"ألتر": المساعدات انقطعت بوفاة والدتي.. وقضيت شهورا في الشارع
ألتر دولبين
«ألتر دولبين» يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، أجبرته الحرب فى دولة جنوب السودان قبل ثمانى سنوات على النزوح رفقة والدته وشقيقه الذى يصغره بعامين إلى الشمال، حيث المناطق الأكثر أمناً بعد أن قُتل والده فى نزاعات الجنوب، فترة قصيرة مرّت لم يهنأ فيها «ألتر» بحياة هادئة، حيث أُجبر للمرة الثانية على النزوح إلى خارج حدود السودان متجهاً نحو مصر بعد الاحتجاجات التى سبقت الثورة السودانية. يقول «ألتر» إنه بمجرد دخوله مع والدته إلى مصر قبل ست سنوات اتجهوا جميعاً إلى مبنى مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين ليحصلوا بعدها على بطاقة اللجوء، ومن ثم الحصول على مساعدات مادية قيمتها 1600 جنيه شهرياً، استمرّت المساعدات حتى وفاة والدة ألتر منذ أربع سنوات متأثرة بعدد من الأمراض التى كانت تعانى منها، لتنقطع بعدها إمدادات المفوضية دون سبب.
انقلبت حينها حياة الشاب اليافع الذى ترك مقاعد الدراسة واتجه إلى الشارع للبحث عن عمل يؤمّن حياة بسيطة له ولشقيقه الذى حرص «ألتر» على أن يبقى ضمن صفوف الطلاب فى المدرسة، إلاّ أن وطأة الظروف كانت أقوى من قدرة الشاب الصغير على التحمل، فاضطر إلى إيقاف شقيقه عن الدراسة هو الآخر بعدما تواصل مع مكاتب المفوضية لفترات طويلة لكن دون رد: «بعد تلات شهور تقريباً لقيت الوضع المادى صعب ومش عارفين نلاقى فلوس ناكل ولا ندفع إيجار البيت».
أعانى نقصاً فى الكالسيوم بسبب نقص الغذاء.. ولو اشتغلت أكتر من 3 ساعات أفقد الوعى
كان «ألتر» يظن أنه بعد أن تزول أعباء المصاريف الدراسية عن كاهله سيتمكن من توفير بعض الأموال، إلاّ أن مفاجأة المرض الذى داهم جسده الصغير وأصابه بنقص الكالسيوم الذى أثر على حركته وقدرته على حمل الأشياء أو الاستمرار فى العمل لأوقات طويلة كانت سبباً كافياً لطرده من أى وظيفة بعد وقت قصير من البدء فيها: «نقص الكالسيوم جالى بسبب سوء التغذية لأنى ممكن أقعد أيام أنا وأخى ناكل فقط خبز ناشف ونشرب ماء وده أثر جداً على صحتنا، ولما قررت أنزل شغل بقيت مابقدرش أشتغل أكتر من تلات ساعات وبعدها ممكن أفقد الوعى، وده ماكانش مناسب مع أغلب الناس اللى بشتغل معاهم وكانوا بيمشونى بعدها بكام يوم»، عدم قدرة «ألتر» على إيجاد عمل مناسب دفعه إلى الذهاب إلى جامعى ونابشى القمامة للعمل معهم: «دول الناس الوحيدة اللى مش هيشترطوا ساعات عمل معينة يعنى وقت ما ظروفى تسمح بروح»، يحصل الشاب الأفريقى على ثلاثمائة جنيه فقط فى الأسبوع وبمعدل ألف ومائتى جنيه شهرياً، يتعين على «ألتر» من خلالها تسديد مبلغ 700 جنيه مقابل إيجار الشقة، بالإضافة إلى مصاريف العلاج التى لا يقوى على توفيرها، لتمر الأيام ويجد الشاب نفسه ملقى فوق أحد الأرصفة رفقة شقيقه لا يجدان مأوى لهما: «قعدت تلات شهور مابدفعش إيجار الشقة اللى كنت قاعد فيها فى فيصل والراجل صاحب الشقة ماتحملش ماياخدش إيجار رغم معرفته بظروفنا وطردنا فى الشارع بالليل وماكنتش عارف أعمل إيه أو أروح فين وكل همى كان على أخويا الصغير».
لجأت إلى نابشى القمامة للعمل معهم لأنهم لا يشترطون ساعات عمل معينة
ليال طويلة مرّت على «ألتر» وشقيقه نائمين فى الشوارع، هائمين على وجهيهما يتنقلان من منطقة إلى أخرى، لا يجدان من يقدم لهما يد المساعدة أو ينظر إليهما بعين الرحمة باحثين عن أى مأوى لهما من الشارع: «قعدنا كتير على الحال ده وتواصلنا مع المفوضية من غير ما نلاقى جواب منهم، ولولا إن فيه سيدة سودانية شافتنا هنا فى عين شمس وصعبنا عليها وأخدتنا نعيش معها فى بيتها المتواضع مع أولادها رغم حالتها المادية المعدمة كنا لحد الآن جالسين فى الشارع وبناكل من القمامة»، لا يأمل «ألتر» فى حل قريب لمشكلته على حد قوله، حيث تنحصر كل أمانيه فى بيت يجمع شمله هو وشقيقه وعلاج لحل مشكلاته الصحية، ونقود تساعده فى بدء حياة آدمية.