"أوين" ترعى حفيدتها بعد وفاة الابنة: لم أحصل على أي دعم من المفوضية رغم علمهم بظروفي الصعبة
«أوين» تحمل حفيدتها
داخل إحدى البنايات بمنطقة عين شمس شرق القاهرة، التى تضم عدداً من اللاجئين السودانيين باختلاف دياناتهم ومعتقداتهم التى تنوعت بين الإسلام والمسيحية، كانت «أوين عطون»، 55 عاماً، تجلس فوق أحد الأسرة داخل غرفة صغيرة تطل على شارع جانبى ضيّق، محتضنة حفيدتها التى توفيت أمها بعد شهر من ولادتها، نتيجة الإهمال الطبى الذى تعرّضت له أثناء الولادة، حسب روايتها.
تحاول «أوين» جاهدة إسكات صراخ الصغيرة التى تتضور جوعاً بتحريكها يميناً ويساراً لكن دون جدوى، فالطفلة التى شهدت الدنيا أولى صرخاتها قبل أربعة أشهر لم تذق طعم اللبن منذ ما يقارب ثلاثة أيام، حيث تعتمد الجدّة على إرضاعها قطرات من الماء لسد جوعها لساعات قليلة قبل أن تستيقظ مفزوعة من شدّة الجوع، تقول «أوين» إنها لم تحصل إطلاقاً على مساعدات من مفوضية اللاجئين، رغم مراسلتها ومناشدتها لهم، وإطلاعهم على ظروفها المادية المعدمة، إلا أنها لم تجد رداً يساعدها فى تحسين أوضاعها.
الأم الثكلى التى جاءت إلى مصر منذ أربع سنوات رفقة ابنتها الشابة قادمة من دولة جنوب السودان، شأنهما كغيرهما من الفارين هرباً من جحيم بلادهم بعد أن قطّعت الحرب أوصالهم لم تكن تنتظر تلك المعاملة من المفوضية، كما تقول، خاصة أن المفوضية دائماً ما تردد عبر موظفيها أنه تهمها مصلحة اللاجئ أولاً وأخيراً.
بصوت حزين منخفض يملأه الألم وأوجاع الفقد، تقول «أوين»، التى بدت بمظهر تغلب عليه البساطة، معبّرة بقوة عن حالتها المادية وأوضاعها المعيشية القاسية، إنّها أصبحت المسئولة الوحيدة عن حفيدتها منذ وفاة ابنتها فى نوفمبر الماضى: «البنت الصغيرة دى مالهاش حد فى الدنيا غيرى، ولو أنا حصل لى حاجة مش هيكون فيه حد يراعيها»، فبمجرد وفاة الشابة تخلى الزوج عن ابنته، وانقطعت أخباره، واختفى كما لو أنه لم يظهر مطلقاً، مما دفعها إلى البحث عن شخص أو جهة تمد لها يد المساعدة.
الانتظار أمام أبواب مكاتب مفوضية اللاجئين دون رد اضطر «أوين» للجوء إلى كنيسة العذراء بالزيتون كحل للحصول على طعام وملابس لحفيدتها، فأبسط المقومات التى يحتاجها الطفل لم يكن فى استطاعة السيدة العجوز التى سكن المرض جسّدها توفيرها، تقول «أوين»، التى أخذت الدموع تغالبها أثناء حديثها أنّها عندما قررت اللجوء كان بناءً على رغبة نجلتها التى كانت دائماً تردّد أنه لا مفر من الحرب سوى بالهرب: «بنتى هى اللى كانت بتشتغل وتصرف عليا ومن يوم ما ماتت وأنا مش عارفة أعمل إيه وباتمنى بس آخد أى إعاشات من المفوضية علشان الطفلة الصغيرة دى».
تقول «أوين» التى لا تنطق سوى كلمات قليلة باللغة العربية إنّه من حسن حظها أنّها صاحبت هى وابنتها أثناء رحلة نزوحهما مجموعة من سودانيى الشمال الذين ساعدوهما بشكل كبير على التعامل وتسيير أمورهما حتى استطاعتا الوصول إلى مصر، حيث كانت النساء اللاتى يرافقنها يعملن بمثابة مترجمات للسيدة الخمسينية وابنتها، واستطاعت من خلالهن تعلم بعض الكلمات والجمل العربية لتستطيع تلبية احتياجاتها دون أن تعرض نفسها للاستغلال، حيث تحاول السيدة جاهدة، البحث عن فرصة عمل تضمن لها دخلاً يسد جوع حفيدتها ويراعى ظروفها الصحية فى ظل غياب تام للخدمات الطبية للاجئين.