الجنيه المصري يواصل رحلة صعوده في 2020
الجنيه المصرى يواصل رحلة صعوده
رسمت مؤشرات الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية بشكل عام والدولار الأمريكى بشكل خاص، رحلة صعود فريدة خلال الفترة الأخيرة، لينخفض الدولار دون حاجز الـ16 جنيهاً، بعدما وصل لأعلى مستوى له على الإطلاق فى أعقاب تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016، حيث حقق مستويات قياسية تخطت الـ19.5 جنيه.
"بلومبرج": الجنيه المصرى الأفضل أداءً فى الأسواق الناشئة 9 عوامل تدعم استمرار قوة الجنيه أمام الدولار
وبدأ مؤخراً الجنيه المصرى يستعيد قوته ويسجل أداءً متميزاً اقتنص به المرتبة الأولى من حيث العملة الأفضل أداءً خلال 2019 على مستوى الأسواق الناشئة، والترتيب الثانى عالمياً بعد العملة الأوكرانية «هريفنا» وفقاً لـ«بلومبرج بيزنيس»، وجاء ذلك على إثر تحسن أداء الجنيه المصرى بـ10.3% وفقاً لمؤشر مورجان ستانلى خلال الفترة من يناير وحتى ديسمبر 2019.
العملة المحلية تعزز أداءها الإيجابى والدولار يفقد 1.3% من قيمته منذ مطلع العام
وبدأت رحلة صعود الجنيه منذ أن وضعت الدولة برنامجاً إصلاحياً جريئاً للاقتصاد المصرى، انطلق بقرار المركزى بتحرير سعر الصرف، ومن ثم اتخاذ العديد من الخطوات الإصلاحية للسياسة النقدية التى أدت إلى تعافٍ نسبى للجنيه أمام الدولار مرة أخرى خلال 2017، ومن ثم تمكن من الوصول لحالة من الاستقرار فى 2018، حيث تراوحت مستوياته بين 17.6 و17.9 جنيه/دولار، ومع استمرار الخطوات الإصلاحية النقدية التى اعتمدت بشكل كبير على تحريك مستويات أسعار الفائدة، تابع الجنيه المصرى موجات الارتفاع أمام الدولار ليسجل أعلى مستوى له منذ مارس 2017، محققاً ارتفاعاً بـ10.3% خلال تعاملاته فى 2019، و1.3% منذ بداية 2020 وحتى تعاملات الخميس الماضى، ليصل سعر الدولار إلى 15.7794 جنيه للشراء و15.8794 جنيه للبيع وفقاً للبنك المركزى.
9 عوامل دعمت قوة الجنيه المصرى
وجاءت هذه الارتفاعات مدعومة بزيادة المعروض النقدى للدولار نتيجة التدفقات الدولارية التى بلغت 200 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية، وفقاً لتصريحات محافظ البنك المركزى، فضلاً عن استمرار زيادة تدفقات الاحتياطى الأجنبى الذى وصل إلى 45.41 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2019، كما شهدت البنوك المحلية تدفقات تصل إلى 1.7 مليار دولار خلال الأسبوع الماضى بحسب بيان صادر عن البنك المركزى، وتأتى هذه التدفقات الكبيرة التى تدعم قوة الجنيه المصرى أمام الدولار متأثرة بعدة عوامل متمثلة فى:
"السياحة وتحويلات العاملين وأسعار الفائدة" الأبرز
نمو إيرادات السياحة
حقق قطاع السياحة نمواً كبيراً خلال العامين الماضيين بفعل حركة الإصلاحات الداخلية التى بدأتها الدكتورة رانيا المشاط وزيرة السياحة السابقة، حيث انعكست هذه الجهود على زيادة إيرادات السياحة بنسبة 186.4% لتصل إلى 12.6 مليار دولار خلال 2018/2019 مقارنة بـ4.4 مليار دولار خلال 2016/2017، الأمر الذى انعكس على زيادة التدفقات الدولارية وبالتالى دعم قوة الجنيه، ويتوقع صندوق النقد الدولى أن يصل دخل السياحة المصرية فى العام المالى الحالى 2019/2020 إلى 16.5 مليار دولار.
تحويلات العاملين بالخارج
تمثل تحويلات العاملين بالخارج نحو 11% تقريباً من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يجعلها أحد أهم موارد النقد الأجنبى فى الاقتصاد المصرى، وهو ما يفسر تأثير نموها الكبير خلال العامين الماضيين على التدفقات الأجنبية وبالتالى دعم قوة الجنيه، حيث حققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج 26.39 مليار دولار خلال 2017/2018، و25.15 مليار دولار خلال 2018/2019، مقارنة بـ21.8 مليار دولار فى 2016/2017.
تراجع الدولار يحمل مزايا للأسعار والموازنة العامة للدولة.. ويمثل تحدياً أمام نمو الصادرات المصرية
الصادرات
حققت الصادرات المصرية معدلات نمو بنسبة 31.3% خلال 2018/2019، لتصل بذلك إيراداتها إلى 28.5 مليار دولار، مقارنة بـ21.7 مليار دولار خلال 2016/2017، لتخفض بذلك تأثير نمو الواردات المصرية على موارد العملات الأجنبية، ومن المنتظر أن تنعكس المبادرات التى أطلقها البنك المركزى مؤخراً لدعم القطاع الصناعى، على دعم حركة الصادرات المصرية وخفض فاتورة الواردات وذلك عن طريق إحلال المنتج المحلى بدلاً من المستورد ومن ثم زيادة النقد الأجنبى عن المعدل الحالى.
قناة السويس
شهدت إيرادات قناة السويس نمواً بـ 16.3%، لتصل إلى 5.7 مليار خلال 2018/2019، مقارنة بـ 4.9 مليار دولار فى 2016/2017، وذلك نتيجة زيادة حركة السفن بنسب أكبر، والتى أتاحتها قناة السويس الجديدة.
الاكتفاء المحلى من الغاز
أثرت الاكتشافات الجديدة لحقول الغاز وصعود مصر كمركز إقليمى لتداول الغاز الطبيعى على فاتورة استيراد الغاز من الخارج والتى بلغت 2.2 مليار دولار فى 2015/2016، وذلك عقب إعلان وزير البترول عن اكتفاء مصر من الغاز الطبيعى بدءاً من أكتوبر 2018، حيث وصل إنتاج الغاز إلى 7.2 مليار قدم مكعب خلال سبتمبر 2019.
تراجع أسعار النفط
ولا نغفل أيضاً تأثير العوامل الخارجية التى ساهمت فى تباطؤ معدلات نفاذ النقد الأجنبى خارج البلاد، وذلك نتيجة التراجعات التى شهدتها أسعار البترول عالمياً خلال العام الماضى متأثرة بالصراعات بين الولايات المتحدة ودول الأوبك من خلال زيادة المعروض من النفط الصخرى، الأمر الذى انعكس على تكلفة مخصصات استيراد النفط.
رفع الدعم عن المحروقات
تكلفت الدولة خلال العقود الماضية فواتير ضخمة نتيجة دعم المواد البترولية، وذلك نتيجة تحمل فروق الأسعار بين السعر الدولى والسعر الذى تبيع به المحروقات للمواطن المصرى، ومع الإصلاحات الهيكلية فى مخصصات الدعم وربط أسعار المحروقات بالأسعار العالمية، نجحت الدولة فى خفض فاتورة استيراد المواد البترولية التى كانت تتكبدها الموازنة العامة، وبالتالى أثرت نسبياً على حجم الاستهلاك المحلى من المحروقات ومن ثم تراجع معدلات استيراد المحروقات من الخارج، ويتزامن ذلك مع توجه الدولة إلى التوسع فى الاعتماد على الطاقة النظيفة والغاز فى أسطول النقل، من خلال توفير محطات طاقة للشحن بالكهرباء تمهيداً للتوسع فى استيراد السيارات الكهربائية.
خروج الدولار من محافظ الادخار
ونتيجة انتهاج البنك المركزى المصرى سياسات انكماشية متتالية خلال عامى 2016 و2017، نتج عنها صعود كبير فى أسعار الفائدة، وطرح أوعية ادخارية بنسب فائدة عالية وصلت إلى 20% فى بعض الأوقات، دفع ذلك المواطنين إلى زيادة الطلب على الجنيه وتنازلهم عن الدولار، الأمر الذى دعم معروض النقد الدولارى من ناحية، وخفض من الطلب على الدولار بغرض الاكتناز من ناحية أخرى.
الاستثمار فى أدوات الدين
صنفت «فاينانشيال تايمز» أدوات الدين الحكومية بأنها واحدة من أعلى معدلات سعر الفائدة الحقيقى عالمياً، الأمر الذى ساهم فى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وهو ما دفع وزارة المالية لطرح أذون خزانة بقيمة إجمالية بلغت 20.5 مليار جنيه مؤخراً، الأمر الذى انعكس بشكل إيجابى على التدفقات الدولارية داخل الدولة، وبالرغم من انتهاج البنك المركزى سياسة توسعية لأسعار الفائدة فإنها ما زالت عند مستويات تنافسية، خاصة أن «الفيدرالى الأمريكى» ينتهج أيضاً نفس السياسات، كما أن العملة المصرية تصنف من أقوى العملات التى يمكن أن يثق بها المستثمر الأجنبى مقارنة بعملات الأسواق المنافسة، وهو ما يحافظ على جاذبية الاستثمار فى أدوات الدين المصرية.
مستقبل الجنيه أمام الدولار فى 2020
ساهمت العوامل السابقة فى تخفيف وطأة الطلب على الجنيه بالتزامن مع زيادة المعروض الدولارى، الأمر الذى يصنع مركز قوة للجنيه المصرى أمام الدولار، ويدعم بقوة التوقعات التى تؤول إلى قيام الجنيه بمزيد من الارتفاعات خلال 2020، حيث يتماشى المستوى الحالى لأداء الجنيه مع نتائج الاستطلاع الذى قام به «الوطن الاقتصادى» فى العدد السنوى الصادر بتاريخ الأحد 29 ديسمبر، والذى توقع فيه 68% من العينة المشاركة فى الاستطلاع تراجع الدولار أمام الجنيه خلال تعاملات 2020.
فيما توقع البنك المركزى المصرى أن يستقر سعر الدولار عند مستوى 16 جنيهاً، وذلك بدعم من عدة عوامل، على رأسها تدفق الإيرادات بالدولار، وتحجيم نمو فاتورة الواردات، وتحسن استثمارات القطاع الخاص، واتفقت معه توقعات «بلتون» باستقرار سعر صرف الدولار عند مستوى 16 جنيهاً خلال 2020، مشيراً إلى أن الجنيه لن يواجه أى ضغوط مقابل الدولار فى العام الحالى، موضحة أن تضافر الجهود الحكومية؛ لتقليل الضغوط على العملة المحلية، يجعل التذبذب محدوداً فى نطاق 16 جنيهاً مقابل الدولار.
وتوقعت «هيرمس» أن يتراجع متوسط سعر صرف الدولار إلى 16.23 جنيه فى 2020، ليصل إلى 16.55 جنيه فى 2021، موضحة أن تقلص عجز الحساب الجارى وارتفاع الإيرادات من السياحة يضيفان إلى جاذبية العملة، فضلاً عن جاذبية أدوات الدين للمستثمرين الأجانب نتيجة ارتفاع العائد الحقيقى، مشيرة إلى أن هذا يدعم النظرة الإيجابية للجنيه المصرى.
الورقة الخضراء تتراجع عالمياً أمام 6 عملات رئيسية بدعم السياسات التوسعية لـ"الفيدرالى الأمريكى".. و"سوسيتيه جنرال": ستسجل 15.35 جنيه فى نهاية 2020
وأعربت مؤسسة «Focus Economics» عن توقعاتها بانخفاض سعر الدولار خلال العام الجديد بعدما وصل إلى مستوى 16.11 جنيه فى 2019، وذلك فى ظل مواصلة البنك المركزى اتباع سياسة نقدية توسعية، ويتوقع قطاع البحوث ببنك سوسيتيه جنرال أن يرتفع الجنيه بنسبة 3.7% ليسجل الدولار نحو 15.35 جنيه مقابل الدولار وذلك بحلول نهاية العام الجارى. وتتزامن هذه التوقعات بالأداء المتراجع الذى يشهده الدولار عالمياً منذ سبتمبر 2019، حيث تراجع مؤشر الدولار الرئيسى والذى يتبع أداء الورقة الأمريكية مقابل 6 عملات رئيسية بنحو 2% خلال ديسمبر الماضى، مسجلاً أكبر وتيرة هبوط شهرى فى نحو عامين، فيما ربط بنك «جولدمان ساكس» انخفاض الدولار بأسعار اليورو واليوان الصينى التى قد تشهد ارتفاعاً بشكل كبير، مضيفاً أن هذا الاحتمال يبدو مستبعداً فى الوقت الحالى، ويتوقع «إم آند جى» للاستثمار بلندن استمرار ضعف الدولار بالتزامن مع استمرار تحرك بنك الاحتياطى الفيدرالى نحو السياسة التوسعية خلال 2020.
4 عوامل تتأثر من ارتفاع الجنيه أمام الدولار
ومن الناحية الاقتصادية أرى أن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار تؤثر إيجابياً على عدد كبير من المحددات الاقتصادية، وقد تلحق الضرر ببعض العوامل الأخرى.
أسعار السلع
تأتى أسعار السلع ضمن أكبر العوامل المستفيدة من زيادة قوة الجنيه أمام الدولار، خاصة أن الاقتصاد المصرى يعتمد بشكل كبير على الاستيراد سواء من خلال استيراد منتج نهائى يُقدم للجمهور مباشرة، أو من خلال استيراد مستلزمات الإنتاج من مواد خام وآلات لتصنيع المنتجات المحلية، وفى كلتا الحالتين ينعكس تراجع الدولار أمام الجنيه على تراجع السعر النهائى للمنتج، وهو ما ينعكس إيجاباً على رفاهية المواطن المصرى.
التضخم
وانطلاقاً من النقطة السابقة والتى تؤول إلى تراجع أسعار المنتجات فى السوق المحلية، فهذا يعنى أيضاً تراجع معدلات التضخم التى تعبر عن حركة المستوى العام لأسعار السلع فى السوق المحلية، بما يتماشى مع مستهدفات الدولة، ويساعدها فى تحقيق مزيد من معدلات الانخفاض فى التضخم.
فاتورة الموازنة العامة
تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه، يؤثر على فاتورة الاستيراد التى تتحملها الموازنة العامة للدولة، خاصة فاتورة استيراد المحروقات التى تستهلك النسبة الأكبر لمخصصات الموازنة، حيث يتم تقييم أسعار المحروقات بشكل ربع سنوى، بالاعتماد على احتساب متوسط سعر كل من الدولار والبرميل، خلال الـ 3 أشهر السابقة لإعادة تقييم أسعار المحروقات.
منافسة الصادرات
تقول قوانين الاقتصاد إنه كلما انخفضت قيمة العملة المحلية، انعكس ذلك إيجاباً على تنافسية المنتج المحلى فى الأسواق المحلية مستنداً على الميزة السعرية التى يكتسبها من فروق أسعار الصرف مقارنة بالدول الأخرى، وفى الحالة المصرية سيحدث العكس حيث إنه مع ارتفاع الجنيه أمام الدولار سينشئ ذلك المزيد من التحديات أمام الصادرات المصرية، نتيجة تفضيل الشركات البيع فى الداخل عن الخارج، وعدم جاذبية السعر العالمى بالنسبة لهم، الأمر الذى يجب التنبه إليه جيداً ووضع محفزات أخرى لنمو الصادرات خلال الفترة المقبلة.