في الذكرى الـ 72 لتأسيسها.. كيف أنقذت "الصحة العالمية" حياة الملايين؟
"خليل": عممت التطعيمات وقدمت حلولا لمواجهة الأوبئة ووسعت مفهوم الصحة
شعار منظمة الصحة العالمية
في الذكرى الـ 72 لتأسيس منظمة الصحة العالمية، التي توافق "يوم الصحة العالمي"، 7 أبريل من كل عام، أشاد الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، بما أدخلته المنظمة من تطويرات في نظم الرعاية الصحية، وما أدى إليه ذلك من انقاذ حياة ملايين البشر.
وقال "خليل"، لـ"الوطن"، إن منظمة الصحة العالمية تعتبر من أهم منظمات الأمم المتحدة، التي تأتي في القلب من منظماتها التنموية، مثل "البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة"، و"يونسكو"، حيث تعتبر هي عميدة تلك المنظمات.
وأشار إلى أن المنظمة مثلها مثل كل منظمات الأمم المتحدة، هي منظمة حكومات وليس شعوب، ولكن مهمتها "جليلة جدا"، وهي مساعدة الحكومات على اتباع سياسية صحية جيدة، ومواجهة الأعباء الصحية الموجودة، وقد لعبت دورا ضخما جدا في مواجهة عدد من المشاكل الصحية الهامة العامة والخاصة.
ومن المشاكل العامة مثلا، وفقا لخليل، كان موضوع الإلحاح على "التطعيمات الإجبارية"، حيث إنه وقت أن تأسست منظمة الصحة العالمية، كان هناك في مصر وكل الدول العالم، أناس كُثر يموتون بالدفتريا، وكانت هناك نسب إصابة بالسل مرتفعة، وكان هناك أطفال يموتون بالحصبة والتيفود. وفي الوقت الذي تحقق انتصار علمي على هذه الأمراض أواخر القرن الـ 19 باكتشاف تطعيمات ضد الحصبة، والدفتريا، والسعال الديكي، والتاتنوس، وعدد من الأمراض نت هذا النوع، فإنه لم يكن قد تحقق الانتصار الاجتماعي عليها بحكم محدودية انتشار هذه التطعيمات.
وأضاف "خليل": طبعا منظمة الصحة العالمية لم تقم فقط بنشر هذه المفاهيم، وإنما ساعدت كثيرا من الدول على عمل برامج تطعيم شاملة، وكانت هناك نتائج ثورية في هذا الموضوع، حيث إنه إذا نظرنا خلال الخمسين سنة الأولى من حياة المنظمة، سنجد هناك استئصالا كاملا لكثير من الأمراض، ولم يعد هناك مثلا حصبة أو شلل أطفال، نتيجة لدور منظمة الصحة العالمية.
وأشار منسق "الدفاع عن الصحة" إلى أنه من ضمن أدوار المنظمة أيضا، أنها تبحث المشاكل الصحية الاجتماعية الموجودة في مجتمعات معينة وتواجهها، مثلما حدث في تونس حيث تم اكتشاف حالات كثيرة لنقص نشاط الغدة الدرقية لدى سكان الجزء الصحراوي منها، نتيجة لوجود نقص شديد في عنصر اليود عدم وجود مصادر كافية له في غذائهم، فما كان من منظمة الصحة العالمية إلا أن اقترحت حلا بسيطا جدا للمشكلة، وهو إضافة اليود لملح الطعام، فأصبح كل المواطنين يحصلون على اليود اللازم، وهو ما أدى لشبه قضاء كامل على هذا المرض الذي كان يصيب قطاعات اجتماعية ليست بالقليلة، وهذا نموذج ثان من جبهات عمل منظمة الصحة العالمية.
أما النموذج الثالث لجبهات عمل المنظمة، بحسب "خليل"، فهو أنه كان لهم دور مهم في التعليم الطبي، فخبراء منظمة الصحة العالمية وبالذات في الخمسينيات لعبوا دورا خطيرا في تطوير التعليم الطبي، وهذا التطوير كان يشمل تغيير النظرة لعلم الطب، الذي كان يُنظر له قبلها على أنه علم بيولوجي، بينما منظمة الصحة العالمية طرحت مفهوما جديدا وهو أن الطب "علم بيولوجي اجتماعي"، وهو الأمر الذي لا بد أن ينعكس على إعداد الطبيب، وألا تقتصر مقررات التعليم في كليات الطب على دراسة الأمراض وعلومها وما يتعلق بها فقط، وأن تتضمن دراسة العلوم السلوكية مثل علم النفس والاجتماع والاقتصاد، وبالتالي فهي طورت مفهوم النظر إلى الطب نفسه.
وأضاف منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، أنه في سنة 1978 أحدثت منظمة الصحة العالمية ما يمكن اعتباره ثورة في المفهوم الاجتماعي للطب، في مؤتمر اشتهر باسم مؤتمر "المآتا" التي كانت عاصمة كازاخستان، التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وفي هذا المؤتمر رئيس منظمة الصحة العالمية ورئيس منظمة يونسيف، ألقيا خطابا مشتركا اكتسب صفة وثيقة عالمية في منتهى الأهمية، ركزت على مفهوم "الرعاية الصحية الأساسية"، وقالت إن التقدم في الطب ليس بأن نشتري أجهزة كثيرة حديثة، لأنها يمكن أن تكون مكلفة جدا، وأثرها على الصحة محدود، وإنما الأهمية الحاسمة، هي لتوسيع الجانب الاجتماعي للطب، وتعميم ممارسة الرعاية الصحية الأولية على كل البشر وكل المجتمعات بكل قطاعاتها الفقيرة والغنية، وعرفوا مفهوم الرعاية الصحية الأولية، بأنه يتضمن أشياء كثيرة، وليس فقط تطعيمات الأمراض، وعلاج الأمراض المتوطنة أو المزمنة مثل الضغط والسكر، ولكن أكدوا على أن المفهوم يتضمن جوانب اجتماعية، مثل وجود شبكة طرق وشبكة اتصال.
وبعد هذه "الوثيقة"، أصدرت المنظمة في أوائل الثمانينات تقريرا آخر عنوانه شعار "الصحة للجميع" بحلول سنة 2000، وكان المستهدف أنه بحلول سنة 2000 تكون كل الدول وشعوبها مغطاة بالرعاية الصحية الأولية، وهو ما لم يتحقق بالكامل، لكن الجهود المصاحبة له ساهمت في انتشار وتوسيع نطاق الرعاية الصحية الأولية.
وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية، بحسب "خليل" مفهوما متميزا للصحة، قالت فيه إن "الصحة ليست الخلو من الأمراض، وأن هذا المفهوم جدير بالحيوانات، وإنما الصحة هي السواء الجسماني والنفسي والاجتماعي الذي يمكن الفرد من تفجير طاقاته الخلاقة، وبعد كده أضافت الجانب الروحي، الذي يشمل القيم والمثل والأخلاق بشكل عام، وليس الدين فقط.
وبالاضافة لما سبق، حسبما يضيف منسق "الحق في الصحة"، فإن من أهم مهام منظمة الصحة العاليمة التصدي للأوبئة أو الجائحات، سواء كانت على مستوى وطني في دولة واحدة، أو إقليمي في مجموعة من الدول، أو عالمي مثل الوباء الحالي، وفي علم في الطب اسمه علم الوبائيات الإكلينيكية، وهذاجزء من علم الصحة العامة، وعلم الصحة العامة ككل، يُعرف بأنه العلم المشترك بين الطب وعلم الاجتماع، فبالتالي المسألة مش مجرد كيف تُشخص مرض وتعالجه، لكن أيضا كيف يكون هناك النظام الاجتماعي المترابط الشامل الذي يُعمم استخدامات العلم بأفضل الطرق لرفع مستوى صحة الشعوب.
وتابع: "طبعا ساهمت منظمة الصحة العالمية في تطوير عدد مهم جدا من مفاهيم علم الوبائيات الأكلينيكية، وأصبحت مرشدا للدول في كيفية مواجهة الأوبئة وطبعا هذا الكلام واضح جدا في دورها حاليا، وهي في هذا لا تضع روشتة موحدة تقول فيها للدول اعملوا كذا كذا، لأن ظروف الدول تختلف، حيث إنها تفصل تطبيق هذه القواعد على كل دولة على حدة، على حسب إمكانياتها.
وأشار خليل إلى أن هناك فترة في تاريخ منظمة الصحة العالمية كان تحت قيادة شخص لعب دورا رياديا في تبني المفهوم الاجتماعي والتنموي للصحة، بشكل أثار حفيظة مؤسسات التمويل الدولية ذات العقيدة الليبرالية الرأسمالية، وبعد أن تغير رئيس المنظمة بحكم السن، حرصت منظمات التمويل الدولية أن يأتوا برؤساء أقرب لمفاهيم مؤسسات التمويل الدولية التي تتبنى مفاهيم الخصصة وتقليل الإنفاق الاجتماعي على التعليم والصحة، والبنك الدولي أصبح "لازق في منظمة الصحة العالمية"، وكل المؤتمرات والأنشطة لابد تكون مشتركة، ليحاول أن يجعلها تتواضع في المفاهيم الاجتماعية للأمراض، لتطبق مفاهيمه في الخصخصة والحرية الاقتصادية وتقليص الإنفاق على الخدمات، وهو النقد الأساسي الذي يوجه لمنظمة الصحة العالمية.