"مصر المباركة".. حقيقة في الكتاب المقدس تحولت إلى "مشروع قومي"
إسحاق عجبان يتحدث لمحررة «الوطن»
حقيقة كتابية ذُكرت فى الكتاب المقدس، ووردت عنها نبوءات فى العهد القديم، وتفاصيل فى العهد الجديد، وذكرتها مصادر كثيرة فى القرون الأولى، وهى «رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر»، دون كل بقاع الأرض، كموطن ثان للمسيح بعد موطنه الأصلى فلسطين، الرحلة التى استغرقت نحو 3 سنوات و11 شهراً، وكان لتوثيقها فى العصر الحديث جهود كبرى قامت بها الدولة المصرية بكل هيئاتها ومؤسساتها مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
«تحمل بركة كبيرة لوطننا، تحقيقاً لقول الكتاب المقدس «مبارك شعبى مصر»، بل وتعد من المميزات التى تمتاز بها بلادنا، بهذه الكلمات استهل الدكتور إسحاق عجبان، أستاذ التاريخ، عميد معهد الدراسات القبطية، ممثل الكنيسة القبطية فى اللجنة العليا لمسار رحلة العائلة التابعة لوزارة الآثار، وصفه للرحلة التى استغرقت 4 سنوات لإعداد كتابه عنها، قائلاً: «إنها حقيقة تاريخية وردت فى مصادر تاريخية متعددة وأيضاً هى حقيقة أثرية، حيث تركت آثاراً تدل على مسار الرحلة، منها مغارات وآبار وأحجار وأشجار أقيمت حولها أديرة وكنائس أثرية توثق آثار رحلة السيد المسيح والعائلة المقدسة كلما خطت أقدامهم على أرض مصر المباركة، هذه الرحلة تحمل بركات روحية لأرض مصر تحقيقاً لقول الكتاب المقدس «مبارك شعبى مصر».
"عجبان" عن توثيق رحلة العائلة المقدسة: استندت لـ19 نوعاً من المصادر.. وبردية من القرن الخامس حسمت مدة بقاء المسيح بمصر
ويتابع «عجبان» لـ«الوطن»، أن الرحلة لها تأثيرات حضارية عدة، حيث ارتبط بها كثير من الفنون القبطية مثل فن الأيقونات والموسيقى القبطية والألحان والطقوس الكنسية والاحتفالات الشعبية بل ونصوص تاريخية وأدبية بلغات متعددة، فضلاً عن نشأة واستقرار تجمعات عمرانية حول مواقع ترتبط بالمسار، وأخيراً القيم الإنسانية التى نتعلمها منها، ومنها مساندة ومساعدة كل المتألمين والمتعبين والمحتاجين والمظلومين واستضافة الغرباء، ومعاونة كل الذين بلا مسكن ولا مأوى، وضرورة مساندة الإنسان لأخيه الإنسان فى كل الأحوال والظروف، إنها منظومة من القيم الإنسانية نستمدها من رحلة العائلة المقدسة فى أرض مصر المباركة.
«ستصيرين لى موطئاً لقدمى فى يوم ميراثك فى بشنس. طفولة ابنى تكون فيكِ ثلاث سنين وأحد عشر شهراً عندما يطارده الأعداء»، هذه الجمل المكتوبة فى البردية التى حسمت مدة وجود المسيح على أرض مصر، وهى بردية باللغة القبطية، اللهجة الفيومية، تعود للقرن الرابع أو الخامس الميلادى، وقد حددت أن مدة حياة المسيح فى مصر بلغت 3 سنوات و11 شهراً، ويوضح «عجبان» أنها نشرت من قبل جامعة كولون سنة 1997 وهذه البردية عبارة عن شريحتين باللهجة القبطية وعثر عليها فى منطقة الفيوم، ومحفوظة بإحدى مكتبات جامعة كولون بألمانيا، وقد نشر نيافة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى وأنصنا والأشمونيين ورئيس قسم اللغة القبطية بالمعهد كتاباً لتحقيق وترجمة هذه البردية بعنوان «تحقيق البردية التى حسمت الفترة التى قضاها السيد المسيح فى مصر».
ومن الوثيقة التى نشرت فى تسعينات القرن الماضى، وخصوصاً عام 1997، يتحدث أستاذ التاريخ، عن الوثائق التى تؤرخ للرحلة، انطلاقاً من إعداده كتاب «رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر» الذى يعد إحدى الوثائق الهامة التى استند إليها مشروع مسار العائلة المقدسة، موضحاً أنه رجع إلى 19 نوعاً من المصادر ما بين كتابات قديمة وحديثة منها الميامر القديمة والبرديات والكتب التاريخية والسنكسار والدفنار (وهما من الكتب الكنسية التى تحكى عن سير القديسين بحسب تذكار كل يوم) والموسوعات العالمية والرسائل العلمية والمصادر الطقسية، وكتابات الآباء، وسير الآباء القديمة المكتوبة باللغة القبطية، فضلاً عن المخطوطات القبطية، ومخطوطات أوروبا فى العصور الوسطى والتقاليد المحلية والشفاهية وغيرها.
رحلة بحث طويلة أدت إلى خريطة واضحة ومسار نهائى متفق عليه، وبعض مواقع المسار تعتبر مواقع حضرية أو ريفية أو صحراوية أو مناطق أثرية من عصور أقدم، ويتحدث عنها «عجبان»، لافتاً إلى مدى صعوبة تحديد بعض المواقع فى الوقت الحالى، لاختلاف جغرافيا مصر قبل ألفى عام عن جغرافيا مصر الحالية، ضارباً مثلاً بعدد فروع النيل حالياً فرعين لكن فى القرن الأول كانوا سبعة أفرع، ولم يستقر عدد فروع النيل على الشكل الحالى (فرعين فقط) إلا ابتداء من القرن العاشر الميلادى، وأيضاً صعوبة أخرى جغرافية تمثلت فى أن هناك بعض البلاد مرت عليها العائلة المقدسة ولم تعد موجودة اليوم أو تغيرت ملامحها أو مواقعها، وهناك بلاد ما زالت قائمة لكن أسماءها قد تغيرت، وهناك أماكن كانت صحراوية وبعد ذلك أصبحت عامرة بالسكان وأقيمت بها مدن وقرى، وهناك أماكن فى خط السير لم تكن مدناً ولا قرى وما زالت هكذا، وفى كل الأحوال ارتبط وجدان المصريين بكل خطوة كان تخطوها العائلة المقدسة على أرضهم المباركة.
ويوضح «عجبان» أن دراسة مسار العائلة المقدسة بجانب اعتمادها على المصادر، فقد اعتمدت على طرق عدة للاستدلال على النقاط والمواقع الأساسية، مع مراعاة المواقع البينية التى مرت عليها العائلة المقدسة بين كل موقع وآخر، ومن أبرز الطرق العلمية كان البحث الإلكترونى والخرائط الجغرافية، والخرائط التفاعلية، واستخدام الجداول والمقارنات من خلال استعراض أقدم المصادر فى شكل أعمدة والمواقع التى مرت عليها العائلة المقدسة فى شكل صفوف، لتحقيق وتوثيق المصادر التى تشير إلى كل نقطة من نقاط المسار، مشيراً إلى أن أغلب الهيئات توافقت بشكل نهائى على الخريطة الصادرة من اللجنة المجمعية من المجمع المقدس بمناسبة الاحتفال بمرور 2000 سنة على رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر، وعلى ما ورد بالسنكسار الصادر من اللجنة المجمعية للطقوس تحت يوم 24 بشنس (1 يونيو) عيد دخول السيد المسيح أرض مصر، وهو من الأعياد التى نتمنى أن تصبح ضمن الأعياد القومية لمصر، وأن تنتشر فيه الاحتفالات الوطنية والقومية فى كل أرجاء الوطن وبخاصة فى كل مواقع المسار.
وخلال حديثه عن جهود مستمرة للدولة المصرية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أكد «عجبان» أن الاستعدادات تقوم على قدم وساق، فالدولة بكل أجهزتها تعمل على المشروع بالتعاون مع الكنيسة القبطية، وأن قداسة البابا تواضروس الثانى له جهود كبيرة فى هذا المجال منها التعاون مع وزارات الآثار والسياحة والثقافة والتنمية المحلية وغيرها، ولقاءات قداسته مع السائحين القادمين لزيارة هذه الأماكن، والترحيب بهم بحفاوة كبيرة، وإشراف قداسته على احتفالات العائلة المقدسة كل عام، إلى جانب المقالات والكتابات وإعداد الكنيسة للكثير من المطبوعات والأفلام التسجيلية بلغات متعددة، وجهود أخرى كثيرة.