عمال يبحثون عن وظيفة لكسب الرزق بعد الإغلاق الإجبارى للمصانع المخالفة
«معاناة العمال» جانب من مأساة «العكرشة»
داخل قرية العكرشة التى كانت تضج بالحياة، بحسب وصف سكانها، ولا صوت يعلو فوق صوت آلات المصانع وضجيج العاملين، لكن بين ليلة وضحاها أصبحت القرية خاوية على عروشها، تشبه مدينة الأشباح بعد أن هجرها معظم العمال واختبأ أصحاب المصانع فى منازلهم، وتواروا عن الأنظار خشية القبض عليهم أو تغريمهم مبالغ لا يستطيعون توفيرها حتى وإن واصلوا العمل طوال الليل والنهار بحسب قولهم.
داخل أحد أكبر مصانع القطن والمكون من ثلاثة مبانى متوسطة الحجم ومتراصة إلى جانب بعضها، وتمتد بطول الطريق الرئيسى الذى يقسم القرية إلى شطرين متساويين كانت الحركة مشلولة تماماً، ففى الساحة الخارجية أمام المصنع جلس العاملون يتناولون أكواباً من الشاى ويتجاذبون أطراف الحديث، بعد أن قامت الحملات البيئية بإخطار شركة الكهرباء بضرورة قطع التيار عن المصانع المخالفة، التى لا تملك ترخيصاً.
مالك مصنع: التصريح بـ10000 جنيه
«بقالنا يومين حياتنا واقفة ومش عارفين نشتغل ولا نعمل أى حاجة»، بهذه الكلمات وبنبرة غاضبة بدأ رئيس العمال فى المصنع، رفض ذكر اسمه، حديثه، حيث يقول إن العمل داخل المصنع يبدأ أولاً بالحصول على أطنان من بقايا وقصاصات الملابس، حيث يتم جلبها من الأماكن المخصصة لها، يتم بعد ذلك تصنيفها حسب خامتها وجودة ملمسها: «بيختلف عدد العمال من مرحلة للتانية، يعنى مرحلة التصنيف بنحتاج أيادى كتير مش أقل من سبع رجالة، عشان نستغل الوقت والمجهود»، تليها مرحلة تعبئتها فى أجولة كبيرة من القماش، ليتم أخيراً فرمها باستخدام آلات كبيرة ذات أصوات رنانة تصم الآذان، ليتحول القماش بعد فرمه إلى نسيج من القطن الهش المتطاير، يتم بعدها كبس القطن وغمره فى الماء حتى يتماسك، تليها مرحلة تجفيفه وتعبئته فى الأجولة مرة أخرى، ورصها على جانبى رشاح القرية المقابل للمصنع.
يرى بعض ملاك مصانع القطن أن هناك استهدافاً لهم وتضييقاً عليهم بسبب المبالغة فى المبلغ الذى يتعين عليهم دفعه مقابل استخراج تصريح للمصنع، ويقول أحد الملاك، رفض ذكر اسمه: «يعنى عشان نطلع تصريح ندفع عشرة آلاف جنيه، احنا بيدخلنا كام عشان ندفع المبلغ ده، دى حاجة مترضيش ربنا»، مشيراً إلى أن تلك المصانع تقوم ببيع القطن للتجار مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى الجنيهين مقابل الكيلو الواحد، ويقول: «الحكومة فاكرة إننا بنكسب دهب واحنا يدوب بنجيب مصروف اليوم والداخل على قد اللى رايح».
رئيس عمال مصنع: بقالنا يومين مش عارفين نشتغل بسبب قطع الكهرباء
وعلى الجانب الآخر لم يكن توقف العمل هو العائق الوحيد الذى اصطدم به العاملون بالمصانع، لكن غياب وسائل الأمان أثناء العمل كان بمثابة قنبلة موقوتة، فأمام منزله الذى يبعد خطوات قليلة عن المصنع، كان حسان على، الذى لم يتخط عامه الخامس والعشرين، ويعمل بالمصنع منذ انتقاله إلى القرية قبل ثلاثة عشر عاماً، يشرح كيفية إصابته بكسر مضاعف فى معصمه أثناء إحدى المرات التى كان يقوم فيها بإدخال قصاصات الملابس إلى آلة التقطيع والفرم، يقول: «محدش من العمال بيتأمن عليه وبنشتغل بكل طاقتنا وبناخد ملاليم فى الآخر، ولما إيدى اتكسرت صاحب المصنع قالى روح اتعالج واقعد فى البيت لحد ما تخف وتشتغل تانى عشان أديك فلوس»، ويشير «حسان» إلى أنه ليس هناك عقد بين مالك المصنع والعمال بموجب عملهم، وأن اليومية هى نظام العمل المتعارف عليه فى القرية.