باحثون: مكتبات الجامعات مبانٍ بلا روح.. وتفتقر لإدارة رشيدة
تراجع دور المكتبات بسبب التكنولوجيا
بيوت خاوية تنتظر من يقطنها، أفكار وثقافة كلفت آخرين مجهوداً بحثياً طويلاً، ما زالت تبحث عن مُطلع، أرفف متراصة عليها كتب ومجلدات ودوريات علمية، على الجانبين يكسوها غطاء عازل من الأتربة، هكذا أصبحت مكتبات الجامعات بكلياتها المختلفة، فبعد أن كانت مراكز ثقافية وعلمية قوية يلجأ إليها طلاب وطالبات من مختلف الأطياف للحصول على علم وفكر طه حسين، ونجيب محفوظ، باتت اليوم، بيئة طاردة لراغبيها، فإذا كان عمر الكتاب أكثر من ١٠٠ عام إلا أن أوراقه لا تستطيع حمل نفسها فى يد الباحث، فعجلة طبع كتب بديلة لها بنفس المحتوى العلمى يبدو أنها تمردت على العمل فتوقفت، فما طرأ على المكتبات بسبب الثورة التكنولوجية التى سرقت القارئ من الكتاب الورقى إلى الكتاب الإلكترونى، والأسلوب الإدارى القديم الذى تخضع له هذه المكتبات، ويكتمل مثلث الوضع فى عدم تأهيل عامليها على كيفية التعامل مع القراء بشكل جيد، حسب ما أكده باحثون لـ«الوطن».
"دينا": نقص الكتب المترجمة والحصول عليها من الخارج مكلف
ندرة ملحوظة للمراجع الأجنبية بالمكتبات سواء أبحاث أو دوريات، باتت عائقاً أمام الباحثة دينا الكردى، مدرس مساعد بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية تخصص الترجمة الفرنسية، موضحة أن غالبية مكتبات الجامعات لا تولى اهتماماً للكتب أو الأبحاث المترجمة، قائلة: «يكاد يكون منعدماً ما يسمى بعلم الترجمة سواء أطر بحثية أو نظريات يتم تطويعها لخدمة البحث العلمى».
اللجوء لموقع أمازون، أو فرصة الحصول على منحة لدولة أجنبية، أو الاعتماد على مواطنين مصريين فى الخارج كوسيط لجلب الكتب، كلها محاولات مُجهدة اتجهت «دينا» إليها كحل لمشكلة ندرة الكتب المترجمة للغات الفرنسية والإنجليزية، قد لا يحالفها النجاح حسب ما روته لـ«الوطن».
أضافت «دينا» أن هذه المحاولات ما زالت تصاحبها صعوبات شديدة أبرزها تأخير الحصول على الكتاب من أمازون، وندرة الحصول على منحة لدولة أجنبية، فضلاً عن التكاليف الباهظة التى يتم إنفاقها لشراء كتاب أجنبى من الخارج وإرساله إلى مصر، مشيرة إلى أن المكتبات تحتوى على الكثير من كتب التفاسير القرآنية كابن كثير والقرطبى بشكل لا يخدم فكرة بحثها فى تصحيح صورة المرأة فى الإسلام للدول الأجنبية.
خدمات مميكنة فى المكتبات الأجنبية فى الخارج تمنت الباحثة «دينا» تفعيلها فى مصر، ممثلة فى تخصص رقم سرى للباحث ومن خلاله يستطيع الاطلاع على أحدث الدراسات الأجنبية فى العالم، وتحميل الرسائل بأبسط الطرق: «فى مكتباتنا هنا ده مش موجود»، مؤكدة أن المكتبات تفتقد للتحديث بشكل مستمر.
وقالت أسماء شلبى، المعيد بكلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر، إن المكتبات عامة تفتقد دائماً لعنصر الاستمرارية فى التجديد من قبل القائمين على الأمر، مضيفة أن هناك مئات المراجع والتراجم لأشهر الكتاب والفلاسفة تفتقدها معظم المكتبات خاصة الحكومية منذ سنوات.
"شلبى": التطور التكنولوجى سبب رئيسى فى تراجع دور المكتبات
وأرجعت «شلبى» سبب تراجع دور المكتبات سواء كانت تابعة لمؤسسات التعليم الجامعى أو ما قبل الجامعى أو وزارات متخصصة، إلى التطور التكنولوجى الحديث فى وسائل الاتصال ونقل المعلومات، مؤكدة أن الباحث أصبح حالياً يعتمد على التكنولوجيا الرقمية فى تكوين موضوعات رسالته سواء كان فى الماجستير أو الدكتوراه.
وأكدت المعيد بكلية الإعلام أن موارد المكتبات المالية المخصصة لها سنوياً، جزء رئيسى من تراجع دور التطوير الخاص بها بجانب التقدم التكنولوجى، فضلاً عن انعدام مستوى الثقافة والفكر المصرى تجاه الاستفادة من خدمات المكتبات، بالإضافة إلى ضعف الاهتمام بها وبجوانب تطويرها خاصة فيما يتعلق بتطوير وتدريب العاملين القائمين على العمل بها.
وتابعت أنه يجب أن تكون هناك خطة لتطوير المكتبات من خلال تعظيم مواردها المادية اللازمة لتحديثها وتزويدها بكل ما هو جديد، فضلاً عن إعادة هيكلة وتدريب العاملين المؤهلين جيداً للتعامل مع المجلدات والكتب والأبحاث، والعمل على تلبية احتياجات قاطنيها بكل سهولة ويسر.
"ممدوح": فقدت قيمتها العلمية والثقافية بمرور الزمن
شبّه الباحث أحمد ممدوح، معيد بالمعهد العالى للإعلام بالإسكندرية، المكتبات المركزية ومكتبات الكليات بـ«البيوت الخاوية» التى فقدت قيمتها العلمية والثقافية مع مرور الزمن، مبرراً ذلك بسبب الثورة التكنولوجية التى وفرت كافة المعلومات فى مختلف المجالات على الإنترنت بالرغم من كونها ليست حديثة بالفعل، قائلاً: «هتلاقى كتب كتير على النت بس مش آخر ما وصل إليه البحث العلمى».
وأضاف «ممدوح»: «فى ظل التدهور الذى أصاب المكتبات لم تكن هناك أى خطط رشيدة وحلول واقعية لإنقاذها فزادت مصاريف الاشتراكات، وتصوير أجزاء من الرسائل جوه المكتبة بتكاليف عالية جداً»، مؤكداً أن هذه القرارات تمثل ضغوطاً مرهقة على الباحث بشكل يعيق تنمية المنظومة البحثية، موضحاً أنها أصبحت «سبوبة».
اختلافات واضحة لاحظها «ممدوح» بين المكتبات المصرية والمكتبات الخارجية فى إطار تطوير البحث العلمى، مفادها عمل المكتبة طوال ساعات اليوم، قائلاً: «يكفى أنه يكون مع الباحث كارنيه جامعة لكن فى المكتبات المصرية عشان تعمل الكارنيه تاخد شهرين»، مؤكداً أنه يجب على المكتبات أن تعمل على الأقل طوال أيام الأسبوع وفق عدد ساعات معينة حتى تتيح للطلاب والباحثين فرصة الاطلاع على الكتب فى أى وقت.
وشدد على ضرورة تغيير الفكر الإدارى المعتمد على الطرق التقليدية فى البحث وطريقة الاستعارة للكتب، وضخ خطة استراتيجية قوية لجذب الطلاب: «الطالب بيعمل البحث كوبى بيست من النت وخلاص مش بيروح المكتبة وده بيساعد على جهله مش تعليمه»، مؤكداً أن العملية البحثية هى أساس وجود أى مادة علمية، فلا بد من تدريب الطلاب على كيفية تكوين محتوى علمى دقيق من خلال تشجيعهم على التردد على المكتبات.
"خيرى": بعض مسئولى المكتبات تسيطر عليهم ثقافة "الكسل" بشأن التقنية والتحديث
وقال أمير خيرى، الباحث بالدكتوراه بكلية التربية جامعة حلوان، إن هناك اختفاءً تاماً لعدد من المراجع الرئيسية التى تعتمد عليها معظم الرسائل المتخصصة فى العلوم الإنسانية، لافتاً إلى أن المكتبات الجامعية تفتقد جميعاً لعنصر التطوير والاهتمام والتحديث وربطها بكل ما هو جديد من قبل القائمين على الأمر، مؤكداً أن هناك تجاهلاً لعملية التطوير للمكتبات سواء كانت فى الجامعات أو مؤسسات خارج نطاق التعليم العالى.
وتساءل «طايل» كيف ننتظر جيلاً واعياً لمجريات الأمور وما يحاك بالدولة المصرية وهو جاهل لثقافته وهوية وطنه؟، مؤكداً أن بناء المجتمعات وتنميتها يكون من خلال المكتبات والثقافة القائمة على القراءة والمعرفة والاطلاع، مشيراً إلى أنه يجب الأخذ بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى سرعة التعامل مع المعرفة والاستفادة من التكنولوجيات البازغة والمجتمعات المتقدمة فى تطوير مسيرة التعليم المصرى، مشيداً بدور القيادات السياسية فى دعمها للباحثين بشتى الطرق من خلال توفير المناخ المناسب لهم.
وتابع الباحث بكلية التربية جامعة حلوان، أنه يجب دعم جميع المبادرات التى تحث على القراءة والمعرفة والاطلاع من تنفيذ المسابقات وتوزيع الجوائز والعمل على جلب جميع المواد العلمية الجديدة، مؤكداً أنه يجب أن تكون هناك خطط من قبل وزارة التعليم العالى بسرعة تطوير مكتبات الجامعات المركزية منها والفرعية.
وبشأن إتاحة المكتبات للجمهور، أكد أن الجامعات تعمل على استنزاف موارد الباحثين الراغبين فى استكمال دراساتهم، مطالباً بضرورة ربط جميع المكتبات معاً عبر شبكة إلكترونية موحدة تجمع أمهات وآلاف الكتب للجميع وأن تكون هناك رسوم موحدة للاطلاع والاشتراك.
وأكد أنه يجب العمل على تنقية جميع المؤلفات والكتب والمراجع وأمهات الكتب من جميع الأفكار المنافية لتقاليد وأعراف مجتمعاتنا، لافتاً إلى أن ثقافة «الكسل» ما زال يتسم بها عدد من المسئولين عن المكتبات فى تأدية واجباتهم بشأن تنقية وتحديث المكتبات من كل شىء قد يؤثر سلباً على عقلية وفكر الطلاب.