علا الشافعي تكتب: فن الجلوس في المنزل
علا الشافعي
اختيار رائع يعيد اكتشاف نجمة!
بسبب انتشار فيروس كورونا وقرار الحظر يجلس معظمنا فى منزله. وبما أننا نملك الكثير من الوقت الذى نستطيع أن نديره كما نحب فهو يشكل فرصة جيدة لإعادة اكتشاف الكثير مما يفوتنا فى أوقات الزحام والجرى وراء الكثير من التفاصيل الحياتية أو المتعلقة فى العمل، هذه الفرصة التى لا تتكرر تجعلنا نتذكر رواية كان من المفترض أن تتم قراءتها، وأجّلنا كذلك فيلماً أو مسلسلاً، تجعلك تعيد تأمُّل واكتشاف ممثل فى عمل قدمه مؤخراً، ولم تتح لك فرصة التعاطى مع هذا العمل وقت عرضه.
المجد للـ«ON LINE»
فى ظنى أن هناك الكثير من القناعات التى ستتغير بعد مرور تلك الأزمة، والتى كشفت لنا عن الكثير من الأمور التى كان يجب أن تتحقق على أرض الواقع ولكننا أهملناها لا أعرف عن عمد، أو استسلاماً لناموس الوقت الذى كنا نعيشه قبل زمن «كورونا» ولم نكن نملك الوقت لنتأمل ونسأل لماذا لم نخطُ مثل هذه الخطوات؟
وأتحدث هنا عن مبادرة وزارة الثقافة المصرية والتى تقوم ببث الكثير من الأعمال المسرحية والغنائية التى أنتجتها الوزارة وظلت حبيسة الأرفف، دون أن نعرف لماذا لا تُعرض.. ولكن كما يقولون «رب ضارة نافعة»، أخيراً تعاونت وزارتا الثقافة والإعلام معاً.
شاهدوا الكثير من الأعمال المسرحية والحفلات الغنائية التى أنتجتها وزارة الثقافة وظلت حبيسة الأرفف
حيث باتت عروض مسرح الدولة وحفلات دار الأوبرا المصرية متاحة «أون لاين» أو على القنوات الأرضية المصرية، ليشاهد من يجلسون فى المنازل مسرحيات مثل «أهلاً يا بكوات»، أو حفلات لموسيقار صاحب شعبية مثل عمر خيرت وبهذا المعنى تتحقق مقولة الثقافة للجميع، وتقوم الوزارتان بدورهما الأساسى ألا وهو التنوير، ولكن تلك المبادرة الجيدة فى هذا التوقيت تستحق الترويج والتسويق لها بشكل أكبر وأفضل.
ونتمنى أن تصبح حالة دائمة، ولا تتوقف بعد مرور الأزمة، ويجب أيضاً على وزارة الثقافة أن تعى أهمية الوجود بأشكال تتناسب مع التطورات التى نعيشها وأن تذهب بإنتاجاتها إلى الجمهور دون الاكتفاء بالنخبة التى تذهب.
«بلات فورم» حالة خاصة
الكثير منا صارت منصة «نتفليكس» منصته المفضلة التى يشاهد عليها الكثير من الإنتاجات المتنوعة من مختلف دول وثقافات العالم، ولكن من اللافت للنظر أنه ومع بدء انتشار فيروس «كوفيد 19»، أو كورونا المستجد، اتجهت بعض القنوات والمنصات إلى عرض أفلام تتعلق بنهاية العالم، أو أفلام الخيال العلمى التى تنبأت بوجود فيروس جديد يجهله العلماء ويقضى على الكثيرين على كوكب الأرض، ولكن الشبكة الأمريكية اختارت أن تعرض بعض الأفلام التى تحمل أبعاداً فلسفية، وتطرح الكثير من التساؤلات حول الحضارة الحديثة وما فعلته بالإنسان، وكيف يزداد توحشاً فى ظل الخضوع لنظام رأسمالى لا يعرف الرحمة، ولا يكتفى فقط بتحويله إلى آلة، العلاقة بين الطبقات والصراع الأزلى وهو ما يجعلنا نسترجع الكثير من نظريات علم الاجتماع التى ناقشت علاقة الطبقات المجتمعية مثل كارل ماركس، وإنجليز.
فيلم "Platform" سينقلكم إلى عالم ما بعد الكورونا
تلك الأسئلة التى تأخذنا إلى ما يطرحه البعض أيضاً ماذا بعد كورونا؟ وكيف سيكون شكل العالم؟ ومن هذه الأفلام التى تستحق التوقف والتأمل فيلم «المنصة» أو «platform». الكثير من التساؤلات تدور بذهنك طيلة ساعة و34 دقيقة هى مدة الفيلم الإسبانى والمأخوذ عن نص مسرحى للكاتبين «ديفيد ديسولا» و«بيدرو ريفيرو» اللذين يظهران فى أحد مشاهد الفيلم كمسجونين فى حوض استحمام، وتدور أحداثه حول سجن مصمم على شكل مجموعة من الطوابق، يتخللها فراغ تملأه طاولة مليئة بالطعام كل يوم، طاولة واحدة تتحرك رأسياً لتطعم عدداً غير معروف من الطوابق، تتوقف لدقيقتين فى كل مرة، فى كل طابق مسجونان، إذا كنت فى الطابق الرابع فأنت أمام مأدبة ما زالت عامرة، وإذا كنت فى الطابق الخمسين فستجد بعض البقايا والعظام «The Platform» فما بالك لو كنت بالطابق الـ200 أو الذى يليه هل سيتبقى لك شىء أم ستضطر إلى أن تأكل زميلك وفى أحيان أخرى قطعاً من لحمك أنت؟
المفارقة الدرامية أن بطل الفيلم يختار أن يدخل هذا السجن المرعب الذى يخضع لإدارة صارمة لا ترحم، يدخل حاملاً كتابه المفضل وهو «دونكيشوت»، ويحاول طوال الوقت أن يحتفظ بآدميته ولكن زميله العجوز بالسجن الذى خابر وعرف قوانين السجن أكثر منه يسخر منه ويؤكد له أن ما يردده ليس سوى أفكار نبيلة تبدو جميلة وإنسانية ولكن الواقع شىء آخر، وأنه سرعان ما سيتحول إلى وحش هو الآخر فالبقاء للأقوى.
ويتساءل البطل هل هذا هو المكان الذى دخله للحصول على إجازة ما تساعده على بناء مستقبله؟ وهل كلام هذا العجوز الذى دخل هنا لقضاء عقوبة حقيقى؟ يبدأ الرجل الذى تنقَّل بين عدة مستويات ووجده فى المستوى 48 فى تعليمه الدرس الأول «لا شىء فى الحياة بدون مُقابل»، إجابات محدودة لأسئلة عديدة يبدأ البطل فى طرحها بينما يتلقى صدمته الأولى فى موعد الطعام.
«القوى يأكل الضعيف» هو المبدأ الذى يتعلمه البطل الحالم حرفياً عندما يعلم حركة الطعام داخل المنصة، فسعداء الحظ فى الأدوار العليا يأكلون منه كيفما شاءوا، والطبقة الوسطى قد تنعم بقليل من الطعام، بينما من هم بالأسفل يموتون من الجوع أو يقتاتون على لحم بعضهم.
مع كل مستوى ينتقل له بطلنا ويتغير من يجاوره، يتغير هو الآخر، لدرجة أننا نراه فى مشهد يلتهم أوراقاً من كتابه المفضل، مرة نراه يجاور ذلك العجوز، الذى يبدو طوال الأحداث كأنه أصبح يعيش داخل رأسه، خصوصاً بعد ما قام بخلخلة الكثير من أفكاره أو تلك المرأة التى يلتهم السرطان جسدها، أو الرجل الأسمر والذى يعانى من العنصرية وكل ما يرغب فيه هو التحرر، منطق البطل الإنسانى والرحيم والذى يرى أنه من الضرورى أن يتم اقتسام الطعام وتوزيعه بالعدل بين الأدوار، ودفاعه عن تلك المرأة ذات الأصول الآسيوية التى كانت تطمح إلى أن تكون «مارلين مونرو الآسيوية»، ولخاطر هذا الحلم تعرضت للاغتصاب والقتل واختطفت ابنتها الصغيرة، والتى ظلت تبحث عنها فى جميع المستويات التى تمر بها، ولم يصدقها سوى بطل الفيلم، وأيضاً رغبة صديقه الذى ناصره وآمن برسالته ذلك الرجل الأسمر الراغب فى التحرر.
الفيلم غنىّ بالتساؤلات التى تظل تلازمك كمشاهد حتى بعد أن تنتهى من مشاهدته، رغم قسوة المشاهد، وفى نفس الوقت يحمل عناصر فنية متميزة على مستوى الديكور وتوظيفه درامياً لخدمة تلك المعانى والأفكار والتصوير والحالة المسرحية فى بعض المشاهد وتنفيذها، ورغم أنه يصنَّف كفيلم رعب، ولكنه مصنوع بشكل جيد على المستوى البصرى، ويستحق التوقف والتأمل.
الفيلم تم عرضه للمرة الأولى فى فعاليات قسم «جنون منتصف الليل» ضمن مهرجان تورنتو السينمائى الدولى خلال سبتمبر من عام 2019، الفيلم حقق جائزة تصويت الجمهور لأفضل فيلم.
منة شلبى.. النجمة التى تزداد توهجاً
قبل أوقات الحظر، ومع عرض مسلسل «فى كل أسبوع يوم جمعة» سمعت كثيراً عن تميز المسلسل، حيث شغل رواد «السوشيال ميديا»، وأخيراً أتيحت لى فرصة مشاهدته بحلقاته العشر دفعة واحدة، المسلسل المأخوذ عن رواية للأديب السكندرى إبراهيم عبدالمجيد، والعمل ينتمى إلى دراما العنف والرعب التى نادراً ما نشاهدها فى الدراما العربية، حيث ما تم إنتاجه سابقاً لم يرقَ لمستوى الأعمال الأجنبية التى نشاهدها، ولكن هذا المسلسل مصنوع بحرفية عالية فهناك مخرج واعٍ لنوعية العمل الذى يقدمه، المخرج محمد شاكر خضير يفهم جيداً الفارق بين صناعة عمل درامى اجتماعى، وآخر تدور أحداثه فى إطار من الرعب والإثارة والتشويق، هذا الفهم جعله يتمكن من توظيف عناصر العمل الفنية من تصوير وإضاءة لمدير التصوير الموهوب بيشوى روزفلت، ومونتاج،وديكور، وسيناريو ذكى بإيقاع سريع ومشاهد مكثفة وغنية بالتفاصيل لخدمة هذه النوعية من دراما الأحداث وتطورها، وذكاء فى توظيف نجوم العمل على رأسهم منة شلبى والتى باتت نجمة تجيد اختيار أدوارها بعناية، ويبدو واضحاً أنه لم يعد يعنيها الوجود بقدر نوعية هذا الوجود والكيفية التى تطل بها على جمهورها، ليس ذلك فقط بل الوسيلة التى يذاع من خلالها العمل لتضمن شرائح عمرية متباينة تتابع أعمالها.
منة شلبى فى هذا المسلسل تدرك جيداً أبعاد الشخصية التى تجسدها «نور» مهندسة الاتصالات الموهوبة شديدة الذكاء والوضوح والبراءة والتى لا تستوعب إطلاقاً أن المحب من الممكن أن يؤذى من يحبه تحت أى ظرف، لذلك أدركت سر التحولات للشخصية التى تجسدها ومراحل هذا التحول، فهى الفتاة التى دفنت حية، والتى باعها حبيبها الكاتب المرموق، والتى فرضت عليها ظروفها أن تتزوج من شخص يعانى من التوحد ومرض فرط الحركة، فاجأتنى «منة» فى العديد من المشاهد لقدرتها على التعبير ببساطة لا تخلو من لحظات وهج وعمق عن أدق وأصعب المشاعر المتحولة والمتناقضة فى مواقف تصل تطوراتها إلى حد الجنون فى بعض الأحيان، لاحظ الفرق فى الأداء ونظرة العين فى مشاهدها بعد أن تحولت «نور» إلى «ليلى»، ومشاهد الفلاش باك وتحديداً التى جمعتها بوالدها وشقيقيها ووالدتها، ومع حبيبها وزوجها الذى أنكرها الكاتب المرموق جسَّده «شريف سلامة».
منة شلبى نجمة موهوبة تزداد وهجاً وتألقاً وتعمل بإخلاص شديد لخاطر مهنتها وموهبتها.
آسر ياسين أيضاً جسَّد دور الشاب مريض التوحد وفرط الحركة بإتقان وجهد كبيرين ينعكس فى التفاصيل من الحركة للنظرة وطريقة المشى والوقت الذى يكون فيه ساكناً والمشاهد التى يكون فيها خارج السيطرة.
مسلسل «فى كل أسبوع يوم جمعة» هو مقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب إبراهيم عبدالمجيد، وبطولة كل من آسر ياسين، منة شلبى، سوسن بدر، خالد أنور، عارفة عبدالرسول، أحمد خالد صالح، عبدالعزيز مخيون، رشدى الشامى، محمد حاتم، مى الغيطى، إسماعيل شرف، فيدرا، شريف سلامة، محمد رضوان، وآخرين، وشارك فى السيناريو والحوار سمير عبدالناصر، ومحمد هشام عبية، ومعالجة درامية إياد إبراهيم، وإخراج محمد شاكر خضير.