صحة الأطفال في خطر بسبب انتشار الأدخنة وأصحابها: "اللي مش عاجبه الحال ده يمشي"
بعض الأهالى يوضحون أوجه معاناتهم لـ«الوطن»
لم تكن أزمات إغلاق المصانع وتوقف العمل فيها هى المشكلة الوحيدة التى يعانى منها أهالى قرية العكرشة، بل امتد الأمر لتضرب الأزمة بجذورها إلى حد تهديد سلامة وصحة المواطنين من سكان المنطقة.
أحاديث الأهالى لم تكن إلا تأكيداً على المشهد العام من السحب الدخانية السوداء الكثيفة التى تغطى سماء القرية، فمع بداية كل صباح وقبل حملات الإغلاق الأخيرة، كانت المصانع تعمل بكل قوتها، الأمر الذى أدى إلى تصاعد غاز وأبخرة كثيفة تسببت فى أمراض تفتك بالجهاز التنفسى للسكان، خاصة ممن يعانون من ضعف المناعة، بالإضافة إلى الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
"بهية": اتنين من أحفادى ماتوا بسبب الأدخنة السامة
«عندى اتنين من أحفادى ماتوا بسبب أدخنة المصانع السامة عشان عملت لهم مشكلات فى الرئة ويا ريت تتقفل خالص»، بهذه الكلمات وبنبرة حزينة بدأت السيدة الستينية بهية عبدربه حديثها، فعلى الرغم من حزنها الشديد على حفيديها، حيث توفى أحدهما قبل خمس سنوات، بينما أسلم الآخر روحه فى أواخر ديسمبر الماضى ولم يكمل عامه الرابع، إلا أنها لا تستطيع مغادرة القرية بسبب دخلها الذى تحصل عليه من العمالة باليومية فى أحد مصانع القطن، وهو الذى لا يمكن أن يؤمن لها منزلاً خارج حدود القرية، تقول: «الفلوس يا دوب بتمشى يومنا والبيت ده بتاع جوزى بناه هنا قبل 15 سنة ومكنش فيه ساعتها أى مصنع ولا كل اللى بيحصل ده ولو كنت أعرف مكنتش هسكن هنا أبداً عشان ولادى».
"إنعام": باضطر أقفل الدكان عشان أترحم من الدخان
تلتقط إنعام عبدالجليل أطراف الحديث، حيث تمتلك السيدة الستينية دكاناً صغيراً لتغطية الاحتياجات البسيطة لأهالى القرية من المواد الغذائية، ويقع الدكان خلف مصنع الألمونيوم مباشرة، وتقول «إنعام» إن دخان المصنع يطاردهم طوال أيام الأسبوع ولا تستطيع التنفس بأريحية سوى يوم السبت فقط، حيث الإجازة الأسبوعية للعاملين بالمصنع، وتتابع: «طول الأسبوع بقعد أكح وأنا ست كبيرة مبستحملش الدخان ده وأحياناً بضطر أقفل الدكان عشان أترحم من الدخان اللى بيعمينا».
توسلات ومشادات وسبل عديدة سلكتها حنان فوزى، للحد من الدخان الناجم عن المصانع والروائح الكريهة المنبعثة من داخل مصنع الغراء، وتقول «حنان» صاحبة الـ35 عاماً إنها تحدثت مراراً إلى أصحاب تلك المصانع إلا أن الرد الدائم من جهتهم تلخص فى كون القرية منطقة صناعية فى المقام الأول وليست سكنية ومن يشعر بالضرر عليه مغادرتها، وتقول بنبرة يائسة وتتجلى فيها قلة الحيلة: «قالولى اللى مش عاجبه يمشى، طب أمشى أروح فين، أنا معايا 6 أطفال وجوزى أرزقى على الله»، مشيرة إلى أنها فى بعض الأيام وأثناء ذروة العمل فى المصنع لا تستطيع هى وأطفالها التقاط أنفاسهم، وتضيف: «بنبقى بنفرفر مش قادرين نتنفس، وكل يوم والتانى عند الدكتور بعيالى، وقالى كذا مرة أبعد عن المكان عشان خاطر ولادى بس مش بإيدى ومحدش من اللى شغالين فى المصنع بيراعى حد»، مشيرة إلى أن هناك العديد من عمال المصنع يتعرضون للإغماء بسبب استنشاقهم للأبخرة المنبعثة، وتقول: «بيطلعوهم بره وينيموهم على الأرض ويقعدوا يدلقوا على وشهم ميه لحد ما يفوقوا ومرة واحد ملحقهوش وجاله اختناق ومات من الريحة والدخان».