م الآخر| الإدارة.. مجرد رحلة مصيف
اقترب فصل الصيف، ومع اقترابه يبدأ ماراثون البحث عن "المصيف"، أين سنسافر هذا العام لنستريح ولو أسبوعًا من ضغوطات الحياة، وننفصل عن زحام العاصمة المٌميت، وصخبها المزعج، وتلوثها الذي لا يغيب.
في الأسر المصرية العادية يتم اتخاذ القرار بشكل جماعي، حيث يستعرض الأب والأم مجموعة من الاقتراحات والبدائل المتاحة للأماكن التي يمكن السفر إليها، بينما يختار الأولاد –غالبًا- المكان الذي ستسافر إليه الأسرة بالفعل، فيكون للأطفال بذلك تأثيرًا بالغًا على كل قرار يتم اتخاذه.
(1)
تبدأ الأمور عندما تبحث الأم عن كل الأماكن المٌتاحة للسفر إليها، بينما يقف الأب مٌراقبًا من بعيد يتحسس جيبه الذي ينتظر من سيأتي على الأخضر واليابس قريبًا.
الآن البدائل متاحة والعروض جاهزة، شقة في المكان الفلاني وسعرها كذا، وشاليه هناك وسعره كذا، وعرض ثالث ورابع، بعد ذلك يجب أن يجلسا سويًا للتخطيط للمصروفات المطلوبة، ومٌقارنتها بما هو مٌتاح، وتحديد عدد الأيام التي سيتم قضاءها، ووسيلة المواصلات المٌستخدمة، وكل ما يجب التخطيط له في الرحلة.
شايفك ياللي بتسأل ده إعلان عن مصيف ولا إيه، لأ مش إعلان، بس كمل للآخر ..
المسيطر الأكبر على أغلب البيوت المصرية هم مجموعة من البشر لا تتعدى أطوالهم أمتارًا قليلة، ولكنهم "جبابرة"؛ لذلك يجب عرض كل ما تم التوصل إليه في الاجتماع الأخير عليهم، وبالغصب والاقتدار يختار الابن الأصغر المكان، ويذعن البقية لرغبته!
(2)
" جهزوا شنطكم، إنت هتبقى مسئول عن الحاجة اللي واخدها معاك، مش هناخد إلا (عدد معين) من الشنط" .. كلها كلمات تٌقال من الأم والأب.
ثم تتخذ الحقائب موقعها داخل السيارة المٌستخدمة في السفر، لتبقى هناك حتى الوصول.
(3)
يجب على الأب والأم أن يٌشرفا على تنفيذ الخطة المٌتفق عليها جيدًا، لتنتهي الرحلة بسلام.
(4)
من الوارد أن تختلف بعض الأمور عما تم الاتفاق عليه، فمن الممكن أن تضطر الأسرة إلى مد فترة الإجازة او اختصارها، او ربما يستدعي الأمر من الأب إنهاء الرحلة كلها بسبب حدث طارئ في عمله.
...
ما الهدف من كل هذا؟ .. بوصولك إلى هذه النقطة فأنت تقريبًا قد مررت على كل ما يحتويه علم الإدارة من خلال قراءتك للسطور الماضية، وسأثبت لك ذلك باستخدام الأرقام الواردة بالمقالة:
الفقرة رقم (1): بعد البحث عن البدائل يجب التخطيط للرحلة، من كل النواحي، بدءً مما يجب أن يتم توفيره من أموال لإتمامها، وحتى وسيلة المواصلات المٌستخدمة .. يتوافق ذلك مع أولى وظائف او انشطة الإدارة وهي: التخطيط.
الفقرة رقم (2): الآن يبدأ تقسيم المهام، وتحديد المسئوليات، والطريقة التي ستسير بها الأمور طوال الرحلة، وتنظيم الحقائب داخل السيارة، وهذه الفقرة تتفق مع الوظيفة الثانية من وظائف الإدارة: التنظيم.
الفقرة رقم (3): وهي تشير إلى الوظيفة الثالثة من وظائف الإدارة: القيادة، حيث يتم الإشراف على تنفيذ الخطة.
الفقرة رقم (4): تتوافق مع الوظيفة الأخيرة: الرقابة، وهي تعني مٌراقبة تنفيذ الخطة كما تم الاتفاق عليها مع إمكانية تعديلها إن استدعى الأمر ذلك، او اتخاذ إجراءات من شأنها تنفيذ الخطة بشكل أفضل.
هذا هو جوهر ما يتم تدريسه في أي مكان يٌقدم علم الإدارة لطلابه، فلا يخلو أي عمل يتصل بعلم الإدارة من هذه الوظائف او يٌمكن تسميتها بالأنشطة التي يقوم بها المٌديرين، حتى وإن كانت هناك اختلافات طفيفة في بعض النظريات.
بهذه المقالة أحاول تقديم نموذجًا عمليًا يوضح أن الإدارة ليست مجرد كلامًا في المراجع والكتب، وانما هي عملية نقوم بها طوال الوقت في حياتنا، وهي كذلك الحل السحري الذي أنقذ دولًا كثيرة وجعل لها وزنًا وثقلًا على مستوى العالم، فإذا أردنا أن نكون مثلهم فعلينا أن نٌخرج هذا العلم من الكتب إلى الحياة وإلى مؤسسات الدولة.