"خالد": حولت منزلي لمعمل صابون للإنفاق على أبنائي
«الشريباتى» أثناء عمله فى مصنع الصابون بمنزله
«معمل صابون» فى المنزل لتغطية المصاريف، كان ذلك هو الحل الذى اهتدى له الستينى خالد الشريباتى ويقطن بمنطقة العبور بمحافظة القليوبية، والذى قدم إلى مصر قبل ثمانى سنوات هرباً من ويلات الحرب فى سوريا، وتحديداً بمسقط رأسه بريف دمشق، فبعد أن قامت مفوضية اللاجئين بقطع المساعدات عن «خالد» وزوجته الثانية بعد وفاة الأولى ودفنها بمحافظة المنوفية، قرر عدم الاعتماد على بعض الأموال التى يرسلها له أبناؤه المقيمون فى الخارج، وقام بتجهيز معمل صغير لصنع الصابون متعدد الاستخدام بعد تكرير زيت القلى ومعالجته ومن ثم بيعه. علاقة «خالد» وارتباطه بمصر لم تكن وليدة الثمانى سنوات الأخيرة، ولكن جذورها امتدت إلى عام 1990، عندما قرر الشاب العشرينى حينها إنشاء مصنع للصابون بمنطقة إمبابة بالقاهرة، وتكررت زياراته إلى مصر لمدة عام ونصف لتنقطع بعدها بسبب التحاقه بصفوف الجيش السورى ليقضى 6 سنوات هى مدة تجنيده، وبسبب تعذر سفره وإهمال الرقابة أغلق المصنع، إلا أن تعلق «خالد» بمصر لم ينقطع، ولذلك كانت هى الاختيار الأول عندما قرر اللجوء ومغادرة سوريا.
فى أكتوبر عام 2012 تعرّض منزل خالد للقصف، حينها قرر عدم البقاء وشد رحاله هو وزوجته إلى مصر وتبعه اثنان من أبنائه بينما فضّل الثلاثة الآخرون التوجه إلى لبنان وتركيا، لم تكن الجهات الأمنية فى ذلك التوقيت قد أحكمت قبضتها على المطارات وشددت على الفيزا وإجراءات الدخول إلى البلاد، الأمر الذى كان فى مصلحة «خالد» وأسرته، حيث استطاعوا حينها السفر بشكل رسمى عبر المطار والحصول على تأشيرة مجانية للدخول. كان فندق عرفة بوسط القاهرة هو أولى المحطات التى قصدها «خالد»، لينتقل بعد أسبوع إلى منطقة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة وتحديداً «مساكن عثمان»، ويرجع «خالد» السبب فى قصد العديد من السوريين لمنطقة أكتوبر إلى المساعدات التى قدمها الأهالى لهم: «فى أول أحداث الثورة السورية ولما بدأ السوريين ييجوا مصر كان أهالى أكتوبر بيجمعوا بطاطين وأكل وشرب فى جامع عماد راغب عشان يوزعوها عليهم لأنهم لما سافروا كانوا بملابسهم بس وبعض ذكرياتهم واحتياجاتهم البسيطة اللى قدروا ياخدوها معاهم على أمل إنهم يرجعوا تانى».
بعد مرور عام، وفى منتصف 2013، انتقل خالد وزوجته للإقامة فى مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية بعد أن وفّر لهم أحد الأشخاص مسكناً وتمكنا من الحصول على مساعدات مادية بالإضافة إلى المساعدات التى كانت تقدمها لهم المفوضية، حيث كان «خالد» يحصل على كوبون مواد غذائية بقيمة 400 جنيه، بالإضافة إلى 600 جنيه راتباً شهرياً: «مساعدات المفوضية لوحدها ما كانت بتكفى، بس مع مساعدات الأهالى كنا بنكفى حالنا».
لم يكد العام ينقضى حتى توفيت الزوجة، واضطر «خالد» إلى عمل إعلام وفاة بمقر مفوضية اللاجئين بالزمالك ليتمكن من دفنها واستخراج شهادة وفاة لها، ولكن كان إعلام الوفاة سبباً فى قطع المفوضية للمساعدات: «قعدت شهرين مفيش رصيد على كارت المساعدات الغذائية، ولما اتواصلت معاهم قالولى إنهم وقفوا المساعدات عشان زوجتى توفيت وأصبحت غير معيل فما بستحق المساعدات وأخدوا كارت اللجوء تبعى وعدلوه وصار غير معيل ورجعوهولى تانى مع العلم إنى مريض وما بقدر أشتغل».
حرمونى من "كارت الغذاء" بعد وفاة زوجتى
بعد أشهر قليلة من وفاة الزوجة اضطر «خالد» إلى الزواج مرّة ثانية: «أنا راجل مسن ومريض وما بقدر أعيش لحالى ورغم زواجى المفوضية ما رجّعت المعونات تانى واتواصلت معاهم وقدمت شكاوى ويقولوا لى هنراجع ملفك وما يرجعوا يتواصلوا معايا»، تتخطى مصاريف «خالد» وزوجته مبلغ الـ5000 جنيه شهرياً بسبب إيجار المنزل، بالإضافة إلى الأنواع العديدة من الأدوية التى يتناولها الرجل الستينى، لا يملك «خالد» سوى جنيهات قليلة من المبلغ المطلوب، الأمر الذى دفعه لاستعادة خبرته فى مجال صنع الصابون لتخفيف ضغط الالتزامات التى أثقلت كاهله، حيث يقوم بتكرير زيت القلى الذى يحضره له جيرانه داخل معمل صغير بمنزله: «أنا وزوجتى بنروح لجيرانا ونقول لهم على الصابون وبعضهم بيقتنع ويجيبوا لنا الزيت وبعضهم ما بيمشى الحال معهم»، يقوم «خالد» بتنقية الزيت ليصبح خالياً من الشوائب ويضيف له بعد ذلك بعض المواد العطرية بروائح مختلفة وجذابة ومن ثم يشكله: «كل 10 كيلو زيت بيطلع متلهم صابون وباخد على الكيلو 15 جنيه وأوقات أقل».
زوجة خالد هى الأخرى حاولت أن تبتكر طرقاً للتدفئة لمواجهة برد الشتاء القارس، حيث تقوم بملء زجاجات من المياه الدافئة وتضعها تحت فراش زوجها لتدفئته: «بسبب إصابته بجلطة فى المخ ومرض السكر فدائماً بتكون رجليه باردة وما بنقدر نشغل الدفاية لأنها بتسحب كهرباء كتير فبعمل هيك الشغلة وكل ما بتبرد بروح أبدلها»، كما تقوم السيدة بغسل الملابس مرة واحدة فى الأسبوع لتوفير فاتورة الكهرباء.