سيلمان جودة: إنصاف مبارك سيكون من خلال "محكمة التاريخ"
الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك
تناول الكاتب الصحفي سليمان جودة، خبر رحيل مبارك، مفتتحا حديثه بمقولة "له ما له وعليه ما عليه"، لافتا إلى مذيعة التلفزيون المصري التي أذاعت خبر الرحيل.
ولفت جودة، فى مقالة بجريدة"الشرق الأوسط"، إلى أن الأمر، كأنه إعادة تذكير مبكر للذين سيشتبكون بعضهم مع بعض، بعد رحيل الرجل، بأنه "له ما له وعليه ما عليه"، والمعنى أنه بشر كسائر بني آدم، وأنه لم يكن شيطانا ولا كان ملاكا.
وأوضح أن صفحته بالتالي، سوف تمتلئ بما أصاب فيه من المواقف، وبما أخفق فيه من السياسات في المقابل، فهكذا يجري جرد الحساب الأخير للأفراد، الذين يتقلدون مواقع المسؤولية العامة، في حياة الشعوب.
وأضاف أن مسؤولية مبارك، كانت هي المشكلة التي واجهت الرجل خلال سنوات تسعة انقضت، منذ أن تنحى عن السلطة في 11 فبراير 2011، إلى أن كان على موعد مع الرحيل في الشهر ذاته.
وأشار جودة، إلى أن المصادفات جعلته على موعد في هذا الشهر نفسه، مع أشياء كثيرة وكبيرة، ففيه كان على موعد مع التخرج ضابطاً في الكلية الحربية، ثم فيه كان على موعد مع الترقي بعدها بسنوات، إلى رتبة غيرت من حياته، وفيه ثارت عليه قوات الأمن المركزي عام 1986، وفيه دعا ثم شارك عام 1991 في حرب تحرير الكويت، وأخيرا كان فيه على موعد مع الرحيل.
وقال: إن كل هذه الوقفات التي يجمعها شهر واحد، في أعوام متفرقة، هي من صنع المقادير في النهاية، وليست من صنع مبارك بالتأكيد، ولكن هذا لا يمنع، أن يتطلع إليها الذين يعتقدون في أبراج الفلك ومنازل النجوم، بوصفها باباً من أبواب الحظ في حياته، التي طالت حتى كادت تتم مائة سنة.
وتابع جودة، أنه منذ تنحى مبارك، انقسم المصريين حوله، كما لم ينقسموا حول رجل سياسة آخر، ففريق رآه ملاكاً لا يخطئ، ولم يكن هذا صحيحا بأي مقياس، وفريق آخر في المقابل، راح يحاسبه على أنه شيطان لم يفعل شيئا حسنا، ولم يكن هذا بدوره صحيحا بأي معيار من معايير التقييم في حياة الإنسان.
وأكد أنه ربما يتيح رحيله عن الدنيا، مساحة من الهدوء، حول ما فعل وما لم يفعل، مساحة يستطيع من فوقها المناصرون والخصوم على السواء، أن ينظروا إلى كتابه باعتباره كتابا لرجل عاش يعمل عسكريا ومدنيا، ولا يتوقف عن العمل، وكان من الطبيعي أن يخطئ هنا مرة، وأن يصيب هناك مرات.
وأوضح جودة، حين نعتْه رئاسة الجمهورية، فإنها كانت ترى أصداء هذا الانقسام الشديد، حول مسيرته وترصدها، وكانت تدرك أن الخوض من جانبها في موضوع الانقسام أو في مادته، ليس من الحكمة في شيء، فتصرفت بطريقة حكيمة واضحة، وصاغت عبارات النعي على نحو يشير إلى هذه الحكمة، ثم يُكشف عنها في سطور لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة.
ولفت الكاتب الصحفي، إلى أن صفحة السياسة في مشوار مبارك الطويل، كانت في المقابل محل خلاف واختلاف، وسوف تظل هكذا إلى زمن طويل قادم، وسوف يكون حاله فيها هو حال عبدالناصر، ومن بعده حال السادات، وعندما هبت رياح ما يسمى "الربيع العربي"، كان اشتباكه معها على أرض بلده، اشتباك رجل مسؤول، وكانت عقيدته الوطنية العسكرية، هي التي أرشدته إلى خطوات الطريق.
وأشار إلى أنه قبل رحيله بيومين، جاءه نبأ براءة ابنيه علاء وجمال في قضية كانت منظورة أمام القضاء، فلما جاءه النبأ قال عبارة من 7 كلمات، قال: "الحمد لله، ربنا أنصفنا بعد سنين طويلة".
واختتم جودة مقالته، بأن مبارك قال جملته، ثم غادر بعدها بساعات معدودة، فكان وكأنه عاش ينتظر هذه البراءة، ليستأذن في الذهاب، وقد كان الإنصاف الذي قصده، هو إنصاف الابنين في الأساس، لا إنصافه هو، حتى وإن كان تحدث بصيغة الجمع، التي تضمه مع الولدين، أما إنصافه شخصيا فلم يكن معروضا على محكمة من محاكم القضاء التي وقف أمامها جمال وعلاء، ولكنه إنصاف من نوع آخر، إنصاف سوف تقضي فيه محكمة التاريخ، وسوف تضع الرجل في مكانه الصحيح.