"الوطن" في عمارة شقراء السينما بجاردن سيتي.. هنا عاشت نادية لطفي 25 عاما
الجيران: كانت بتسأل علينا حتى وهي في المستشفى..وتأثرت بوفاة زوجة ابنها
أمام شقة نادية لطفي في جاردن سيتي
باب خشبي يسبقه باب حديدي، ونباح كلاب لا ينقطع من داخل الشقة رقم 51، يبدو أنها تفتقد رفيقتها، التي رحلت عن عالمنا أمس. دموع تنهمر من عيون أصحاب الشقة المجاورة على عِشرة تزيد عن 25 عاما. وفي منتصف المسافة بين الشقتين، صورة كبيرة مرسومة للفنانة نادية لطفي، مُدون عليها "دستورنا هو الحب.. بالحب نبني نقابتنا" شعارها وقت أن رشحت نفسها لنقابة الممثلين.
في شارع كامل الشناوي "النباتات سابقا"، بحي جاردن سيتي، حيث العقارات التراثية شكلا ومضمونا، التي قطنها أعلام الفكر والثقافة والسياسة المصريين، تتناثر اللوحات الذهبية التي تتبع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، توثق مبنى تراثي وتوثق محل إقامة شخصيات قومية، وهناك بدأت "الوطن" جولتها، تفتش عن سيرة الفنانة الراحلة نادية لطفي، بين المقيمين، في عقار لم يحمل أيًا من تلك اللوحات.
عقار 5 أدوار، يطل بواجهة نصف دائرية، طراز البناء من الخارج متواضع، ومن الداخل رونقه قديم متجدد، وعبر باب زجاجي ذو إطار حديدي، يؤدي إلى مدخل يحمل جداريه، على اليمين واليسار، من الصناديق الخشبية، كانت تستخدم قديما للبريد، وفي هدوء نصل إلى الدور الأخير، الذي يستهل زائريه بصورة نادية لطفي، وصوت نباح كلبيها بداخل الشقة لا ينقطع منذ وفاتها.
انهمرت دموعها.. صاحبة الشقة المجاورة: نادية لطفي كانت أميرة الأمراء واتصلت بينا من أسبوعين تطمن علينا
"كانت أميرة الأمراء"، بهذه الكلمات وصفتها شرين وزوجها المهندس يحيى بدري، أصحاب الشقة المجاورة للفنانة الراحلة. دموع الزوجة تنهمر رغما عنها، فطيلة 25 عاما من الجيرة لاقت منها حسن المعاملة، وكانت تتواصل دائما للاطمئنان عليهما، "ماكنتش أقصدها في حاجة غير لما تعملها من قلبها قوي وللآخر، يعني كانت ونعم الجار.. مفيش حاجة اتأخرت معايا أبدا فيها"، وأكدت شرين أنها وزوجها زارا الراحلة في المستشفى، خلال صراعها الأخير مع المرض.
خدمة الغلابة كان أكثر ما يتذكره يحيى، في حديثه لـ"الوطن"، إضافة إلى ملامح وطنيتها التي عرفها عنها منذ كان صغيرا: "عارف إنها كانت بتخدم كل المحاربين وتساعد في علاجهم"، ومع انتقالهما للسكن بجوارها توطدت أواصر المعرفة، سواء بزيارة أو باتصال، فقبل أسبوعين فقط تلقى وزوجته اتصالا منها: "كانت بتطمن علينا، ألف رحمة ونور عليها.. كانت ست جميلة ورائعة جدا".
ممرضتها: كل مشكلة وعندها حل ليها.. وياما نصحتني في تعاملي مع ولادي وجوزي
في "بدروم" أو أسفل العقار رقم 1، المجاور للعقار الذي كانت تقطنه نادية لطفي، تقيم أسرة مكونة من رضا وسلامة، فالأولى ممرضتها ومديرة أعمالها، والثاني سائقها، إضافة إلى عبير وعاطف، من أقاربهما، وهما أيضا يقومان على تلبية احتياجات الفنانة.
"لو فيه خلافات بيني وبين جوزي وولادي ومش عارفة أتعامل كنت ألجأ لها وتفهمني وتقولي دة سن المراهقة نعمل معاه كذا بحيث ماخسرش ابني وأحاول احتضنه وخلتني ألم بيتي وأفصل بين شغلي وأولادي" ذكريات تحكيها عبير، جمعتها بالفنانة الراحلة، والتي كانت تحرص على التواصل معها إما تليفونيا أو أن تطلب منها زيارتها بشقتها كلما افتقدتها: "إنسانة كاملة من مجاميعه وعلى خُلُق وتقف مع الغلبان زي أصدقائها".
فرغم انشغال نادية لطفي، ورغم وجودها بالمستشفى، إلا أنها كانت على تواصل دائم، لتصفها عبير بأنها "تشبه الملاك من جوة ومن برة، وفضلت محتفظة بجمالها، ولا تحط مكياج، وماكنتش عيانة أوي، والمستشفى كانت فترة نقاهة بس"، ليأتي خبر وفاتها كالصدمة الشديدة التي حزنت لها كثيرا، لكنها ستظل تتذكر وقوفها بجانبها، ففي وقت ما تعرضت عبير، المولودة بنفس العقار، لمشكلة كبيرة وساعدتها معنويا وماديا "إنسانة مابتسبش حد وحنينة جدًا وكل مشكلة وليها عندها حل".
عاطف منظم حفلاتها: نادية لطفي تأثرت بوفاة زوجة ابنها وكانت تلعب الطاولة
جهَّز نفسه لحضور جنازة جارته التي عمل معها لأكثر من 20 سنة، بعد أن جاء من أسوان، فقد حضر معها كثير من لحظات فرحها ومرضها، كانت تستعين به كسائق أحيانًا أو سُفرجي ومنظم حفلات أحيانًا أخرى، وهو أحد أفراد عائلة رضا وسلامة، دعته الفنانة للاحتفال بعيد ميلادها الشهر الماضي، داخل المستشفى، حيث أن عاطف حسن، هو خبير حفلات نادية لطفي، بحسب وصفه.
"في أفراحنا وأحزاننا تتصل بينا، وفي كل حاجة تليفونها سابقها.. أصلها بنت بلد"، بهذه الكلمات بدأ عاطف، حديثه لـ"الوطن" مسرعا للحاق بصلاة الجنازة، مفتقدًا صوت حكمتها فقد كان يلجأ إليها قبل اتخاذ أي قرار، ورغم مكوثها بالمستشفى منذ 5 أعوام، إلا أن التواصل كان دائمًا: "عندها كلبين صغيرين كل يوم رضا وسلامة يراعوهم ويصوروهم فيديو، ولما يروحوا المستشفى تشوف الفيديو".
"كانت تتابع أخبار مصر وأخبار العالم، وكان دة طقس يومي ليها، وتضايق جدا لو حاجة حصلت في مصر، وفرحت جدا بخطاب الرئاسة علشان العلاج، وقالت دة كتير عليا وعينيها دمعت"، وازدادت فرحتها عندما كرمها الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وقد كان "عاطف" شاهدًا على التكريم الذي جرى داخل المستشفى، ووفقا لروايته فإن زيارة الفنانين لجارته لم تنقطع أبدا وعلى رأسهم دلال عبدالعزيز وابنتيها وسمير غانم وإلهام شاهين وسمير صبري ورجاء الجداوي.
لعب الطاولة كان عشق نادية لطفي، حتى وفاتها، بحسب عاطف، إلا أن وفاة زوجة ابنها أحزنها كثيرا، ورفضت وقتها كل النصائح بعدم مغادرة المستشفى للتواجد بالعزاء: "اتأثرت بوفاتها من شهر، ولما راحت العزا تعبت، ومن وقتها بدأت حالتها تبقى صعبة، وأول امبارح الدكاترة قالوا لنا إنها تعبانة"، مضيفًا أنه لن ينسى أهم ما يميز الفنانة الراحلة والتي رغم شهرتها ورونقها إلا أنها كانت تتصف بالتواضع وعدم الكِبر والكرم مع كل من يدخل بيتها: "كانت تقول كلنا إنسان واحد.. ربنا يرحمها ويحسن إليها".
صاحب جراج أسفل عقار نادية لطفي: تعاملها شيك جدا وزي النسمة محدش كان بيحس بيها
يعمل منذ 20 عاما مع أحد ساكني العمارة التي تقيم بها نادية لطفي، ويملك الجراج أسفلها، حيث قدم أشرف هلال، من الشرقية، ورغم أن تعامله معها كان قليلا، إلا أنه لمس شخصية جديرة بالاحترام: "جابت عربية سنتين، بس ماكانتش بتسوق وأحيانا أوصلها لأي مكان، وتعاملها كان شيك جدا ولطيفة بطبعها.. تدخل وتخرج زي النسمة محدش يحس بيها"، واصفا إياها بالهدوء والأخلاق العالية، ليقع خبر الوفاة بمزيد من الحزن على نفس هلال.