عضو "البحوث الإسلامية": "كورونا" ليس غضبا من الله.. وما يحدث اختبار للبشرية حتى تتعاون وتأخذ بالأسباب
الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر
قال الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن انتشار فيروس كورونا والمرض به بهذا الشكل، إنما هو خطاب للبشرية كلها، وربما موقف من المواقف التى تخاطب البشرية لتتعاون وتتآلف، وتأخذ بأيدى بعضها فى النجاة من هذا المرض، من أجل أن يتعاونوا على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان. وأوضح، لـ«الوطن»، أنه ليس كما يدعى البعض غضباً من الله، وإنما نوع من التكليف، لكى تتعاون البشرية كلها من غير تمايز، أو تفرقة بين دولة وأخرى، ولا بين أمة وأخرى، من أجل المحافظة على هدف دينى يدعو له الدين، وهو المحافظة على النفس الآدمية.. وإلى نص الحوار:
عبدالله النجار: القول بشهادة ضحايا "كورونا" إساءة استخدام للفتوى ودعوة للعوام والسذّج أن يهملوا ويساعدوا على نشر المرض
لماذا لجأ الناس إلى استفتاء رأى الدين فى أمور فيروس «كورونا» رغم وجود قرارات واضحة بشأنه من قبل الحكومة؟
- سعى الناس لمعرفة رأى الدين أمر فطرى، وطلبهم المستمر للفتوى فى كل الأمور، مرهون بطبيعتهم التى خلقهم الله عليها، فالدين فطرة فى النفوس (فطرة الله التى فطر الناس عليها)، ودائماً الإنسان يريد أن يلتزم فى انقياده للقرارات والتعليمات مع ما يؤمن به، وهذا يعطى القوانين فاعلية، واحتراماً وطاعة، لكن المشكلة فى إساءة الفتوى، فبعض الناس يستغلون الفتاوى ليس للصالح العام الذى ينشده الإسلام، وإنما لتحقيق مكاسب ومصالح خاصة، ففتوى شهادة من يموت ضحية الكورونا، ظاهرها القبول، لكن ليس وقتها الآن، لأن ذلك يجعل من الإهمال فى المحافظة على الحياة أهمية، ويدفع البعض للتفريط فيها، أرى هذا نوعاً من إساءة استخدام الفتوى، فلا يمكن أن يكون شخص أهمل فى حق نفسه، ووطنه فمات، أن يكون شهيداً، فالله تعالى قال (يا أيها الناس خذوا حذركم)، وقال (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، فأن يقول البعض إنه يلقى بنفسه إلى الشهادة فى مثل هذه الحالات فهذا ليس من الفهم الصحيح للدين، وأدعو من يفتون أن يكونوا ذوى فهم صحيح للدين.
كيف ترى بعض الأئمة ممن يصرون على فتح المساجد للصلاة رغم قرارات إغلاقها؟
- هؤلاء يسيئون لصحيح الدين، فهذا من إساءة استخدام الفتوى، واللعب على المشاعر الإنسانية بأمور تخالف الإسلام ومقاصده، فالدين يدعو للحفاظ على النفس، وأن يكون الناس يداً واحدة، ومع الدولة التى يجب أن يتعاون كل أبنائها للقضاء على هذا الوباء، فالفرد ما هو إلا عضو فى وطن، وفى الإنسانية كلها، وبالتالى كل فتوى تخرج عن هذا السياق، وتؤدى إلى استغلال الدين عاطفياً بشكل سيئ، فهى تعاكس المفهوم الدينى الصحيح، وأدعو الناس إلى عدم إساءة الفتوى، فالبشرية كلها الآن فى خندق واحد، ومن يريد أن يدمرها ويظن أنه فى سبيله إلى الشهادة، فهو يمارس حماقة، وتلك الفتاوى والتصرفات بمثابة دعوة للعوام والسذج أن يهملوا أو يساعدوا على نشر المرض.
من خرجوا فى الشوارع للتكبير والدعاء يحرفون "الدين" عن مواضعه.. والإخوان خونة بالإيجار ومعرّة فى كل الأديان
ما تعليقك على من خرجوا فى الإسكندرية فى مظاهرة للتكبير والدعاء؟
- هؤلاء يحرفون «الدين» عن مواضعه، ويستغلونه فى غير سياق الفهم الصحيح، لأنهم ينشرون المرض بهذا الأسلوب، رغم أنهم يكبرون ويدعون، وهذا مظهر قد يكون مقبولاً فى ذاته، لكنه يؤدى إلى الهلاك والقتل وانتشار الوباء، وتدمير المصالح العامة فى البلاد، فهذا حرام، والبعض قام بذلك بتحريض من الإخوان الذين باعوا ضمائرهم وتاجروا بالأنفس، واستغلوا الدين أسوأ استغلال، ولا يعنيهم الإسلام من قريب أو بعيد، إلا أن يتكسبوا منه، وأرى أنهم أجراء وخونة بالإيجار، وهو أقبح الأجر فى الإسلام، وهؤلاء معرة دينية، فى كل الأديان والملل، ومن يظن أن لهم هدفاً دينياً، إنسان ساذج.
يرى البعض أن هذا البلاء غضب من الله.. ما تعقيبك؟
- ليس غضباً من الله، وإنما هو نوع من المواقف يمتحن الله بها إيمان الناس، من الممكن أن يتعرض الإنسان لأى موقف فيتصرف فيه التصرف الدينى الصحيح، بأن يأخذ بالأسباب، ويقى نفسه من الأمراض، ويتعاون مع الناس على إنقاذ الحياة، ويكون عضواً فاعلاً فى المجتمع، لأن هذه المواقف تبين المعادن، فموقف البشر يجب أن يكون وفق سياق الدين الصحيح فى الأخذ بالأسباب، وفى المحافظة على الحياة، وفى اتخاذ الوسائل التى تؤدى إلى الشفاء، لأن المحافظة على النفس عبادة من أشرف العبادات، كونها تعبد الله، وتُعمر الأرض، وتقيم الدين عليها، فهو موقف تمتحن به البشرية، كى تتصرف التصرف الصحيح.
هل يمتحن البشرية أجمعها؟
- نعم، فهذا موقف يدعو إلى التعاون، فالله تعالى، يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، فهذا خطاب للبشرية كلها، وربما هذا موقف من المواقف التى تخاطب البشرية لتتعاون وتتآلف، وتأخذ بأيدى بعضها فى النجاة من هذا المرض، الذى لا يفرق بين إنسان وآخر، وشعب وغيره، هذا نوع من المواقف التى يمتحن فيها الناس، من أجل أن يتعاونوا على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان، فهو ليس غضباً، وإنما نوع من التكليف على التعاون، وأن تتعاون البشرية كلها من غير تمايز، أو تفرقة بين دولة وأخرى، أو أمة وأخرى، من أجل المحافظة على واحد من الأهداف الدينية، وهو المحافظة على النفس الآدمية، أياً كانت هذه النفس ومعتقدها، فهى واجبة الحفظ فى كل زمان ومكان، وهذا هو المعنى المراد، وهو معنى دينى لا ينم عن غضب، ولا انتقام، ولا أى شىء من هذا القبيل، لذا اتباع تعليمات الحكومة واجب دينى، والخروج عن هذه التعليمات ومخالفتها يعد مخالفة شرعية جسيمة، ومن يخالف ذلك فهو آثم.
هل يطول هذا النوع من الابتلاءات؟ وما تعقيبك على ما يردده البعض من أن هذا نهاية العالم ومن علامات القيامة وغيرها؟
- الأمراض موجودة منذ أن خلق الله البشرية، وحدثت من قبل كوارث صحية، ونجت منها الأرض، كالكوليرا التى اجتاحت العالم ومرت، وانتشرت فى بعض القارات فيروسات الإيبولا، والسارس، وكانت أمراضاً عامة وخطيرة، لكن المشكلة فى هذا الوباء أن نطاق انتشاره واسع، أما القول إن ذلك هو القيامة والآخرة ونهاية العالم فليس محله، وهذه أيضاً دعوة خبيثة، تهدف إلى ترك الناس العمل للدنيا، فالقول إنها من علامات الساعة ليس صحيحاً، فالساعة ليست بعيدة عن أى إنسان، إذا مات ابن آدم قامت قيامته، ينتهى الزمن لمن يموت، إنما المسألة أنها تكليف من الله، يدعو الناس إلى التعاون من أجل النجاة من هذا الأمر، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بالمكوث فى البيوت، ووقاية النفس والآخرين، من أن تصل لهم العدوى، «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».