بورسعيد: "سلة لحوم مدن القناة" تحاصرها الأمراض وغلاء الأسعار
متابعة مستمرة لحالة الحيوانات
قرية «القابوطى» جنوب بورسعيد، تم إنشاؤها لتكون مركزاً لإنتاج الثروة الحيوانية و«سلة اللحوم» لأبناء المحافظة والمحافظات الأخرى المجاورة، خاصةً الواقعة على طول المجرى الملاحى لقناة السويس، ولكن يوماً بعد يوم تفاقمت المشكلات التى يعانيها مربو الماشية بالقرية، بسبب انتشار الأمراض والأوبئة، التى تهدد استثماراتهم، نتيجة إلقاء مخلّفات التربية والحيوانات النافقة فى الشوارع، نظراً لعدم وجود مدفن صحى للتخلص من تلك المخلّفات، وسقوط كثير من المربين فى «مستنقع الديون»، لتوفير الأعلاف والأدوية لماشيتهم، فضلاً عن إيجار المخازن، وفواتير الكهرباء والمياه، فى ظل غياب تام من قبَل المسئولين بالمحافظة.
محمد أبوطالب، أحد المربين من أبناء «القابوطى»، أكد، لـ«الوطن»، أنه قام بشراء مخزن لتربية الماشية بالقرية، بعد أن بدأ هذه المهنة كهواية، ودرس تربية الماشية عبر «الإنترنت»، وبالفعل اكتسب خبرة كبيرة فى هذا المجال، وكان لديه أمل فى تحقيق حلمه بأن يكبر المشروع، ولكنه تعثر مثل معظم المربين فى «القابوطى»، وعبر عن معاناة المربين بقوله: «نواجه مشكلات متراكمة، أهمها ارتفاع أسعار علف المواشى»، ولفت إلى أن سعر الطن ارتفع إلى أكثر من 5 آلاف جنيه، وأن الرأس الواحدة تأكل ما لا يقل عن 5 كيلوجرامات بقيمة 50 جنيهاً فى الوجبة الواحدة، بالإضافة إلى سعر «التبن»، الذى ارتفع إلى ألف جنيه للطن، فضلاً عن ارتفاع أسعار «الردة، والذرة الصفراء، والفول الصويا»، وجميعها من المكونات لعمل «عليقة» مضبوطة، وهى وجبات أساسية للماشية.
أهالى "القابوطى" يطالبون بدعم الحكومة للمربين وتنفيذ توجيهات الرئيس "السيسى" وتحويلها إلى "قرية ريفية"
وأضاف «أبوطالب» أنه ينفق حوالى 21 ألف جنيه شهرياً لشراء الأعلاف اللازمة للماشية التى يقوم بتربيتها، وفى المقابل يقوم ببيع منتجات ألبانها بما قيمته 12 ألف جنيه، وهو ما يحقق له خسائر تصل إلى 10 آلاف جنيه كل شهر، دون حساب الأصول، مشيراً إلى أنه يقوم أيضاً بسداد مبالغ كبيرة شهرياً لفواتير المياه والكهرباء، حتى إن محافظة بورسعيد قررت زيادة سعر حق الانتفاع بالمخزن الذى يستخدمه فى تربية الماشية «الحظيرة» من 1500 جنيه إلى 7500 جنيه سنوياً.
وأرجع سبب ارتفاع أسعار اللحوم فى بورسعيد عن غيرها من المحافظات، نظراً لأن الماشية فى المناطق الأخرى يتم تغذيتها على حشائش الأرض، مما يساعد على تقليل تكلفة الأعلاف، بينما فى «القابوطى» يتم تربية الماشية داخل «حظائر» ولا تتغذى إلا على أعلاف يتم شراؤها من السوق السوداء، بأسعار مبالغ فيها، كما أن تراكم الديون يكبد المربين خسائر فادحة، مما اضطر غالبيتهم إلى ترك المهنة، بينما لجأ آخرون إلى بيع ماشيتهم بالخسارة، وحذر من «كارثة وشيكة» فى بورسعيد، حيث يقوم كثير من المربين ببيع الماشية المهيأة للحمل للذبح، لثقل لحمها، الأمر الذى يشكل خطورة فى فقدان السلالة، وقد يؤدى ذلك إلى أزمة طاحنة نتيجة قلة المعروض مستقبلاً، ولفت إلى أن ذلك السبب وراء انخفاض أسعار اللحوم، لتخلص المربين من ماشيتهم، بسبب غلاء الأعلاف، وارتفاع تكاليف الإنتاج، محذراً من أن سعر كيلو اللحوم قد يرتفع إلى أكثر من 200 جنيه، نتيجة تلك الأزمة المحتملة.
وقال «أبوطالب» إن من ضمن المشكلات التى تواجه تنمية الثروة الحيوانية فى بورسعيد، حالة «الجهل» المنتشرة بين كثير من المربين، وأوضح بقوله: «نعانى كثيراً بسبب تفشى أمراض الحمى القلاعية والجلد العقدى والقراد»، مشيراً إلى أن هذه الأمراض موجودة طوال العام، ولا توجد أى مقاومة بيطرية، حيث يعتقد كثير من المربين أن تفشى الأمراض بسبب «الحسد»، فيقومون بإلقاء الحيوانات النافقة أمام المارة، بهدف «كسر العين»، ولا يتم التخلص منها بطريقة آمنة، مما يتسبب فى تفشى المزيد من الأمراض، ويرفض المربون الاستعانة بالطبيب البيطرى، اعتقاداً منهم أنه يحمل العدوى من ماشية أخرى مريضة.
وأوضح أن قرية «القابوطى» يوجد بها نحو 3 آلاف مخزن لتربية الماشية، ولا تقدم المحافظة أى دعم للمربين، رغم توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بضرورة دعم الثروات الوطنية، خاصةً الثروة الحيوانية والزراعية، معتبراً أن المسئولين فى المحافظة يتجاهلون التوجيهات الرئاسية، كما أعرب عن أسفه لأن السلالات الموجودة فى القرية غالبيتها «عجوزة» وغير منتجة للحوم أو الألبان، وأضاف أنه بحساب معامل تحويل العلف إلى لحم، والسلالة الرديئة للماشية، نجد المربى يطعم الماشية ولا يحصل على لحم ليبيعه.
ودعا «أبوطالب» المسئولين فى بورسعيد إلى الاهتمام بقرية «القابوطى»، وتحويلها إلى «قرية ريفية»، ودعمها بسلالات جيدة، مشيراً إلى أن أغلب المربين بدأوا تربية الماشية على سبيل الهواية، حتى اكتسبوا خبرات واسعة فى هذا المجال، واقترح عمل سجل تجارى وبطاقة ضريبية للمربين، ومنحهم قروضاً ميسرة لجلب سلالات جديدة، ومساعدتهم فى تسديد الديون المتراكمة عليهم، بالتعاون مع وزارة الزراعة، التى تمدهم بـ«عليقة» تزيد من اللحوم، بأسعار مدعمة، بدلاً من السعر التجارى، وتفعيل دور الجمعيات الزراعية، إضافة إلى تفعيل دور الطب البيطرى، وتكثيف جهود الحى بتنظيف القرية، ورشها ضد الأمراض المختلفة، بالإضافة إلى إنشاء محرقة صحية بالجير الحى، للتخلص من الحيوانات النافقة بها، ومنع انتشار الأمراض إلى الرؤوس الحية.
كما دعا إلى الاستفادة من مخلّفات و«روث» الماشية، واستخدامها فى تصنيع أسمدة عضوية، بما يحقق مكاسب إضافية للمربين، واقترح كذلك إنشاء دور ثانٍ أعلى المخازن المستخدمة فى التربية، لاستيعاب الجيل الثانى من أبناء المربين، الذين أصبحوا فى سن الزواج، لضمان توطينهم فى القرية وعدم مغادرتها، وذلك بهدف النهوض بالثروة الحيوانية من ناحية، والمساهمة فى حل أزمة الإسكان فى بورسعيد من الناحية الأخرى، مع تقنين أوضاع تلك المخازن، بما يعود بموارد إضافية على خزينة الدولة نتيجة عملية التقنين، فضلاً عن تعميم تجربة «الريف المصرى» على قرية «القابوطى»، وتحويلها إلى قرية منتجة، تقوم على تربية الماشية وإنتاج الخبز والمنتجات الريفية.
أما محمود عبدالغفار، أحد المربين، فقال إن كثيراً من المربين إما يضطرون إلى إغلاق حظائرهم، أو يقومون بشراء رؤوس ماشية تعتمد فى تغذيتها على تناول «القاذورات» ومخلّفات المنازل، والتى تسمى بـ«الكارتة»، ولا يكلفون أنفسهم عناء تربية العجول الصغيرة حديثة الولادة حتى تكبر، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة فى بورسعيد، حيث يقوم بعض المربين بإطلاق ماشيتهم وأغنامهم فى شوارع المدينة لتأكل من أكوام القمامة، بما تحمله من أمراض خطيرة، لا تقتصر تأثيراتها على الماشية فقط، بل تمتد إلى كل من يتناول لحومها أو منتجاتها، وأضاف أنه قام، قبل شهور قليلة، بشراء رؤوس ماشية بسعر 30 ألف جنيه، واضطر إلى بيعها مؤخراً بمبلغ 13 ألف جنيه، نظراً لأنه لم يجد مالاً لشراء احتياجاتها من أعلاف، بالإضافة إلى ديون الإيجار والكهرباء والمياه.
وتحدث أحمد سالم، أحد المربين بقرية «القابوطى»، عن مشكلة تعرض لها أحد جيرانه، بعد أن تعرض لخسائر فادحة، نتيجة نفوق رؤوس الماشية داخل حظيرته، قام بتحويل نشاطه إلى تربية الدواجن، ولكن خلال يومين فقط نفقت نحو 1000 دجاجة، مما تسبب فى خسائر إضافية له بقيمة 40 ألف جنيه، كما أعرب، فى تصريحات لـ«الوطن»، عن استيائه من انتشار الكلاب الضالة فى المنطقة، نتيجة إلقاء مخلّفات الحيوانات النافقة فى الشوارع، واصفاً القرية بأنها أصبحت بمثابة «خرابة تسكنها الكلاب»، كما أشار إلى أن بعض المخازن تحولت إلى أوكار لتهريب البضائع المستوردة، بل وصل الأمر إلى قيام البعض بالحفر تحت مخازنهم، بغرض التنقيب عن الآثار.
كما أبدى محمود غنيم، أحد المربين، استياءه من سوء حالة سلالات الماشية التى يتم جلبها إلى قرية «القابوطى»، مشيراً إلى أن السلالات الجيدة يتم بيعها لأصحاب المزارع الكبيرة خارج بورسعيد، واعتبر أن حل معظم المشكلات التى تعانى منها المنطقة يتمثل فى دعم الحكومة للمربين، وتوفير الأعلاف لهم بأسعار مدعمة، وتزويدهم بالسلالات الجيدة.