باحثون: الأغلبية الساحقة التي تؤمن بأفكار السلفية من الفقراء غير المتعلمين
أحد مشايخ الدعوة السلفية بالإسكندرية يلقى درساً على مريديه
لم تشهد المدرسة السلفية على مدار تاريخها، مراجعات تنظيمية حقيقية وجماعية، حيث تظهر بين الحين والآخر مراجعات فردية غير مكتملة أو واضحة المعالم، وفقاً لباحثين فى شئون الجماعات الإسلامية والدعوة السلفية، مؤكدين أن ما يتردد على لسان مشايخ السلفية وقياداتهم فى أوقات متفاوتة عن تراجع لأفكار وآراء فقهية خاطئة، لم تزد على كونها فضفضة، حيث مارسوا إقناع أتباعهم بتلك الأفكار على مدى 20 عاماً أو يزيد، ثم يعلنون وجود أخطاء فى تلك الآراء عبر لقاءات تليفزيونية عابرة لا تزد على دقائق، ما يجعلها منعدمة التأثير.
وقال الدكتور نبيل عبدالفتاح، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه للأسف الشديد قضية المراجعات الفقهية التى قام بها بعض الراديكاليين الإسلاميين من الجماعة الإسلامية، ومن جماعة الجهاد فى بعض الحوارات التى تمت فى السجون المصرية، التى كانوا يقضون فيها عقوبات بناء على أحكام قضائية، كانت تقليدية بامتياز، تراجع بعضهم عنها أثناء الاضطرابات التى حدثت بعد 25 يناير، وعادوا لتبنى الأفكار التى كانوا يطرحونها قبل الحوار معهم فى السجون، وبالتالى ما قام به بعض السلفيين من تغيير فى بعض آرائهم التى كانوا يتبنونها فى المراحل الماضية، لا تزال محدودة ولا تزال البنية الفكرية الأساسية التى بنيت عليها أفكارهم وفتاواهم ودعاواهم كما هى، وللأسف هناك تمدد لهذا النمط من السلفية المتشددة والتقليدية يسود بين قطاعات اجتماعية واسعة.
وتابع أن الأغلبية الساحقة التى تؤمن بالأفكار السلفية ذات التعليم البسيط ومن الفقراء غير المتعلمين، وبالتالى تأثير هذه الأفكار فى الأوساط الاجتماعية كان مؤثراً ولا يزال حتى هذه اللحظة.
"القاسمى": أتباعهم ينظرون إليهم بتقديس.. ويجب أن تكون لديهم الشجاعة الأدبية لتحديد ما تراجعوا عنه وتفنيده للعامة الذين تأثروا بهم
وقال صبرة القاسمى، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية والدعوة السلفية، إن السلفيين لم يقوموا بمراجعات خاصة بفكرهم هم وأفرادهم، فدائماً مراجعاتهم تتم ضمن الأفكار الجهادية والتكفيرية، مشيراً إلى أن أبوإسحاق الحوينى من الشخصيات المؤثرة فى التيار السلفى، وحديثه له اعتبار لدى تلاميذه، ولدى طلاب العلم فى الدعوة السلفية، لذا فأثره يقع على طلاب العلم فى المدرسة السلفية أو على تلاميذه، لكن تبقى المشكلة فى الأتباع، فالحوينى وكلماته بالنسبة لهم، ذات قدسية.
وأوضح «القاسمى» أن المشكلة قد تكون نفسية أكثر منها شرعية، فتقديس الدعاة والقيادات السلفية، يصل إلى أن يصبح الشباب منبهراً بهم، ويتبع كلامهم ويقلدهم تقليد أعمى، دون النظر إلى فروع الشريعة، وهو ما يعود بنا إلى أمر مهم ألا وهو أن أى صاحب علم شرعى، لا بد أن يراجع من الأزهر الشريف، لأن الأزهر مؤسسة لها علماء ومراجعون يراجعون مثل هذه الفتاوى والآراء، أما الأشخاص مثل أبوإسحاق الحوينى، فهو بشر يصيب ويخطئ، ولا أحد يراجع عليه سوى شخصه، والمشكلة الكبرى هو أنه إذا لم يراجع جيداً وأخطأ، يحدث ما حدث، وهو أن يأتى بعد مدة يتراجع عن حديثه وعن فتواه، بعد أن يكون قد تأثر بأفكاره الأولى قطاع عريض من الشعب.
وتابع أن السلفيين ليس لديهم مراجعات ذاتية حقيقية، فهم يعتقدون أنفسهم على صواب، وأنهم لا يخطئون، ويعتبرون التيارات الأخرى مثل التبليغ والدعوة، والجهاد، والجماعات الإسلامية، والتكفير والهجرة، والإخوان، جميعهم ليسوا على حق، ويقومون بمراجعات لهم، فهم يشعرون أنهم مطمئنون لما قاموا به، وأن غيرهم هم من يحتاجون المراجعة، فيراجعون للجماعات الأخرى، فلا توجد مراجعات حقيقية لفكر الدعوة السلفية ذاتها، وإنما هم منظرون لجميع الفئات والطوائف الأخرى، فما قاله إسحاق الحوينى يمثل حالة فردية وشخصية، ولا يؤثر بشكل قوى على قطاع عريض ممن تأثروا بهذه الأفكار، وإنما ربما يؤثر على بعض من تلاميذه، منهم القابل لهذا الموقف المتغير، ومنهم من لا يستجيب لهذه المواقف المتغيرة.
وطالب «القاسمى»، إسحاق الحوينى وغيره ممن شعروا بوجود أخطاء سابقة فى آرائهم ومناهجهم، أن يكون لديهم الشجاعة الأدبية لتحديد ما تراجعوا عنه وتفنيده للعامة حتى يعرف الناس، فيجب عليه تفنيد ما تراجع عنه، حتى يبرأ إلى الله سبحانه وتعالى من الضرر الذى وقع نتيجة إفتائه فتوى خاطئة، أو إبداء رأى خاطئ فى الدين، حتى إذا ما وقع شخص ما فى خطأ شرعى بسبب رأى «الحوينى» أو غيره من مشايخ السلفية، يجب عليه أن يرد هذا الخطأ لأصله، بذكر الخطأ ويذكر أدلة تفنيد الخطأ بالأدلة الشرعية، حتى يتراجع الأتباع عن الأفكار الخاطئة التى آمنوا بها وصدقوها.
"ربيع": المراجعات تتحقق بالمناهج والأفكار وليس بالندم والفضفضة العابرة
وقال إبراهيم ربيع، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن ما يشاع أو يعرف باسم المراجعات السلفية لإسحاق الحوينى، ومحمد حسان، وغيرهما، ليست مراجعات، وإنما نوع من الفضفضة، فالمراجعة لا بد أن تكون مراجعة منهج وأفكار ومنطلقات، أما القول بالحديث عن ندم فى بعض الأفكار والآراء، فإنما هو إن جاز التعبير اعترافات ليلية وليست مراجعات حقيقية، فالمراجعات تخضع لمناهج علمية، وتغيير اتجاهات، وجلسات مطولة، ومناقشات وتغيير قواعد، وهذا لم يحدث من حيث المبدأ، موضحاً أن القطعان الضالة حسب وصفه، سواء من السلفيين أو الإخوان، تسمم فكرها وعقولها، إلى الدرجة التى يقومون فيها بسب المشايخ، والبحث عن مشايخ آخرين، لأن المنهج الخاص بهم كان تغذية المظلومية لديه، وأنه لم يحصل على حقه والدنيا ليست جيدة، وأنه لهم أن يتزوجوا كما يحلو لهم، وغيرها من الأفكار. وأضاف «ربيع» أنه لو كان يريد «إسحاق الحوينى» وغيره من القيادات السلفية، مراجعة حقيقية لآرائهم الفقهية ومناهجهم، فليعلنوا ذلك صراحة، ويذكروا أسماء الكتب التى يريدون مراجعتها، ويعلنوا منهجهم فى اكتشاف أخطائهم، وينصحوا التابعين والشباب الجدد بطريق جديد، ويعلموهم بالأمور التى تراجعوا عنها، لافتاً إلى أن كل ذلك لم يذكر.
وتابع «ربيع» أن مشايخ وقيادات السلفية، شعروا بأن رصيدهم الاستراتيجى تآكل عند الناس، إنما القطعان المقتنعون بهم يسيرون وراءهم دون مشكلة، فالبيت المصرى منذ 2005 حتى الآن، كان مخطوفاً ذهنياً من هذه المشايخ السلفية، فربة المنزل تسمع هؤلاء المشايخ وتتصل بهم للحصول على فتوى، وبعد 2013، كشف كل ذلك، وشعر هؤلاء المشايخ أنه لم يعد لهم وجود، والدولة تحجمهم، فهم يريدون العودة بوجه آخر ليتقبلهم المصريون، فهم يعلمون أن المصريين عاطفيون وطيبون، وربما يتقبلون ذلك.
وتابع أن المراجعة الحقيقية هى أن يعلن هؤلاء أنهم من الآن مرجعهم فى الدين والعلم الشرعى، الأزهر الشريف ولجنة الفتوى، وغير ذلك لا تكون مراجعة، فالمراجعة هى أن يعلنوا بصراحة ويوضحوا أخطاءهم، وأن يعلنوا قائلين: «إن من يريد أن يستفتى فى الدين فعليه لجنة الفتوى، أما نحن فقد كنا نحاول، وأخطأنا كثيراً وأصبنا قليلاً، وأخطاؤنا تخصنا»، هذه هى المراجعة.
وأوضح أن هذه المراجعات المعلنة كما يرددون، سبوبة للعودة إلى الأضواء وغير جادة، فالأفكار والآراء الأولى استمر الترويج لها سنوات طويلة بالنكات والحواديت تارة، وتقديم براهين وحجج واهية تارة أخرى، فاستمروا يدلسون لمدة 20 عاماً، ثم يأتون فى حديث عابر ويقولون إنهم أخطأوا، فمن إذن سيتأثر بحديث عابر فى كلمة تليفزيونية؟، هكذا لا يمكن!