أمهات قرية مذبحة كفر الدوار: آثار الحادث عششت في ذاكرة الأطفال وأتعبتهم نفسيا
سيدة تروى لـ«الوطن» لحظات الرعب والفزع
فى شارع مجاور لمنزل المجنى عليهم فى عزبة «على أبوغالى» التابعة لقرية الطرح بمركز كفر الدوار، يوجد كُتّاب صغير يحمل اسم «كُتاب دراعم لتحفيظ القرآن»، كان يدرس فيه اثنان من الأطفال المجنى عليهم فى المذبحة المروعة التى شهدتها القرية، كانا يوم الخميس السابق للحادث يلعبان ويلهوان مع أصدقائهما، ولكن لم يشأ القدر أن يجتمعا بهم مرة أخرى، وبعد رحيلهما سيطر على الكُتّاب حالة حزن فى أول يوم يجتمعون فيه بعد الحادث، كما تقول شيماء أبوبكر، مديرة الكُتاب، التى اعتادت أن تستقبل الطفلين بنفسها صباح كل يوم: «كان عندى محمد، 6 سنين، ومسعود، 4 سنين، والاتنين كانوا قمة فى الأدب والأخلاق، محمد كان لازم أول ما يدخل الكُتاب يبحث عنى عشان يسلّم علىّ».
مديرة "الكُتاب": الضحيتان كانا فى غاية الأدب
الأطفال أصدقاء المجنى عليهما أصيبوا بهلع بعد كل ما سمعوه من تفاصيل الحادث المروع، فيما تولى المعلمون التخفيف عنهم قدر الإمكان، كما تقول «شيماء»: «الأطفال كانوا متأثرين جداً لأن أصحابهم اللى بييجوا معاهم كل يوم ماتوا، وده كان شىء صعب عليهم جداً، خاصة إنهم كانوا محبوبين منهم».
أصدقاء "طفلَى المجزرة" يبكون حزناً عليهما
محاولات طمأنة وتهدئة كثيرة تحدثت عنها «شيماء» فى أسلوبهم مع الأطفال فى أول يوم لهم بالكُتاب بعد حادث لن تُمحى آثاره من نفوسهم بسهولة، على حد قولها، فأغلبهم تسللت إليهم تفاصيل الحادث «البشعة»، حسب وصفها: «الموضوع صعب جداً إن حد يدبح ويحرق أسرة كاملة، لو وَحْش مش هيعمل كده، وماعرفش ذنب الأطفال دى إيه؟!».
الجيران: عمرنا ما كنا نتوقع إن حاجة زى دى تحصل
ووقفت سيدات «العزبة» أمام بيوتهن وعلى وجوههن علامات الفزع، فآثار «المذبحة» وما خلَّفته من رعب فى غالبية بيوت القرية انتقلت إليهن وإلى أطفالهن، فقضى الجميع فى بيوتهم ليلة لن ينسوها على مر حياتهم، كما وصفوها، أطفال فى أحضان أمهاتهم يبكون، فى وقت لم تكن الأمهات نفسها فى حال أفضل من حال هؤلاء الأطفال.
منى محمود، سيدة فى منتصف عقدها الرابع، وقفت أمام بيتها تحمل بين يديها أحد أطفالها الأربعة، أطرافها ما زالت ترتعش من هول الموقف، تتذكر لحظة انتقال الخبر إلى بيتها، الذى يبعد بعض مئات الأمتار عن موقع الحادث، فى السابعة صباح يوم الحادث، فصُعقت مما نُقل إليها، ومنعت دموعها من أن تنساب على خديها حتى لا يفزع أطفالها، فمن بينهم من هو صديق لأطفال المجنى عليه الذين راحوا ضحية للحادث: «الموضوع كان صعب عليّا جداً ومارضيتش أعرّف ولادى ولا أخرجهم من البيت، لحد ما عرفوا لوحدهم عصر يوم الحادث». نوبة بكاء دخل فيها طفل «منى» البالغ من العمر 7 سنوات، بعد أن علم أن صديقه قُتل، لم يدرك ما حدث، لكنه أدرك شيئاً واحداً، هو أنه لن يرى صديقه مرة أخرى، ما جعلها تحاول أن تهوّن عليه: «بقيت أقول له يا حبيبى مفيش حاجة حصلت، وهو يقول لى لأ الناس بتقول إنهم اندبحوا.. ويعيط». استمرت نوبة البكاء التى كان عليها الطفل حتى مساء يوم الحادث، انقطع عنه البكاء وراح يغط فى نوم عميق استيقظ منه صباح اليوم التالى وقد تملكه الذعر والخوف، وصفت والدته حاله بقولها: «بطّل عياط، لكن من ساعتها وهو خايف جداً، حتى خايف يخرج من البيت».
فى بيت مجاور لها، كانت تقف أمامه الخمسينية رضا غباشى، ليس لها أطفال، وإنما أحفاد، يعيشون معها فى البيت نفسه، أثار الحادث خوفها عليهم أكثر من أى وقت مضى، فأعمارهم لا تختلف كثيراً عن أعمار الأطفال المقتولين فى الحادث، تتحدث عما عاشوه فى تلك الليلة المشئومة قائلة: «إحنا عمرنا ما كنا نتوقع إن حاجة زى دى تحصل عندنا، واليوم من أول ما عرفنا الخبر الصبح كان صعب علينا جداً، وخرجنا من بيتنا ما دخلناهوش تانى إلا لما الحكومة جت خدت الجثث من البيت».
حالة من الرعب عاش فيها أحفاد «رضا» هذه الليلة، صاحبها سيل من الأسئلة عما حدث، حاولت أن تجيبهم عنها بما يخرج هذا الخوف من قلوبهم، عبّرت عن ذلك بقولها: «طول الليل ماعرفوش يناموا، والمشكلة كانت إن إحنا كمان كنا منهارين فمش عارفين نهدّى الأطفال إزاى، وحاولت أهدّيهم وأهدّى نفسى بكل الطرق لحد ما ناموا».
رفض أحفاد «رضا» الخروج من المنزل فى اليوم التالى، ورفضوا الذهاب إلى دروسهم، وهو ما لم تمانع فيه الجدة أو أى من والديهم، فهى تريد أن تبعدهم قدر الإمكان عن الحديث حول الواقعة فى محاولة لتهدئتهم: «سِبناهم مايروحوش الدروس، وكنا بنحاول إحنا كمان ما نتكلمش قدامهم عن أى حاجة عن الحادث، لحد ما دلوقتى الحمد لله بدأوا يهدوا شوية». الحالة نفسها كانت تعيش فيها «أم هشام»، التى تسكن فى محيط الحادث، مع طفلتها البالغة من العمر 15 عاماً، فبعد أن علمتا بالمذبحة لم يكن الخبر بالنسبة لهم مجرد كلام، إنما كانا من بين الواقفين أمام منزل الضحايا أثناء إخراجهم منه: «أنا وبنتى جرينا من غير حتى ما نغسل وشّنا بعد ما اتفزعنا من الخبر، وبعد ما شُفناهم اتصدمنا».
لم تكن الطفلة وحدها التى أصابها الفزع مما رأت، وإنما نال أمها أيضاً جانب كبير من الخوف، فكانت ليلة عصيبة عليهما، عبّرت عنها «أم هشام» بقولها: «أنا نفسى كنت خايفة بس كنت بحاول ما أظهرش ده ليها عشان تهدا، كانت كل شوية تقول لى أنا حاسة إن اللى قتلهم معانا فى الشقة، لدرجة إننا كنا خايفين ندخل المطبخ».
لقراءة الملف كاملا اضغط هنــا.