بد أن يكون الطلاق وفقاً لرؤية مسيحية، والمبادئ الخمسة هى «لا طلاق إلا لعلة الزنا».. من يطلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى لأنها فى نظر الله ما زالت زوجته ويجعلها الطلاق إما تنحرف خارج الزواج أو تتزوج كنسياً خلافاً للإرادة الإلهية.. من يتزوج بمطلقة يزنى، سواء تم طلاقها لزناها فهى غير مستحقة لزواج ثان، أو تم طلاقها لغير الزنا فهى ما زالت زوجة الأول أمام الله.. من يطلق امرأته لغير الزنى ويتزوج بأخرى يزنى، فبالرغم من أنه طلقها مدنياً فإنها فى نظر الله ما زالت زوجته، ويوجد على ذلك نص حاسم شامل قاطع فى إنجيل لوقا.. المساواة بين الرجل والمرأة فى الطلاق، أى ما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة فلا طلاق فى المسيحية إلا لعلة الزنا.
"السبتيون" و"شهود يهوه" غير مرحب بهم للمشاركة فى قانون الأحوال الشخصية لأنهم غير معترف بهم كنسياً
الدولة ترغب فى قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين فى مصر، ولكن الطوائف المسيحية الكبرى ترغب فى استبعاد طوائف أخرى من مشروع القانون كـ«السبتيين» المعترف بها كطائفة مسيحية فى مصر؟ ألستم برفضكم تضعون حجر عثرة فى طريق إقرار القانون؟
- «السبتيون» غير مرحب بهم للمشاركة داخل القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين، لأنهم غير معترف بهم كنسياً، كطائفة مسيحية مثل «شهود يهوه»، من جميع الطوائف المسيحية فى مصر، اعتراف الدولة بهم فهذا شأنها، ولكن لا يمكن المشاركة فى وضع مشروع قانون واحد وهم مختلفون معنا فى جوهر الإيمان والعقيدة، وكل الحق للدولة أن تضع لهم قانوناً خاصاً بهم ولا دخل لنا فى هذا الأمر، فهذا القانون اسمه «الموحد» ومساحة التوافق بين الطوائف التى تضعه كبيرة جداً، والنقاط الخلافية قليلة جداً وهو ما يشار إليه داخل القانون، أما إذا جاءت طائفة تختلف معك فى العقيدة والإيمان وكل الطوائف لا تعترف بها، فكيف توضع فى هذا القانون وهى تواجه هذا الرفض من الباقين.. أما عن أننا نضع حجر عثرة أمام إقرار القانون فهنا أسأل سؤالاً: «ما هو وضعهم فى لائحة 1938؟»، ما كان يطبق فليطبق فى المستقبل، فلم يكن لهم لائحة ولم يكن لهم قانون وكانوا يخضعوا للقانون العام وهو لائحة 1938 التى وضعها المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس.
2020 آخر دورة برلمانية لمجلس النواب الحالى، هل تستطيع الكنائس الانتهاء من القانون وتمريره خلالها أم لا؟
- هذا يتوقف على رد إخوتنا الكاثوليك، وعلى ما ينتظر البرلمان الحالى فى آخر دورته من كم القوانين الهامة جداً، وأنا أعتقد أننا سننتهى من مشروع القانون خلال أسابيع معدودة داخل الكنائس.
لم أظلم أحداً خلال عملى كقاض للأحوال الشخصية بالكنيسة فلن أكون أكثر رحمة بهم من السيد المسيح.. ونناقش التعاليم الخاطئة داخل "الغرف المغلقة"
29 عاماً ظللت فيها قاضى الأحوال الشخصية داخل الكنيسة، هل أنت راضٍ عن عملك خلالها، ألم تتعرض لقضية وشعرت أنك قد تكون ظلمت أحد طرفيها؟
- إذا افترض إنسان أنه مجمّل بالكمال والقداسة، فهذا غير مقبول على الإطلاق، والإمكانيات البشرية قد لا تساعدك، فقرارنا مبنى على معطيات وتحقيقات تمت وتقارير مقدمة إلينا، فماذا إذا كانت تلك التقارير غير دقيقة؟ ولكن على مدار هذا التاريخ لو وجدت أن قضية استندت إلى تقرير غير دقيق ألغى القرار، لأن قراراتنا تستند إلى أمرين وهما «الكتاب المقدس، والقوانين التى تتوافق مع الكتاب المقدس»، ومشكلتنا مع قضايا الأحوال الشخصية على مدار هذا الزمان أنك لا تستطيع أن تخرج على الإعلام وتعلن لماذا صرحت لهذا الإنسان بالزواج الثانى أو لا، لأنها أسرار بيوت وعائلات، ونحن فى مكاننا توصلنا إلى الحقيقة المجردة، ولكن تلك الحقيقة تشين إنساناً فلا يمكن أن نعلنها، وفى كثير من الأمور أحكم بقرينة أو بقرار، ولا نستطيع أن نتكلم عن أسباب قراراتنا ونلتزم بالصمت.
هوجمتم من قبَل متضررى الأحوال الشخصية، ألم يدفعك ضغط هجومهم عليك للتراجع عن بعض أفكارك؟
- لم يحدث أن تراجعت عن أفكارى ومبادئى تحت ضغط، وأنا تسلمت ملف الأحوال الشخصية داخل الكنيسة فى مارس 1989، وكنت كُلفت بتولى إيبارشية طنطا فى يونيو 1989، ومنذ تلك اللحظة لم أتعامل ولم أتقابل ولم أزر ولم أسمح بزيارة أحد لى من جميع رموز الأقباط أو رجال الأعمال الأقباط، فلقد صرت قاضياً لا بد أن تعيش فى دائرة مغلقة حتى يحكم ضميرك فى القضية ولا تتأثر بالعلاقات، وهذا كان سر نجاح الأمر، فضلاً عن أن البابا الراحل كان سنداً قوياً، وبشدة، لأننا ننفذ ما يتطابق مع الكتاب المقدس الذى أيضاً يتطابق مع فكر البابا شنودة، كذلك المتظاهرون من متضررى الأحوال الشخصية إما أنهم أشخاص ليس لهم حق فى التصريح بالطلاق والزواج الثانى أو أشخاص تحركهم بعض الشخصيات التى لها مصلحة فى هذا الأمر، فمثلاً حينما كنت أمثل الكنيسة فى اللجنة التأسيسية لدستور 2012 فى عهد الإخوان، وكنت أطالب بالمادة الثالثة للدستور التى تنص على الاحتكام لشرائعنا فى الأحوال الشخصية، وهو ما يمنحنا حق غلق باب منح الطلاق لاختلاف الملة، ولكن المنتفعين من «تغيير الملة» الذين يتقاضون عشرات الآلاف فى شهادات «تغيير الملة» من سوريا أو لبنان أو غيرها، والذين من خلالهم ينتفع مئات الأشخاص من الفتات الساقط من هذه المبالغ، يقبلون ذلك. ولاحظت وقتها أن القيادى الإخوانى محمد البلتاجى جمع تلك المجموعة والمعترضين داخل مجلس الشورى وتمت إذاعة اللقاء على الهواء فى التليفزيون، ولم يكن البلتاجى يهدف لتجميد المادة الثالثة بالدستور، ولكن استخدام تلك القضية كان كنوع من الضغط لأن نقبل المواد التى نرفضها فى الدستور، ولكن لم نخضع لابتزاز أو ضغوط واستمررنا حتى نلنا المادة الثالثة ويومها أعلنا انسحابنا من الجمعية التأسيسية للدستور.
وماذا تقول لهم وقد ابتعدت عن منصة القضاء فى هذا الملف وصرت مشرعاً للقانون الجديد؟
- أقول لهم اقرأوا الكتاب المقدس (متى 5، متى 19، مرقس 10، لوقا 16).
ألا تقول لهم إنك لم تظلمهم؟
- لن أكون أكثر رحمة بهم من السيد المسيح الذى علمنا تلك التعاليم، وينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس، وينبغى أن تخضع لضميرك لا لعاطفتك، وينبغى أن تنظر لمحاسبة اليوم الأخير وليس محاسبة الشارع فى الحاضر.
انتشر مقطع فيديو لكم تشكون من محاولات طوائف أخرى جذب الأقباط إليها؟ ماذا فى هذا الملف؟ وهل هناك حرب خفية بين الطوائف على جذب أتباع بعضها البعض؟
- هذه الأمور تناقش فى غرف مغلقة وليس فى الإعلام.
تُعد مطرانية طنطا أول سجل «إلكترونى» فى الكرازة المرقسية.. ما تفاصيل هذا المشروع؟
- نشكر الله أننا لدينا رؤية وسياسة مستقبلية عما سيحدث فى العالم، والتكنولوجيا صارت إحدى أدوات العصر ومنافعها كثيرة جداً، فهى توفر الوقت والجهد وتوحد الفكر، وهذا ما فعلناه، فالغينا التقارير الورقية، وصارت منظومة إلكترونية تشمل المطرانية كلها وأصبح كل أب كاهن فى المطرانية يقوم بتفقد عدد معين من الأسر القبطية بحيث يتم تغطية وتفقد كل قبطى فى الإيبارشية، وكل كاهن كان فى السابق يكتب تقريراً شهرياً عن أحوال الأسر التى يتفقدها، أما حالياً فإنه فى نهاية كل يوم يكتب الكاهن تقريره إلكترونياً ويرسل فى لحظتها للمطرانية، وإذا كانت هناك أسرة فى حاجة للعلاج يذهب للمختصين فى الإيبارشية، وإذا كانت تحتاج إلى إعانة يذهب أيضاً التقرير للمختصين من الخدام فى الإيبارشية والذين يتحركون فى اليوم التالى صوب تلك الأسر لتلبية متطلباتها، وهو ما ساعد فى توفير الوقت وسرعة تأدية المهام بكفاءة، كما أنه يمدنا بمعلومات عن الخدمات والأنشطة الكنسية وخاصة مدارس الأحد، لنعلم من يذهب ومن لا يذهب، ومَن المميز فيهم لتكريمه فى نهاية كل فترة، بل إننا ذهبنا إلى «الشمول المالى» قبل توجه الحكومة، بأننا لا نصرف رواتب الكهنة عبر الخزنة ولكن عبر حسابات بنكية تحول مرتباتهم فى موعد ثابت ويحصل الكاهن على مرتبه من «ماكينات» تم وضعها داخل الكنائس.
تم تكريمكم مؤخراً من قبَل البابا نظراً لتميز الإيبارشية فى مجال التعليم ضمن الرعاية الاجتماعية.. ماذا فعلتم فى الايبارشية لتحصلوا على التكريم؟
- لجنة الرعاية الاجتماعية خاصة بالفقراء، ونحن وجدنا أننا نعطى الفقير «سمكة» وليس «صنارة»، ولذا ذهبنا لمنحه «الصنارة» بالإنفاق على تعليمه، ولدينا أكثر من مرحلة للاهتمام بتعليم الفقراء، أولاها مرحلة ما قبل الصف السادس الابتدائى، وهنا تم تكليف مجموعة من الخدام بالذهاب إلى المنازل وإحضار عدد من الأطفال، ويتم تعليمهم أبجديات القراءة والكتابة، والمرحلة الثانية تبدأ من الصف السادس الابتدائى وحتى الثانوية العامة، وفيها يتم عمل مراكز فى الكنائس للتعليم، وهنا نراعى حساسية مشاعر الفقير، فلو قلنا إن تلك المراكز لتعليم الفقراء لن يحضروا، ولكن نفتحها للعامة ونُحضر أفضل المدرسين، ويشترك فيها الجميع، إذ نعطى الفقير سراً ليدفع، والقادر يدفع من تلقاء ذاته، وذلك لرفع مستواه التعليمى، والمرحلة الثالثة هى مرحلة الجامعة، ونراعى فى رعاية فئات الفقراء.. مكان السكن الذى يعيش فيه، ونوع الدراسة الجامعية التى يتلقاها، لتلبية احتياجاته كاملة.
30% من ميزانية الإيبارشية تذهب لجهود الرعاية الاجتماعية ومساعدة الفقراء.. وكل كاهن مسئول عن تفقد عدد من الأسر ورعايتها
كم تبلغ نسبة إنفاق الرعاية من ميزانية إيبارشية طنطا؟
- اليوم أصبحت الظروف المعيشية للمواطنين صعبة، والدولة تعمل على مساعدتهم عبر البرامج والأنظمة المختلفة لمد مظلة الحماية الاجتماعية، ولكن تلك الإجراءات غير كافية نظراً لمحدودية إيرادات الدولة، ولذا نجد أنه من 25 إلى 30% من إيراد الإيبارشية على الأقل تذهب لخدمة الفقراء، وخدمتهم لدينا مركزية، إذ إن الكنيسة تعلّم أولادها أن يدفعوا العشور، وهناك لجنة مركزية تأخذ العشور من الكنائس، فضلاً عن الموارد الأخرى لها للإنفاق على تلك الخدمة.
"الفلك" مشروع كنسى فريد من نوعه فى مصر لرعاية ذوى القدرات الخاصة من المسلمين والأقباط بالمجان فى طنطا ويحقق بعض طموحات الكنيسة
ما تفاصيل مشروع «الفلك» الذى بدأتم بتنفيذه مؤخراً فى إيبارشية طنطا؟
- هو مشروع فريد من نوعه فى مصر لرعاية ذوى القدرات الخاصة، ويأتى انطلاقاً من رسالة الكنيسة القبطية ودورها الروحى وحرصها على التنمية المتكاملة للإنسان، وهو يحقق بعضاً من طموحات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى رعاية هذه الفئة، والمشروع المقام فى منطقة «حصة أكوة» بمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، على مساحة 6332 متراً مربعاً قائم على دراسة ميدانية قمت بها بنفسى للكثير من المشروعات المشابهة فى إيطاليا وسويسرا، والآن يتم تدريب 2 من القيادات بالإيبارشية لمدة عام فى عدة أماكن بإيطاليا من أجل إكسابهما الخبرة العملية، كما يتم تدريب نحو 30 شاباً وفتاة متخصصين فى هيئة سيتى التابعة لكاريتاس لمدة سنتين بتكلفة 2 مليون جنيه، لتأهيلهم للخدمة فى المشروع الذى فى مرحلة الإنشاء. ونهدف من وراء ذلك المشروع إلى تحويل هذه الفئة إلى عناصر منتجة ومؤثرة إيجابياً فى المجتمع، حيث يخدم المشروع 4 فئات: المقيمين بالمبنى وعددهم 150 شاباً وفتاة فوق 18 سنة، وعدداً مساوياً للعدد السابق لأعمار ما بين 4 إلى 18 سنة يترددون على المكان على مدى ساعات النهار لتنمية قدراتهم الحسية والحركية والذهنية والتعليمية والحرفية، وخدمة الأهالى لتنمية قدراتهم فى التعامل مع أبنائهم، وتأسيس معهد لإعداد خدام للعمل فى المشروعات المشابهة فى أى مكان آخر»، والمشروع يقدم بالمجان ويخدم المسلمين والأقباط، ويعمل على النهوض بالقرية الموجود فيها وتسليط الضوء عليها وتنميتها برصف الطرق وإنشاء المدارس فيها، وتم إطلاق اسم «الفلك» عليه لأن تصميم المبنى على هيئة فلك نوح بما يحمل من معان سامية، فنسعى من خلاله ليكون وسيلة حياة تنقل ساكنيها والمترددين عليها إلى حياة جديدة ملؤها الأمل، ونأمل أنه على 2022 يكون تم الانتهاء من تشطيبات المبانى وبدأ استقبال الراغبين من هذه الفئة، ونحن لا نقيم مبنى ولكن نعمل على نشر فكر لخدمة المجتمع والإنسان.
نيافتك أحد مديرى فروع الكلية الإكليريكية.. كيف ترى الجدل الذى يثار بين الحين والآخر حول التعاليم الخاطئة بالكنيسة؟
- يناقش فى غرف مغلقة وليس فى الإعلام.
المجمع المقدس داخله تعدد آراء وليس انقساماً والتعاليم الخاطئة بالكنيسة تناقش فى الغرف المغلقة وليس بالإعلام
لماذا يشعر بعض الأقباط أن هناك حالة انقسام داخل الكنيسة وخلافات بين الأساقفة؟
- داخل المجمع المقدس هناك تعدد آراء وليس انقساماً، والآراء المختلفة تُحترم وتثرى الحوار، والحوار قادر على حل أى مشاكل.
ما أحلامكم للوطن والكنيسة فى 2020؟
- أن يصبح كل فرد فى الوطن له دور فى تنمية مصر، مش بس يكون الوطن ليه دور فى تحقيق أحلام كل فرد، علينا أن نسأل أنفسنا: دورك إيه؟ رسالتك إيه للوطن؟، أحلامى أن يطرح كل واحد فكراً إيجابياً تتبناه الدولة وليس الاكتفاء بالنقد، فليس كل ناقد هو صاحب فكر، نريد أن نبنى الدولة مع بعضنا، الدولة تنمو بسرعة كبيرة، ونتمنى أن يتواكب حجم الاستثمار مع حجم البنية الأساسية التى أنشئت فى مصر، وأتمنى من القطاع الخاص فى مصر أن يكون له دور مواكب فى عملية البناء بعد الدور القوى الذى قامت به الدولة والقوات المسلحة خلال الفترة الماضية.
الشائعات التى تطال الدولة وراءها كيانات من خارج مصر تسخّر أخرى بالداخل.. ولابد أن نشغل الشباب قبل أن يشغلونا
تعانى الدولة والكنيسة من الشائعات التى باتت تطول الجميع.. كيف ترى هذا الأمر.. وما روشتة مواجهتها؟
- لا بد أن ندرك أن وراء تلك الشائعات ربما كيانات من خارج البلد تسخّر كيانات من داخل الدولة للمساس بأمنها، وأن ندرك أن خلف تلك الشائعات فى بعض الأحيان عدم وجود قنوات لتفريغ شحنة الغضب أو الزعل أو الرأى المعاكس، وربما وراءها عدم الشفافية الكاملة فى المعلومة، وربما وراءها المناخ الإلكترونى الموجود فى العالم، وربما وراءها عدم السبق بنشر المعلومة الإيجابية. وهنا لا بد أن نعرف عن قطاع الشباب كيف يفكر، وأن نسبق ونحصّنه بالمعلومة الصحيحة والدقيقة، وأن ينخرط الشباب داخل أنشطة عديدة فى الدولة لخدمة المجتمع بدلاً من الانخراط فى أفكار مدمرة، وهذا ما يتم حالياً ويتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه، ولكن أتمنى أن يكون الدور مع الشباب نابعاً من الأحزاب والمحافظات، فإن لم نشغل الشباب سيشغلوننا.
كنت أحد صنّاع المشهد المصرى خلال السنوات الماضية، من كتابة الدستور وسعيكم لإيجاد تمييز إيجابى للأقباط فى البرلمان، ووصولاً لقوانين بناء الكنائس والأحوال الشخصية.. كيف ترى التطور الإيجابى لذلك على مسار منظومة المواطنة فى مصر؟
- علاقة الدولة بالكنيسة غير مسبوقة على مدى تاريخ الكنيسة المعاصر، لا أقول علاقة الكنيسة بالدولة، لأنها ثابتة، وعلاقة كيان وطنى يتمسك بالدولة لأن وجود الدولة وسلامها يؤثر على سلامها ووجودها، إنما أتحدث هنا عن علاقة الدولة بالكنيسة، ويتضح ذلك من خلال الدستور والمواد التى تخدم الكنيسة والأقباط بصفة خاصة داخله، والقوانين التى تصدر والتشجيع على صدور قوانين تخص الأقباط، والتمثيل البرلمانى للأقباط، فعدد غير مسبوق بالانتخاب، والدولة فكرت جدياً كيف يصل الأقباط للبرلمان بالانتخاب، فكان هناك فكرتان بإرادة الدولة، الأولى: القائمة المغلقة التى تضمن عدداً معيناً من الأقباط ينجحون فى دخول البرلمان بدلاً من فكرة القائمة النسبية، والفكرة الثانية: تقليل مساحة الدوائر الانتخابية، ما أعطى فرصة للكيانات القبطية المتمركزة فى بعض المناطق أن تنجح وتصل للبرلمان بدلاً من اتساع الدائرة، كما كان فى السابق، وكان أقصى طموحات القبطى أن يصل لجولة الإعادة ولكن لا ينجح فى النهاية، فتلك إرادة دولة، مثل تمثيل الأقباط فى تولى المناصب القيادية مثل أنه لأول مرة يوجد اثنان من المحافظين الأقباط، وتصر الدولة على تلك الصيغة فى حركة المحافظين الجديدة، رغم أن لدينا تجارب سلبية فى هذا الأمر سابقاً، ولكن الإرادة السياسية حينما تتمسك بهذا الأمر فالقاعدة تعمل فى نفس التوجه فى سيمفونية مع القيادة السياسية.
يقول البابا شنودة فى بعض أشعاره: «كبخار مضمحل عمرنا.. مثل برق سوف يمضى مثل ومض»، محطات مر بها المهندس عزمى ثم القمص توما البراموسى وصولاً إلى المطران الأنبا بولا، كيف تصف رحلتكم؟
- أريد أن أقول: تراب ورماد وُضع فى يد الله فكان الأنبا بولا، تراب ورماد وُضع فى قلب البابا شنودة كابن له فصار الأنبا بولا، تراب ورماد كان نبتة مصرية فتمتعت بوجود دور لها فى الكيان المصرى، فكان الأنبا بولا، فأنا مجرد تراب ورماد، ولكن العمل الإلهى وعمل الكنيسة وعمل الدولة كانت وراء هذه الشخصية.
ما الذى تتمنى أن يذكرك الناس به؟
- مجرد خادم الناس، وأمين على الإنجيل وتنفيذ وصاياه، وأنا أعانى كثيراً من محبة الناس، فأى مكان أزوره أو ألقى به عظة أو أستقبل زواراً فى مطرانية طنطا، لازم أن أضع فى اعتبارى منح ساعة على الأقل فقط للتصوير، لأن شعبنا طيب ومحب، واليوم من كانوا يهاجموننى سيصلون للحقيقة بطريقة أو أخرى.
حينما يتجه القبطى للرهبنة يسعى للالتصاق بجدران الدير لعله يصل إلى رتبة «القديسين».. هل سعيت فى الدنيا لأن تصير «قديساً»؟
- أى إنسان يسعى للكمال، ولكن الكمال لله وحده، إنما دون أدنى شك فأنا كأغلب الرهبان ذهبت للالتصاق بالدير، ولكن ربما كانت ظروفى مختلفة نوعاً ما، فكان أول لقاء لى مع البابا الراحل شنودة وجهاً لوجه يوم أن أخذنى بسيارته ليوصلنى للدير بنفسه، فلم أستطع من قبل أن أقابله لهيبة البابا، ومن هذه اللحظة البابا شنودة تبنى هذا الشاب الصغير الذى كان عنده وقتها 24 سنة، وظروف غريبة مررت بها، فكان أى طالب رهبنة يمضى سنوات فى الدير ليرسم راهباً، ولكن أنا بعد 37 يوماً فى الدير تمت رهبنتى، وأى راهب يحتاج لسنوات ليصير كاهناً، ولكن أنا بعد 40 يوماً صرت قساً، وأى راهب يحتاج سنوات ليخرج خارج الدير للخدمة بالكنيسة، ولكن أنا بعد 14 شهراً تمت رسامتى وانتقلت للخدمة على غير إرادتى، لأننى بعد أسابيع من رسامتى فى الدير ذهبت وحفرت مغارة بعيدة عن الدير، وكنت أمضى ثلثى الأسبوع فى تلك المغارة، ولما أُخذت على غير إرداتى للرسامة فى ذلك الوقت استمررت 12 عاماً كاملة أقضى أول أسبوع فى كل شهر داخل تلك المغارة لأعبد الله، ولا أتعامل مع أى إنسان خلال هذا الأسبوع، وتلك هى الفترة التى كنت أخدم فيها مع الأنبا بيشوى مطران كفر الشيخ الراحل لأنه كان هناك اثنان يخدمان، وكان هناك وقت لذلك، ولكن منذ أن كلفت بطنطا والمجلس الإكليريكى العام للأحوال الشخصية بالكنيسة أصبح مستحيلاً أن أقضى هذا الوقت فى المغارة.
هل رجال الكهنوت معصومون من الخطأ؟
- لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ مهما كان، فإن لم يكن الخطأ بالفعل كان الخطأ بالفكر، ونعمة الله هى التى تحفظ الإنسان وليس إمكانيات الإنسان، وبُعدك عن الله يعرضك لضعفات وسقطات لا يقبلها الإنسان.
وفيمَ قد يكون أخطأ الأنبا بولا؟
- كل إنسان تحت الضعف، وأعترف بها لأب اعترافى.
بعد شهور قليلة ستحيى الكنيسة الذكرى الثامنة لنياحة البابا شنودة وأنتم من جلستم فى حضرته عقوداً من الزمن، كيف ترى رحلته وماذا تعلمت منه؟
- البابا شنودة فلتة تاريخية لن تتكرر، فهو إنسان متعدد المواهب إلى أبعد حد، إنسان تحكمه القيم والوصية الإنجيلية، ويجمع فى شخصه أغلب الصفات التى تجمله، فكيف لشخص يجمع بين القوة والحزم والحسم وبين العاطفة وفيض الحب وحكمة التوجيه وقوة القرار، وكان رجلاً وطنياً للنخاع وليس بالشعارات أو الكلمات بل بالفعل، ولم تمنعه وطنيته ومحبته للبلد أن تكون له مواقف قوية قد لا يرضاها المسئول عن الدولة، لأن ضميره وقيمه يحركانه.
وفاة البابا شنودة أصعب يوم فى حياتى.. لأنه "قديس" والحمام الأبيض استقبلنا يوم اصطحابه إلى دير البراموس للرهبنة
كنت أحد القلائل الذين وجدوا فى المقر ورافقت جثمان البابا الراحل بعد الوفاة، ماذا قلت له وقتها؟
- هذا اليوم من أصعب أيام حياتى، فقد تلقيت الخبر أثناء إلقائى محاضرة فى ألمانيا، وأنهيتها وغيرت تذكرة السفر للعودة للقاهرة، وحين حضورى للمقر البابوى، وجدت أموراً تحتاج إلى تدخل دون أن يُطلب منى، من جهة النظام والترتيبات والجنازة والدفن، ومن جهة دخول وخروج الناس، فانخرطت فى منظومة التنظيم حتى وصلت إلى يوم الأربعين لرحيله، وصرت مسئولاً عن كل مراحل التنظيم بعد ذلك بالكنيسة بروح المسئولية، وكان يوم وفاة البابا شنودة أصعب يوم فى حياتى للعلاقة الخاصة التى تربطنى به، كابن للاعتراف وكابن تتلمذ عليه، وكنبتة ضعيفة جداً تولاها هو بالعناية، وهو من شجعنى على الكتابة والتدريس فى الكليات اللاهوتية، وكان يراجع مقالاتى فى مجلة الكرازة كلمة بكلمة، فكان مشجعاً لأبعد حد، ولكن صعوبة الأمر أن يوم الوفاة 17 مارس هو ذاته اليوم الذى اصطحبنى معه فى سيارته إلى دير البراموس، وهنا تذكرت هذا القديس وأقول عليه «قديس» لأنه قبلها الأب الأسقف الذى أخذنى لأخذ الإذن من البابا للرهبنة وكان وقتها الأنبا بيشوى أسقف المكان الذى ولدت فيه فى كفر الشيخ، ولم أستطع يومها لقاء البابا، وكان الأنبا بيشوى هو من ينقل الكلام بينى وبين قداسة البابا، وفى النهاية اتفقت على ما أراده البابا، إذ تم وقتها تغيير التوقيت الذى كنت أنوى دخول الدير فيه، كما تم تغيير الدير الذى اخترت الالتحاق به، لأن البابا رأى ذلك، وكانت المفاجأة أنه كان ينتظرنا فى اليوم الذى اختاره لى لدخول الدير ليصطحبنا بسيارته إلى هناك، وكان المكان الذى اختاره دير البراموس فى وادى النطرون، ولم يكن لى وقتها علاقة بالدير أو رهبانه ولم يسبق لى زيارته، وكان الطريق الموصل للدير طريقاً ترابياً فى الصحراء، ولكن فى هذا الوقت وكان موعدنا هناك فى ظهيرة 17 مارس لم نر التراب يتطاير من خلف وأمام السيارة بل رأينا عشرات الآلاف من الحمام الأبيض على جانبَى الطريق لمسافة عدة كيلومترات بشكل مبهر حتى وصلنا إلى منطقة مرتفعة من المدق الترابى ووجدنا الدير فاختفى الحمام من على الطريق، فأظن أن تلك ظاهرة روحية أو سماوية لاستقبال هذا القديس الذى كنت أجلس بجواره، ويوم وفاته كانت تلك المشاعر وتلك الصورة بداخلى ولك أن تتخيل مشاعرى يومها معه.
البابا تواضروس تحول لأسد زائر فى وجه رئيس ديوان «مرسى» حينما قال له إن الكنيسة تقف ضد الإخوان والدولة.. فعدّد البطريرك أخطاء النظام وتساءل: كيف أشارك فى تلميعكم؟
بحكم مناصبك فى الكنيسة كنت أحد رجالها الذين احتكوا بطريقة مباشرة مع عناصر تنظيم الإخوان، وكانت هناك لقاءات كثيرة جمعتك ببعض الأشخاص منهم، وهم من حمّلوا الأقباط مسئولية معظم الفشل الذى مروا به فى عام حكمهم؟ هل عرضوا على الكنيسة صفقة بمعنى الموافقة على بعض مطالبها المشروعة مقابل الصمت عن خطاياهم؟
- لم يحدث مثل هذه الأمور، بحكم تمثيلى للكنيسة فى الجمعية التأسيسية لدستور 2012، و كنت أتقابل ومعى نيافة الأنبا باخوميوس قائم مقام البابا فى ذلك الوقت مع قيادات الإخوان، لنتناقش فى مشاكل الأقباط وما يعانونه، ولكن لم يعرضوا شيئاً مقابل شىء، إلا أنه لأجل التاريخ لا بد أن أذكر أنهم فى وقت من الأوقات حاولوا أن يضغطوا من أجل أن نعود إلى اللجنة التأسيسية للدستور بعد انسحابنا منها، وفى إحدى تلك المحاولات أرسل الرئيس الإخوانى محمد مرسى وقتها رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وقتها رفاعة الطهطاوى للكنيسة لمحاولة الضغط وعودتنا للتأسيسية، ووقتها طلب منى البابا تواضروس الثانى أن ألتقى به فى البداية، وأكدت له أنى لن أعود إطلاقاً، ثم التقاه البابا بعد ذلك وفوجئنا وقتها أن «الطهطاوى» بدأ يهاجم الكنيسة فى علاقتها بالإخوان وأن الكنيسة تقف ضد الإخوان والدولة، وكان البابا وقتها فى ردوده كأسد زائر واستعرض أخطاء الإخوان وقت أن كان الإخوان فى حكم مصر، وأنا فوجئت بقوته ورده فى ذلك الوقت على ممثل الرئيس دفاعاً عن الكنيسة الوطنية وفى نفس الوقت يضع نقاط الضعف التى يعانى منها الشعب المصرى من يوم أن تولى الإخوان رئاسة الدولة مثل المصانع التى تغلق وزيادة نسبة البطالة، وتساءل البابا، كيف يمكن أن يشارك فى تلميع دولة بهذا الشكل!
علاقة الدولة بالكنيسة غير مسبوقة على مدى التاريخ المعاصر.. والرئيس يقدم القدوة والمثل بزيارته الكاتدرائية ليلة العيد
كيف ترى زيارات الرئيس السيسى إلى الكاتدرائية وحضوره كل عام لتهنئة الأقباط فى عيد الميلاد؟
- أمر غير مسبوق يتمتع به الرئيس ويتمتع به الأقباط، وهذا الرجل يقدم مثالاً وقدوة لكل مسئول فى الدولة.