م الآخر| المتحرش السعيد في المحطات التحويلية
طال انتظارانا لإعاده تهيئة محطة أنور السادات لتلقي الزوار، صار الأمر إهانة بحق الجماهير بعد أن طالت مدة احتجازنا، وحد اختياراتنا نحن رواد المترو الكرام؛ لنتنقل بين بقية الخطوط، وإجبارنا على محطة الشهداء دون غيرها!
تقبلنا الأمر بالبداية بهدوء مصري أصيل وتصديق على كلمات كبار السن، بكونه قرار حكيم لحمايتنا نحن الشعب من احتمالية عسكرة أي عدد أو تحويل الميدان من جديد لساحه لكفاح بائعي الشاي والفشار، كان ابتلاعنا للوضع رغم كونه تعسفي نابع من كوننا مصريين، يرى بالحكومة أمُه الحنون التي ترعى مصالحه حتى وإن كانت طريقة تعبيرها عن ذلك غير مقبولة وطفولية وهوجاء - اعتبره أبوك يا أخي.
تغيرت نشاطات رواد المترو، لمضغ وهضم هذا الوضع السخيف، ولكوني من رواد المترو الدائمين كان رصد الموقف أسهل ، حيث تبدلت خطة الحركة للباعة الجائلين بالمترو، وصار التخصص أسلوب حياة، فإذا كنت من المهتمين بالملابس، عليك بارتياد "خط المرج" فتلاقي مع بائعة الباديهات والبناطيل الحريمي، بينما بائعي الأدوات المنزلية يتركزوا بـ"خط شبرا" بالكوبايات الصينية المعتادة وماكينة تقشير وحشو البطاطس، أما عن الشنط الكبيرة المصاحبة لفتيات بالثانوية تحوي الكثير من المفروشات، فعلى ما يبدو أن عدوى التخصص لاحقتهم فوزعوا بضاعتهم على باقي الباعة، أما باعة أدوات التجميل "سيئة الصنع" فهم بلا دين حيث تجدهم بكل مكان، هكذا انفتح سوق جديد بالتوازي وهو سوق جديد، وصار رائجًا بشكل ملفت سوق الاكسسوارات الصيني.
هكذا صارت أوجه الشحاذين تتكرر لمرتادي نفس الخط، فعلى ما يبدو أن غلق تلك المحطة أثر كذلك على مملكة الشحاذين فتقسم إرث محطات المترو فيما بينهم!
أما عن المتحرشين فهذا أمر آخر.. صار عدد الرجال المترددين على مترو السيدات أقل، والسبب أن الحجج صارت محدودة، كانت الحجج قديمًا تنحصر بالتعلل بالنزول بالمحطات التحويلية، وكانت الفتيات تتنازل أحيانًا كثيرة وتصمت تلافيًا لبحة الصوت في شجار مقابل فكرة نزوله القريب، لكن الآن وبعد توحيد التحويل صار من الصعب تصديق هذه الحجة!
هكذا كان التحرش يصل لأوجه بمحطات التحويل بينما "تنحشر" الفتيات في جموع غفيرة لارتياد العربة، وكان من المتوقع أن سوق التحرش هو المستفاد الوحيد من هذا القرار السياسي، فقد أراحته الحكومة من - الشحططة - بين أنورالسادات والشهداء، ووجهت طاقته بمحطة واحدة يظهر فيها كامل طاقته!
لكن الغريب بينما أتابع في صمت حتى لا أفقد رباطة جأشي وأنخرط في عدد لا منتهي من المشاحنات، صادفت هذا الشاب الذي يمر علي استعجال على عربة السيدات بينما يوجه كامل تركيزه وطاقته في التسليم بالأيدي على استعجال على "مؤخرات الفتيات"، وكأنه يصبو لتحقيق رقم قياسي ما أو هنالك رهان معلق بمكان ما على عدد "المؤخرات" المهانة يوميًا!
كان أدائه منزوع الروح وكأنه يتبجح قائلًا(أنا ما استمتعتش بس هِنتك!)، حينها زاد اقتناعي بالمثل القائل (اللي يجي بالساهل يروح بالساهل)، فها هم المتحرشين لا يفقهون هذه الفرصة الجهنمية التي تلقيها بين يديهم الحكومة فتجدهم يزهدون روح المتحرش الأصيل ويتحولون إلى موظفين بدنيا المتحرشين، لا يهمهم سوى تسجيل إمضاء الحضور!
وإعمالًا بالمثل القائل - نص العما ولا العما كله - أودّ التوجه إلى الحكومة كما توجهت سابقًا إلى مملكة الشحاذين، لكن تلك المرة أود أن أطالب الحكومة بمّد مدة غلق محطه السادات فربما بهذا الرتم يزهد المتحرشين تحرشاتهم، وبهذا تكون الدولة لأول مرة تفعل شيء يستحق لحل هذه المشكلة العويصة، وإن لم تكن بوعي كامل منها للحل!.